حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

حوار

بلده كردستان العراق، منفاه ايران ومرجعيته الواقعية الايطالية 

كوركي يعتنق الأمل غصباً عن النهايات المكلومة

هوفيك حبشيان/ دبي...

في 81 دقيقة سينمائية، يقحمنا "ضربة البداية" لشوكت أمين كوركي (1973) في بيئة، بيئة كاملة متكاملة، هي بيئة كردية متجذرة في مدينة كركوك، تغرّب عنها كوركي لنحو 25 سنة من حياته قبل أن يعود اليها حاملاً معه موهبة صارخة سمحت له بالتقاط المساحة واللحظة والايقاع الحياتي وشخصيات تجسدت أمامنا بروعة وواقعية تترجحان بين حرفة ايرانية وتيار "الواقعية الايطالية الجديدة" التي لا ينكر كوركي خروجه من تحت معطفها، لا بل يشكل هذا عنده مادة اعتزاز وتوظيف، كما لدى الكثير من السينمائيين من قبله. لا شك ان المسافة النقدية التي تشكلت عنده تجاه الواقع الكردي في كركوك، بحكم وعيه وتركيبته الثقافية ونبذه للسياسة، واقامته في ايران لسنوات، هي بعض من عناصر أهّلته لمثل هذه السينما التي تتكون من لقاء مثير بين المناخ والتشكيل والمعنى. انها سينما ذات "كاراكتير"، كما يقال. فمن خلال تصويره ملعب كرة قدم مدمر حيث تعيش 300 عائلة من اللاجئين، شيدوا على ترابه بلدة صغيرة من بيوت الصفيح، يقدم كوركي استعارة تصل الى أهدافها النبيلة، سالكاً دربي التراجيديا والكوميديا، من دون أن يستنزف اياً منهما، ومن دون أن تأكل الواحدة حصة الأخرى. أما شخصياته، فهي "أكبر من الحياة" ("بيغر ذان لايف"، كما في التعبير الانكليزي الشهير). يحمل كوركي هذه الهموم كلها ويذهب الى نهايات مكلومة ومصائر محتمة، عليها أن تمر بالحزن وبلعبة الأقدار لبلوغ الأمل!

في "مهرجان الخليج السينمائي" عُرض "ضربة البداية"، وهو ثاني أفلام كوركي بعد "العبور من الغبار"، ضمن مسابقة الأفلام الطويلة، ونال الجائزة الأولى. كانت تلك مناسبة لقائه واكتشاف مخرج في مخيلته كمّ من الحكايات...

·         ما هي الظروف التي أتاحت لك تصوير "ضربة البداية"؟

- هي الظروف نفسها التي جعلتني أصوّر فيلمي السابق. اي انني تأثرت بالأشياء التي كانت من حولي. في المرّة الأولى رأيت ملعب الكرة في التلفزيون وأثناء زيارة لكركوك اكتشفت هذا الملعب بالعين المجردة وصوّرت بكاميراتي. قلت لنفسي: "هذا الملعب وُجد كي يكون مكاناً للعب، ليس من المعقول ان يؤوي ناساً في مثل هذه الظروف المعيشية الرديئة". هكذا انطلقت الفكرة. فكرت في ان يكون هناك شباب يحاولون منح هذا المكان دوره الحقيقي بجعله مسرحاً للعب والفرح والمسابقة الرياضية. الفيلم يري كيفية استرجاع الأمل في مكان مثل كركوك خصوصاً، وفي العراق عموماً. من المهم جداً ان تتغير الحالة المأسوية للانسان العراقي. هذا الأمل مهم جداً عندي. أريد للمأساة ان تتحول حالة أمل بغية التطلع الى مستقبل جديد. ولأنني أعيش داخل هذه البيئة منذ عشر سنين، وأشعر بهذه المعاناة وأعرف اعماقها، كان من المهم عندي ان اطرح هذه المسألة في فيلم. على رغم طغيان الصورة القاتمة والسيئة والكئيبة والعتمة، حاولت ان يكون داخل الفيلم لحظات بهية ولا سيما مع وجود الشخصية الكوميدية. أردت للحوادث ان تكون داخل فضاء من البهجة والفرح والتشويق. هذه كانت مساهمة مني لاكتشاف الفضاء بهذه الطريقة، مع ان النهاية هي حزينة جداً.

