حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

صيف مصر السينمائي: زخم إنتاج وترقب قلق للإيرادات

القاهرة – نيرمين سامي

على رغم بدء موسم 2010 السينمائي بركود إنتاجي على المستوى الكمي كغالبية المواسم السينمائية في مثل هذا التوقيت، فإن الاستعدادت للموسم الصيفي - والذي يشهد عادة إقبالاً جماهيرياً ملحوظاً بصرف النظر عن جودة الفيلم من عدمه – على أشدها. والمنتجون يعلقون آمالاً على هذا الموسم في محاولة لتعويض ما شهده العام الماضي من تراجع في عدد الأفلام وهبوط مؤشر الإيرادات بسبب الأزمة المالية العالمية وانتشار وباء أنفلونزا الخنازير فضلاً عن قرصنة الأفلام بطرحها مجاناً على الإنترنت فور عرضها ما حال بين الجمهور وصالات السينما لبضعة أسابيع. لكن المؤشرات الأولية تنبئ أن موسم صيف 2010 سيشابه نظيره في العام الماضي لتزامنه مع امتحانات نهاية العام التي تبدأ أوائل آيار (مايو) المقبل ليعقبها نهائيات كأس العالم 2010 لكرة القدم والتي تحظى بنسبة مشاهدة عالية لينتهي الموسم مبكراً في منتصف آب (أغسطس) لحلول شهر رمضان المبارك.

ويلاحظ تنوع أفلام صيف هذا العام بين الكوميديا والأكشن والرومانسي والاجتماعي، إلا أنها تخلو إلى حد كبير من طيف سينما المؤلف التي يفضل صانعوها الابتعاد عن مواسم الصيف والأعياد قدر الإمكان لما تطلبه من تيمات سينمائية خاصة لا تتناسب مع الجو العام للعطلات والاحتفالات.

مع بداية موسم الصيف (منتصف نيسان/ ابريل)، تحضر الأفلام الكوميدية مرة أخرى في شكل اكبر مما كانت عليه العام الماضي ولكن على خلاف ما كان عليه الوضع منذ سنوات حيث كانت هي التيار السائد والمقتنص للإيرادات. 12 هو عدد الأفلام التي تستقبلها السوق السينمائية المصرية خلال موسم الصيف، في ظل حضور معظم أسماء سينمائية غابت الموسم الماضي عن خريطة الصيف، أو حضور البعض الآخر بقوة خلال الأعوام القليلة الماضية. للعام الثامن على التوالي، يطل أحمد حلمى بفيلم كوميدي ذي مضمون عميق هو«جواز سفر مصري»، بعد تغير اسمه من «مصر هي أوضتي» لرفض الرقابة على المصنفات الفنية عليه. والفيلم من إخراج خالد مرعي وتأليف خالد دياب وهما الثنائي الذي تعاون مع حلمي في آخر أفلامه «ألف مبروك». ويشارك حلمي البطولة لطفي لبيب وإيمي سمير غانم. تدور أحداث الفيلم حول شخص قضى معظم حياته فى الخارج وعندما يعود الى مصر، يجدها اختلفت على كل المستويات.

منافسة على العرش

وينافس حلمي على عرش كوميديا هذا الصيف الفنان محمد سعد بفيلم «8 جيجا»، في خطوة نحو استعاده «مجده» السينمائي الذي استمر لسنوات بعد أن غاب العام الماضي عن الخريطة السينمائية، في ظل تألق أحمد حلمي وعودة محمد هنيدي لتألقه السينمائي. «8 جيجا» من تأليف نادر صلاح الدين وإخراج أشرف فايق، ويشارك سعد البطولة الفنانة مي عز الدين بعد اعتذار ياسمين عبدالعزيز لانشغالها في فيلم «الثلاثة يشتغلونها». وتدور أحداث الفيلم حول محامٍ شاب متزوج من مدرّسة ويعانيان من ظروف اقتصادية صعبة، فضلاً عن تورطه في قضية تغير مجرى حياته تماماً.

ويدخل سباق الكوميديا، الفنان الكوميدي الصاعد أحمد مكي بفيلم «لا تراجع ولا استسلام» من تأليف أحمد مكي وأحمد الجندي وسيناريو شريف نجيب وإخراج أحمد الجندي. وتشاركه البطولة دنيا سمير غانم في ثاني تعاون بينهما بعد فيلم «طير أنت». وبعد غياب عامين عن الشاشة الفضية، يعود الفنان الكوميدي هاني رمزي بفيلم «الراجل الغامض بسلامته»، من إخراج محسن أحمد وتأليف بلال فضل، ويشارك رمزي البطولة الفنانة نيللي كريم - في ثاني تعاون بينهما بعد فيلم «غبي منه فيه» الذي عرض عام 2004 - وتدور أحداثه حول موظف يكتشف مخالفات فى شركته ويبلغها لرؤسائه فيفاجأ بإحالته للتحقيق ما يضطره للكذب حتى يلتقي بفتاة تنتمي لطبقة غنية تغير مسار حياته.

ويبدو أن الفنان أحمد السقا حاول الخروج قليلاً من عباءة الأكشن التي اشتهر بها بفيلم لايت كوميدي هو«ابن القنصل»، حيث يحمل الفيلم توقيع المخرج عمرو عرفة في ثاني تعاون مع السقا بعد فيلم «أفريكانو»، وهو عن سيناريو وحوار لأيمن بهجت قمر في رابع تجاربه السينمائية. ويشارك السقا البطولة غادة عادل وخالد صالح في ثاني تعاون بينهما بعد فيلمي «تيتو» و«حرب أطاليا»، وتدور أحداث الفيلم حول مزور يدعى «القنصل» لديه قدرات مبهرة على تزوير الوثائق وخاصة جوازات السفر. وكان متوقعاً عرض فيلم آخر للسقا خلال الموسم نفسه وهو«الديلر» إلا أنه تقرر تأجيل عرضه الى عيد الفطر المقبل. ويعود مصطفى شعبان للتنافس السينمائي بفيلمه «الوتر»، ويشاركه البطولة غادة عادل وأروى جودة وأحمد صلاح السعدني. وهو من إخراج مجدي الهواري، وتأليف محمد ناير. وتدور أحداثه حول جريمة قتل غامضة تتهم فيها شقيقتان.

خط رومانسي

ويحتل الخط الرومانسي المطرب تامر حسني بفيلم «نور عيني» مع الفنانة منة شلبي في أول تعاون بينهما حيث تحكي قصة الفيلم عن صديقين يسافر أحدهما الى الخارج ويحب فتاة كفيفة ويكتشف بعد عودته إلى مصر أنها الفتاة التي يحبها صديقه. أسند إخراج الفيلم إلى وائل إحسان، وهو من تأليف تامر حسني وسيناريو وحوار أحمد عبدالفتاح. وفي ظل غياب البطولات النسائية منذ فترة عن شاشات السينما، أسندت بطولة فيلم «الثلاثة يشتغلونها» للفنانة ياسمين عبدالعزيز في ثاني بطولة نسائية لها بعد فيلم «الدادة دودي» العام الماضي. وهذا الفيلم من تأليف يوسف معاطي وإخراج علي إدريس ويشاركها البطولة صلاح عبدالله ورجاء الجداوي. وتدور أحداث الفيلم حول طالبة متفوقة في دراستها، يحبها ثلاثة شبان ولكنْ، كلٌّ بحسب فكره وبيئته. وفي أولى تجاربه الإخراجية، يصور السيناريست محمد دياب فيلم «789» الذي تدور أحداثه خلال يوم واحد وفيه يناقش ظاهرة التحرش الجنسي. الفيلم من بطولة نيللي كريم وباسم سمرة وأحمد الفيشاوي. وتدخل الفنانة لبلبة سباق الصيف بفيلم «الأسرة المثالية»، من إخراج أكرم فريد وتأليف عمر جمال، ويشاركها البطولة الوجه الجديد عمرو عابد. يحكي الفيلم عن زوجة وأم تعمل في هيئة حكومية ولديها خمسة أولاد في أعمار مختلفة حيث تواجه مشاكل في تربيتهم. من جهة أخرى، باتت السينما المستقلة فى مصر عنصراً لجذب انتباه المشاهد، إذ لفت هذا التيار السينمائي الانتباه على المستوى الجماهيري بعد أن كان مقتصراً على اهتمام السينمائيين فقط، خصوصاً بعد فيلم «عين شمس» من تأليف تامر السعيد، وإخراج إبراهيم البطوط. وعلى رغم عدم تحقيق هذا الفيلم إيرادات كبيرة إلا أنه فتح الباب أمام هذا التيار للعرض الجماهيري بعد أن كان قاصراً على المهرجانات. ومن التجارب الجديدة المنتظر عرضها فيلم «بصرة» للمخرج احمد رشوان، من بطولة باسم سمرة ويارا جبران وإياد نصار. ويرصد الفيلم ردود أفعال وسيكولوجيات شباب عدة خلال الغزو الانكلو الأميركي على العراق. يذكر أن الفيلم حصد جوائز عدة من مهرجانات سينمائية خارجية اضافة الى مهرجان القاهرة في حين اقتنص 3 جوائز من المهرجان القومي للسينما المصرية العام الماضي. وقد يلحق بـ «بصرة» فيلم «هليوبوليس» من تأليف وإخراج أحمد عبدالله وبطولة خالد أبو النجا ويسرا اللوزي. ترى من سيعتلي قمة الإيرادات وينال رضا النقاد والجمهور؟