·     أنت تعيش في إيران منذ سنوات طويلة. كيف تكون اعادة احياء واقع "من بُعد"؟ وهل خانتك الذاكرة عند عملية استنباط حقيقة يومية معيشة؟ هل أجريت ابحاثاً وتوثيقاً لهذا الغرض؟

- صحيح أني عشت في إيران معظم سنوات حياتي، لكني عدت الى كردستان العراق منذ ما يناهز العشر سنين، وهو في رأيي زمن طويل جداً لأفهم مجتمعي وبيئتي واستوعب ما يجري في هذا المكان. اما بالنسبة الى الأبحاث، فأنا أجريت تحقيقات عن الظروف المعيشية لسكان كركوك...

·     لكن على رغم هذا، لا نستطيع ان ننكر ان علاقتك بالمكان مختلفة عن آخر يقطن فعلاً في تلك البقعة الجغرافية. والفيلم نتاج هذا الاختلاف...

- ليس من الضروري ان تعيش في مكان لكي تنتج عنه فيلماً، هذه ليست قاعدة او قانوناً. في العالم بأسره، هناك مثلاً سينمائيون يعيشون في فرنسا ويذهبون الى اليابان لإنجاز فيلم، او يكون المخرج بريطانياً ويصنع فيلماً هندياً. مع ذلك فأنا عشت في كردستان وأعرف البيئة جيداً، مع التذكير بأنني كنت أسكن اصلاً في كردستان ايران، اي انني لم اكن بعيداً من مشكلات بلادي. لم أكن مثلاً في أميركا، انما في منطقة قريبة من الحوادث التي كانت تجري في كردستان العراق.

·     لم يكن سؤالي يضمر اتهاماً. فقط كنت أريد القول ان تميز الفيلم يأتي من هذا المحل: الغربة النسبية عن المكان التي تسمح للمخرج بإلقاء نظرة نقدية على محيطه! آمل ان تكون قد فهمت قصدي...

- نعم، توخيت ما تقصده. كل شيء على ما يرام، ليس هناك سوء فهم (ابتسامة).

·     أكثر ما لفتني في الفيلم التقاط البيئة ونبضها. للصوت والضجيج المستمر فضل كبير في حسن التقاط هذه البيئة. صراخ الأولاد، صوت المروحية التي تقتحم الأجواء، والضجيج المتأتي من خارج الملعب... سؤالي: هل كنت مدركاً لأهمية الشريط الصوتي منذ بدء عملك على الفيلم؟

- هذا سؤال مهم جداً. عندما ذهبت الى الملعب، أدركت ان مسألة الصوت لا يمكن التغاضي عنها. الملعب كان شكله دائرياً. والناس كلهم يعيشون في تلك الدائرة، وإذا ما تحدث أحدهم في هذه النقطة يذهب الصوت بسهولة الى النقطة المقابلة. حالة الصوت هي حالة دائرية، تدور داخل الملعب، من هنا الى هناك، والعكس. الى تلك الأصوات للناس داخل الملعب، أضف الى ذلك ضجيج المروحية وضجيج السيارات المتأتي من خارج الملعب كما لو كنا في وكر دبابير. لذلك سارعت الى التحدث مع مهندس الصوت لنرى كيف يمكننا ان نوظف تلك الاصوات في الفيلم. هذا الأمر ولّد مشكلة حقيقية عندنا. كنا نريد التقاط الصوت بتقنية الـ surround، لكننا اضطررنا في الأخير الى التقاط كل صوت من الأصوات التي نريدها على حدة. عندما ذهبنا الى الاستوديو لدمج الاصوات المسجلة، كانت لنا رغبة واحدة هي تجسيد حالة يشعر المتلقي من خلالها انه داخل الملعب. كنا نريد للصوت حضوراً طاغياً. أنا أشعر بسعادة كبيرة كونك لاحظت هذا الشيء لأنني مدرك لها الى أقصى درجات الإدراك!

·     ذكية أيضاً معالجتك للصورة التي أزلت منها الألوان الزاهية والفاقعة الى حدّ تبدو انها أسود وأبيض على رغم انها ليست كذلك. هذه الصورة تبدو متناغمة مع الواقع المعيش، بقتامته وعنفه.

- كلامك صحيح جداً. ما إن وقع نظري على الملعب حتى بدا لي أن اللونين الابيض والاسود هما الاكثر ملاءمة للفيلم، لكن عندما ذهبنا الى التصوير اكتشفنا أن هذا الخيار ليس صائباً، فأعطينا قليلاً من اللون الذي رأيته. مسألة انعدام الألوان نابعة من كون حياة الناس في هذه البقعة لا تتضمن الا لوناً واحداً ولا توجد ألوان متعددة، والمعنى واضح على ما أعتقد. إضافة الى ان الملعب فيه ألوان قليلة...

·         كيف عملت على السيناريو؟ هل كان هناك نص محدد أم أنك خلقت كل شيء في موقع التصوير؟

- كان لي سيناريو أساسي عندما ذهبت الى الملعب. لكني كنت أعرف ان مفاجآت مفيدة تحدث على رغم حيازتي سيناريواً شبه مكتمل. لذلك كنت ليّنا مع هذه المسألة وكان عندي دائما باب مفتوح على المستجد والمثير. في الفيلم ثمة فضاء وثائقي، اما الممثلون فغالبيتهم ليسوا محترفين، لذا جهزت نفسي لأستقطب لحظات غنائية غير مظنونة. كنت دائم الاستعداد لهذه الحالة. أستطيع ان أقول ان السيناريو الحقيقي تغير بنسبة 20 في المئة بين لحظة كتابته ولحظة تصويره.

·         كيف اكتشفت الممثلين؟

- اخترتهم بعد اخضاعهم لعملية كاستينغ او تجربة. الغريب ان البعض من الممثلين الهواة كان قريباً جداً من ملامح شخصياته بحسب ما كانت مرسومة في السيناريو. الى الآن، لا أعرف من كتب الآخر، هل الممثلون كتبوا الشخصيات أم العكس! العجوز مثلاً نخاله أحيانا صاحب الكلام الذي يقوله، علما أن هذا الكلام من تأليفي.

·         تكلمت عن الواقعية الايطالية الجديدة كملهمة لك. واضح اعجابك بها. أي فيلم تحديداً؟ وهل هذا التيار مرجعية بالنسبة اليك؟

- انا متأثر بالكثير من المدارس السينمائية، لكن للواقعية الايطالية الجديدة مكانة خاصة في قلبي، ذلك أنني أرى نفسي في هذا التيار وأتوحد معه. يجب الا ننسى أن الواقعيين الجدد هم نتاج ما بعد الحرب العالمية الثانية. لا أستطيع أن أذكر فيلماً معيناً، بل هم مجموعة مخرجين من امثال فيلليني وفيسكونتي وروسيلليني ودوسيكا.

·     لا يتبدى الانقسام بين الاكراد والعرب والتركمان الا من خلال اللغة. هذا الانقسام في حاجة الى لعبة كرة قدم كي يظهر الى العلن...

- ربما يوجد شيء لا يوضحه الفيلم تماماً، وهو أن الفرق التي تأتي من خارج الملعب، العرب والأشوريين والتركمان، لا تعيش داخله. أما الملعب حيث يجري معظم الحوادث فسكانه من الاكراد.