الحياة اللندنية في

16/04/2010

 

أسئلة حول الواقع السينمائي المغربي

تطوان ( المغرب ) - فجر يعقوب 

بدا واضحاً من طريقة توزيع الجوائز في الدورة السادسة عشرة من مهرجان تطوان لسينما دول البحر الأبيض المتوسط ( 27 آذار (مارس) - 3 أبريل (مايو) 2010 ) أن ثمة تفاوتاً بيّناً بين هذه الأفلام، حتى تلك التي حظيت بأرفع جائزتين في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة. ففيما جاء فيلم «ارفع رأسك» للإيطالي أليساندرو انجليني ليخطف جائزة مدينة تطوان الكبرى (سبعون ألف درهم مغربي)، توضح أن الفيلم التركي «10 حتى 11» لبيلين اسمير قد ظلم تماماً، وهو نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة، جائزة محمد الركاب، (40 ألف درهم مغربي).

هذا الفارق في قيمة الجائزتين المادية قد لا يحمل معنى خاصاً، أو هو لا يكتسب هذا المعنى، ولكن ثمة ما يفيد أولاً، بأن الفليم التركي، وإن اكتسب قوته من لغته السينمائية المتقنة، فإنه ظل يوغل في شخصية متهات اسمير، الشخصية التي رأت المخرجة أنها صالحة لرواية حكاية رجل ثمانيني وجد في جمع واقتناء التحف القديمة ما من شأنه تعزيز عالمه الفردي الخالص.

«ارفع رأسك» يمكن القول إنه ينتمي إلى فئة الأفلام الشعبية، التي لا تستمد من اللعبة السينمائية قوتها، بل من التعجيل برواية تتخذ من طرح الأسئلة غير المكتملة عن واقع المهاجرين في ايطاليا منحى وأسلوباً في المعالجة الدرامية، ولكنها تسقط في فخ الميلودرامية التي تبحث عن مبررات لاستمرارها في الحكي من دون أن تسعفها بالضرورة كل تلك الأحداث التي تتالى بمبرر أو من دونه. سيرجيو كاستيلتو الذي يؤدي دور الأب ميرو، تخطفه فكرة واحدة، تتجلى في امتلاكه لابنه لورنزو، وهو ثمرة علاقة من امرأة ألبانية مهاجرة، عبر تشجيعه على أن يصبح ملاكماً محترفاً. ولكن الشاب الذي يكرر «سقطة» أبيه بتعرفه إلى فتاة ألبانية مهاجرة أيضاً يقرر التمرد على أبيه في لحظة مهمة من حياته، اذ يعلم أن أباه كان قد نهى في وقت سابق الفتاة عن مواعدته، فيقوم لورنزو بخسارة مباراة عمداً لينتقم من أبيه المتسلط ، مايؤدي إلى وقوع شجار بينهما، ينتهي بموت الولد بعد سقوطه عن دراجته النارية في يوم ممطر. ولا تنتهي الأمور هنا، فيتم التبرع بقلب لورنزو لمحتاج، سرعان مانعرفه من خلال بحث الأب عنه ليؤكد سلطته المفقودة ونزوعه الظاهري نحو مسح عقدة الذنب التي تتملكه في أعماقه.