·     كيف تفاديت فخ الوقوع في التأويل السياسي لدى تناولك موضوعاً بهذه الحساسية؟ أنا أعرف أنك تريد لفيلمك صوتاً انسانياً فريداً بعيداً من صراع الهويات...

- أنا فرح جداً لهذه القراءة الانسانية للفيلم. كان هدفي ايصال محنة وليس رسالة سياسية. كان هدفي ان أروي الى المتلقي كل ما شعرته، وبالصدق نفسه الذي شعرت به للمرة الاولى.

·         سمعت انك لم تجد دور سينما في العراق لعرض الفيلم!

- عندما قابلوني على محطة "سي أن أن"، سألوني لماذا لم يعرض فيلمي السابق على رغم نيله الكثير من الجوائز، فكان جوابي "لا توجد عندنا صالات". شكل هذا مصدر اندهاش بالنسبة اليهم. سألوني: كيف تنتجون الافلام وليس لديكم صالات عرض؟ هذه مشكلة متواصلة عندنا، ولم ينطلق التفكير في فتح صالات الا حديثاً. كل همّي واملي ان يرى جمهوري الأفلام التي اعرضها للآخرين في المهرجانات.

·     لفتني أيضاً استعمال الموسيقى؛ الكثير من الأفلام يضرها الاستخدام المفرط للموسيقى، لكن فيلمك متيقظ حيال هذا الشيء...

- موسيقى هذا الفيلم (وأيضاً فيلمي السابق) ألّفها موسيقي ايراني بارع، عمل للعديد من السينمائيين الكبار. عندما ذهبت اليه وتحدثت عن الموسيقى في هذا الفيلم، كنت متمسكاً برأي مفاده ان الاقتصاد في الموسيقى امر جيد، وهو جاء ليؤكد ما كنت اتطلع اليه، وقال انه قلما كانت الموسيقى قليلة أصبح الفيلم اشد قوة.

·         هناك ايضاً بصمة ايرانية في فيلمك!

- هذا طبيعي. عشت 25 سنة في ايران. هناك تعلمت السينما وانجزت الأفلام القصيرة. تأثرت بالواقعية الجديدة الايطالية لكن للسينمائيين الايرانيين حضوراً طاغياً في وجداني. على كل حال، في اي مكان من العالم ارى فيلماً جيدا، اتعلم منه!

·     السينما الكردية جيدة اليوم. هل نظام صدام حسين هو اكثر ما كان يمنع وجود سينما كردية، وهل ترى ان الأبواب شُرِّعت فجأة امام سينما كردية جديدة؟

- لم اكن في كردستان العراق خلال النظام السابق، لكن صدام حسين احتل كل الحياة الثقافية وكل شيء، فكان سبباً واضحاً في تخلف السينما الكردية، لكن بعد تحرير كردستان وسقوط النظام في 2003 انطلقت السينما الكردية. اليوم توجد عندنا طاقات جيدة وحيوية شابة. تبقى مشكلة عدم وجود آلية تدعم المخرج والعمل الجيدين...

 (hauvick.habechian@annahar.com.lb)

 

قضية

مَــن يــريــد قــتــل حــمــيــد عــقــبــي؟

2009 كان واحداً من أسوأ الأعوام بالنسبة الى الصحافة اليمنية: مضايقات، حملات مسعورة على الانترنت، والى ما هنالك من ممارسات قمعية تضع اليمن على لائحة البلدان التي تحتاج الى اصلاح قضائي جذري. خاضت الصحافة معارك ضارية وواجهت "فتاوى رجال الدين" و"دعاوى الحسبة" التي كان أبطالها أعضاء في كتلة حزب الإصلاح الإسلامي في البرلمان اليمني.

لكن يبدو أن 2010 ستكون أكثر شراسة وقمعاً للحريات، مع تفاعل قضية المقالة التي كتبها السينمائي والباحث اليمني حميد عقبي عن فيلم "حين ميسرة" لخالد يوسف. عقبي، هذا الغريب الأطوار المقيم في فرنسا، كتب في مقال نُشر قبل نحو شهر في مجلة "الثقافية" اليمنية: "المثلية الجنسية هي جزء وشريحة من مجتمعاتنا ولا يمكن أن نلغيها أو نستمر في ازدرائها وعزلها، وعلينا ان نطور القوانين المدنية ونوسع من حرية التعبير لتجد هذه الفئة المناخ الملائم للتعبير عن نفسها واندماجها وتفاعلها مع الآخرين، ففي الغرب والدول المتقدمة توجد مؤسسات عملاقة وجمعيات لحماية هؤلاء ونبذ العنصرية ضدهم وتم سن قوانين عديدة لحمايتهم ومساعدتهم على الاندماج والتعايش مع الفئات الأخرى وهم يطالبون بسن مزيد من القوانين مثل قوانين الزواج بعضهم من البعض والتبني وغيرها من الحقوق المدنية. (...) وأصبحت عقود الزواج المثلية يتم عقدها في الكنائس وبعض الدول مثل أسوج التي سنت قوانين الزواج المدني بين المثليين. وربما بعد عشرين عاماً قد يصبح حضور مراسم زواج مثلي جنسي في بلد مثل اليمن أمراً عادياً ليس فيه أي نوع من الغرابة أو الدهشة، نحن نعيش في عالم السموات المفتوحة والتغيرات السريعة ونحن جزء من المجتمع الإنساني ولا يمكننا أن نظل معزولين عنه ومن الأفضل ان نناقش مثل هذه القضايا بشكل علمي بعيداً من سطوة وتأثيرات أخرى كالدين والعادات والتقاليد".

غني عن التوكيد أن المقال أثار زوبعة في البرلمان اليمني ولدى خطباء الجوامع وكتلة من النواب التابعين لحزب الاصلاح  الديني. وبدأت المنتديات تزخر بالمدونين العشوائيين وبشتائمهم واهاناتهم. أحدهم كتب: "ادعو إخواننا الإرهابيين لتجهيز أحد إنتحارييهم لمحو هذا الخبيث من على وجه الأرض".

بحجة أن الكاتب دعا الى الرذيلة والاباحية وطالب بسن قوانين تبيح زواج المثليين في اليمن، جرت مناقشة الموضوع تحت قبة البرلمان اليمني في 7 نيسان الماضي وتم تحرير مذكرة الى وزير الاعلام من رئاسة البرلمان تطالبه بغلق الصحيفة والتحقيق مع المسؤولين. وانتقلت ردود الفعل الى الجوامع والمساجد عبر مكبرات الصوت في صنعاء وعدد من المدن اليمنية الكبرى تطالب بإنزال أشد العقوبات في حقّ عقبي ومحاكمته. حتى المدافعون عنه وقعوا أحياناً في فخّ المسميات المغلوطة فعرفوا في مقالاتهم المثلية بـ"الشذوذ الجنسي"! وعلمنا من مجموعة المقالات التي ارسلها الناقد حسن حداد عبر البريد الالكتروني، مطالباً بالتضامن مع عقبي، أنه تم تشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق (أي حقائق؟) من المنتظر ان ترفع تقريرها خلال ايام وإحالة القضية على المحكمة. بالاضافة الى المنشورات التي وزعت مكفِّرةً عقبي ومطالبةً باباحة دمه.

اكد عقبي من باريس انه لن يعتذر. "كتبت وأنا في كامل الوعي ومسؤول عن أي كلمة وهي وجهة نظر يمكن قبولها أو رفضها ومناقشتها من دون الإسراف في كيل التهم والتكفير وممارسات وسائل إرهابية مثل التهديد بالقتل أو إباحة الدم لمجرد طرح فكرة". اذاً لن يتراجع عقبي عن وجهة نظره، لا بل سيكون ربما من الخطأ طلب المغفرة من غول لا ينتظر الى أن يفترسه. فما الثمن الذي سيدفعه مقابل اصراره؟

 

... في تلك الأثناء: "المساء"  في المغرب تقود حملة ضد الصايل!

ربما يكون نور الدين الصايل، مدير المركز السينمائي المغربي، واحداً من أكثر الشخصيات اثارة للجدل في المجتمع المغربي. لديه انصاره كما لديه اعداؤه. يقال عنه انه بارع في الفوز بالأخصام، ويملك سرّ صناعتهم، اذ لا يوفر فرصة لاستفزازهم واسداء خدمات مجانية لهم، كما كانت الحال عندما ظهرت زوجته الحامل على غلاف مجلة مغربية وهي شبه عارية، ما أثار سخط المحافظين، في بلد لا ينبغي أن ننسى انه يعتنق الديانة الاسلامية، ولا يكفي ان تبتعد مدينة من مدنها 14 كلم عن الشاطئ الاسباني كي يخوض تجربة الحداثة والفردية من باب التحرر الجنسي. نقاش كبير يدور حول الصايل منذ تسلمه دفة السينما المغربية، وتنقسم الآراء حوله بين من يعتبره منقذ السينما المغربية ومَن يحمّله مسؤولية انحطاط تلك السينما، علماً ان الأرقام المعلنة تقول شيئاً عن دوره في تعزيز السينما المغربية. فمن بضعة أفلام سنوياً في منتصف التسعينات، توصلت الحركة السينمائية في المغرب الى اقتراح نحو من دزينة اعمال متفاوتة القيمة.   

اليوم، تقود جريدة "المساء" المغربية (التي كانت معارضة قبل ان تستردها السلطة على ما يقال) حملة مسعورة على الصايل الذي يترأس ادارة مهرجانات عدة وهو "رجل السينما الرقم 1" في المغرب، شئنا أم أبينا. العداوة بين الطرفين تعود الى بضعة أعوام خلت. في حوار مع أحمد نجيم يعود تاريخه الى عام 2007، يقول رئيس تحرير "المساء" توفيق بو عشرين: "هناك توجه سينمائي يقوده الصايل، يسعى إلى خلق صدمة في المجتمع المغربي، ويتحرك بأجندة إيديولوجية معينة، ولا يعير اهتماماً كبيراً للشروط الفنية والأدبية التي تنتج فيها الأفلام ولا لحاجات الجمهور الذي تُفرض عليه نوعية معينة من الصور ومن الموضوعات". كلام أقرب الى اصدار فتاوى منه الى النقد، ولا سيما ان الصحافي يلعب هنا دور الرقيب، ويقرر سلفاً ما هي حاجات الجمهور، ومن دون أن يحدد ما هي "الأجندات المعينة" التي يتحدث عنها. في انتظار حسم المعركة، يتواصل في "المساء"، يومياً، ما بات يعرّف عنه بعض من المقربين الى الصايل بـ"التشهير والقذف". أمام هذا الواقع لم يبق للجهة المنحازة الى الصايل الا اطلاق حملة تضامنية من خلال عريضة حملت الى الآن تواقيع سينمائيين وناشطين ومثقفين وصحافيين، لكن القضية لا تزال على نار حامية

 

مهرجان
  
كانّ 63: عباس لن يُرجَم بالحجر وسيرة كارلوس تُفرَض فرضاً

ثلاثة أسابيع ثم تنطلق الدورة الـ63 لمهرجان كانّ السينمائي (12 – 23 أيار) الذي يرأس لجنة تحكيمه تيم برتون. الاعلان عن التشكيلة الرسمية التي رُفع النقاب عنها الخميس الماضي، وضع حداً للشائعات والتأويلات المتداولة في الأوساط السينمائية. التخمينات المتمحورة حول "مَن سيشارك بأي فيلم؟" بات تقليداً سنوياً يطل برأسه كل سنة مباشرة بعد انتهاء مهرجان برلين، لشحن جوّ الترقب الذي يهيمن على الأسابيع التي تسبق انعقاد المهرجان، وهو ثاني أكبر حدث أعلامي بعد المونديال. لكن، ثمة مشكلة جديدة ستعكر صفو كانّ هذه السنة، اذا لم يوجد لها حل سريع، متمثلة في المقاطعة التي أعلنتها بعض وكالات الأنباء المهمة رداً على قرار ادارة المهرجان وضع شروط مجحفة تشمل تغطيتهم للمهرجان. أياً يكن، أفرغ جيل جاكوب وتييري فريمو في مؤتمرهما الصحافي ما تراكم في جعبتهما، طوال الاشهر الـ12 الماضية. هذه القائمة، وإن لم تحمل الينا مفاجآت كبيرة، تمنح على الأقل الشعور بأنها على قدر عال من التماسك، وإن بدا تراجع واضح لأفلام الـ"جانر" التي سادت العام الماضي لمصلحة سطوع نجم سينما المؤلف القاسية والخالصة. اللافت أيضاً طول الأفلام المتسابقة، اذ هناك 8 من أصل 16 فيلماً، يتجاوز طولها الساعتين، ما يثير عادةً تململ الصحافيين والنقاد المضطرين الى متابعة كل أفلام التشكيلة الرسمية التي يبلغ عددها 47.  

في المسابقة الرسمية لم يُعلن الى الآن سوى 16 فيلماً، علماً ان الأفلام المتسابقة على "السعفة" تتخطى عادة الـ20، لكن عدم جهوزية بضعة أعمال مهمة، كـ"شجرة الحياة" لتيرينس ماليك، أرغم الادارة على ترك بضعة مقاعد شاغرة ريثما ينتهي المخرجون من وضع اللمسات الأخيرة.

نلاحظ أصنافاً عدة من المشاركين في مسابقة هذه الدورة. هناك أسماء الصف الأول، من تاكيشي كيتانو الى مايك لي، فبرتران تافيرنييه (العائد الكبير الى كانّ مع فيلم تدور حوادثه في حقبة زمنية سابقة) ونيكيتا ميخالكوف، مروراً بعباس كيارستمي الذي نُقل عنه مراراً عدم رغبته في المشاركة في اي مسابقة. لكن مَن يدّعي مقاومة مغريات كانّ فليرجم زميله بالحجر!

هناك الصنف الثاني، هو ذاك الذي برز وأثبت نفسه طوال العشرية الأخيرة، وكانت انطلاقته الحقيقية من كانّ، وهؤلاء محسوبون دائماً على المهرجان وإن عرّجوا على منصات أخرى، بين الفينة والفينة، ويمكن وصفهم بالأبناء المدللين، مع اختلاف اعمارهم: اليخاندرو غونزاليث ايناريتو، محمد صالح هارون، لي تشانغ دونغ، ابيشاتبونغ فيراسيتاخول، و... كزافييه بوفوا، الذي يعود الى حضن المسابقة بعد عقد ونصف عقد من نيله جائزة عن رائعته "لا تنس انك ستموت"، لكن هذه المرة مع قضية تعجب خاطر كل من يأتي عادة الى الكروازيت بحثاً عن مواضيع فضائحية. يعود بوفوا الى صفحة سوداء من الحرب الأهلية الجزائرية من خلال قصة سبعة رهبان ساد الاعتقاد انذاك انهم قتلوا على ايدي جماعات اسلامية متطرفة، لكن بدا في ما بعد ان الجيش الجزائري هو المسؤول عن مقتلهم. لدواعٍ أمنية، لم يصور هذا الفيلم المعنون بـ"رجال وآلهة" في الجزائر، انما في المغرب، حيث تولى ميشال بارتيليمي، مصمم ديكور "نبيّ" جاك أوديار، اعادة إحياء المكان الاصلي. وينضم الى هؤلاء رشيد بوشارب بفيلمه الجديد "خارجون على القانون" الذي يعود ويتابع من حيث قد وصلت اليه قصة الجنود الافارقة في "بلديون". فريق الممثلين نفسه الذي نال قبل 4 سنوات الجائزة الجماعية لأفضل تمثيل، يعود بهذا الفيلم الذي نجد فيه بعض هواجس بوشارب، منها البحث الأبدي عن الجذور والهوية. على الفيلم أن يعبر أولاً عتبة الاتهام الملصق به منذ الآن، وهو دفاعه عن "جبهة التحرير الجزائرية" والنشاط الذي كان لها في فرنسا خلال الحقبة الاستعمارية، والمفارقة ان الفيلم انتاج مشترك بين فرنسا والجزائر!

دائماً في المسابقة، تبقى الاشارة الى صنف ثالث من المخرجين المشاركين، مؤلف من طارئين على المسابقة (دوغ ليمان، صاحب الأفلام التجارية، وهو الفيلم الأميركي الوحيد الى الآن) أو سينمائيين كانت لهم حتى الآن تجارب تمهيدية، وهذه حال الممثل الموهوب جداً ماتيو أمالريك، والمخرج الروسي سيرغي لوزنيتسا. اما خارج المسابقة، تحديداً في قسم "نظرة ما"، فيشارك كل من وودي آلن وأوليفر ستون وستيفان فريرز ولودج كيريغان ومانويل دو أوليفيرا و... نجم المهرجان الأول جان لوك غودار الذي يأتي الى كانّ بـ"اشتراكية"، مسبوق دائماً بصيته، على أمل ألا يحدث ما حدث قبل سنوات خلال عرض فيلمه "موسيقانا" من هرج ومرج وتقاتل على باب الصالة خلال عرض الصحافة. في انتظار الغوص في اعماق هذه التشكيلة، فضائح عدة تلوح في الأفق (هل يجوز أن تُعقد دورة من كانّ بلا فضائح؟)، منها اصرار "كانال بلوس" على ادخال سيرة كارلوس الإرهابي التي أفلمها أوليفييه أساياس الى البرمجة (فيلم ملحمي صوّر للتلفزيون). ارهاب من نوع آخر يبدو ان الإدارة اذعنت له

هـ. ح.

 

Cut

وفاة فيرنير شروتر (1945)، أحد ممثلي تيار السينما الألمانية الجديدة الذي ظلّ يعمل في الخفاء ولم يقبل أن يقدّم التنازلات، وكانت الدورة ما قبل الأخيرة من البندقية كرّمته لعمله المتجدد منذ أربعة عقود. خلاّق آخر رحل بصمت.

بعد النجاح الجماهيري الذي نالته استعادة فيديريكو فيلليني، والتمديد الذي حظيت به اسبوعاً اضافياً، تتهيأ "متروبوليس" حالياً لاستعادة جاك تاتي التي ستنطلق في أواخر أيار.

سؤال واحد يتبادر الى ذهن مَن يتابع حوادث فيلم رومان بولانسكي الجديد، "الكاتب الشبح" (بدءاً من اليوم في الصالات المحلية): هل لفتح ملف ماضي المخرج صلة ما بمضمون الفيلم الفضائحي؟

عندما أقدمت الرقابة في العام الماضي على حذف مشاهد من "سمعان بالضيعة"، اجتمع مثقفون في البلد وهددوا بالتحرك وراحوا يتبادلون الرسائل لأسابيع متوعدين بالكثير، لكن الى الآن لم يتوصلوا الى اصدار بيان!

النهار اللبنانية في

22/04/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)