تفاوتت من ناحيتها الأفلام العربية المشاركة في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة في المستويات، وتنافرت في موضوعاتها، باستثناء الفيلمين المغربيين «عند الفجر» لجيلالي فرحاتي، و(المنسيون) لحسن بن جلون، وقد اقتربا بدوريهما من مسألة الهجرة والاتجار بالدعارة، وأثارا أسئلة ربما بدت مرتبكة أكثر مما هي مكتملة من حول موضوعات آنية ومتفجرة، يعيشها حوض البحر المتوسط، سينمائياً وجغرافياً بحكم الاشتباك الثقافي والتاريخي بين مختلف بقاعه في فترات متباعدة من دون أن تلغي كل تلك الأفكار المتعلقة بالتشفي والاستعلاء العنصريين اللذين ربطا شمال الحوض بجنوبه في فترات زمنية متقاربة.

على أية حال الدورة السادسة عشرة من مهرجان تطوان وقد بلغ يوبيله الفضي هذه السنة، أثارت أسئلة من نوع مختلف حول طبيعة المهرجان نفسه، لجهة علاقته بالواقع السينمائي المغربي، ولجهة علاقته بحمهوره أيضاً، اذ لم تتوان التلفزة المغربية من اثارة موضوع مهم وحساس متعلق بأهم صالتين تعرض فيهما أفلام المسابقات الرسمية، وهما صالتا «أفينيدا» و«اسبانيول» الخاصتان المهددتان بالإغلاق.

ومع هذا، فقد أسدل الستار على مهرجان يصنف بأنه واحد من الأبرز في البلاد، علماً بأنه يعقد كل سنة على الأراضي المغربية حوالى 52 مهرجاناً، تعيش حالة من الفوضى والإرباك وفقدان الهوية والتأرجح، فيما تجيء هذه الدورة من مهرجان تطوان لتثير أسئلة كثيرة حول الواقع الجغرافي الذي يغطيه، وتثير أسئلة أكبر حول الواقع السينمائي المغربي نفسه.

الحياة اللندنية في

16/04/2010

 

وجهة نظر - «المأساة العراقية» سينمائياً

ماجد السامرائي 

لماذا لم تنتج السينما، حتى الآن، فيلماً عن «العراق تحت الاحتلال» مع أن مادة هذا الفيلم متوافرة وبكثافة منذ سبع سنوات مستمرة الى اليوم؟ لماذا لم يفكر مخرج عراقي، أو عربي، أو أجنبي أن يأخذ نفسه بمثل هذه المغامرة، على رغم أن التقديرات الأولية لموازنة مثل هذا الفيلم لن تكون مكلفة ولا كبيرة؟ فالممثلون هم ضحايا العنف الذي استوطن هذا البلد مع الاحتلال الأميركي له، والمصورون أنجزوا مادتهم الفيلمية قبل أن يتم تكليفهم بذلك، مسجلين بعدسات كاميراتهم ما حدث يوماً بيوم وبالتفاصيل الحية، سواء للموتى الذين اختلطت أشلاء بعضهم ببعض، أو لمن أنقذهم القدر فكتبت لهم الحياة - التي قد تكون الى حين! وبعض هؤلاء المصورين الذين صوروا هذا كله يمكن أن يضافوا الى مادة الفيلم وقد سُجلوا في عداد الضحايا. إن الوقائع مدونة، وكاتب السيناريو لا يحتاج الى ما هو أكثر من ترتيب الوقائع، كما لا يحتاج المخرج إلا الى إعداد المشاهد إعداداً سينمائياً. ومع هذا لم يتم حتى اليوم التفكير بإنجاز مثل هذا الفيلم الذي وإن يكن سيأتي واقعياً - تسجيلياً فإن «دراما العنف» في مشاهده ستجعل منه فيلماً بامتياز.

لا أطرح هذه الفكرة من باب «التوهم» أو«التخييل»، وإنما هي فكرة يبعث عليها ما نشاهده كل يوم من أعمال عنف «نموذجية» على أرض الواقع ومن خلال شاشات الفضائيات. فكما انبثقت من هذا الواقع أعمال روائية وتشكيلية وشعرية ذات نفس ملحمي، فإن السينما، وإن أخذت بالتسجيل، لا التمثيل، يمكن أن تقدم ما هو أكثر حياة وحيوية مما يقف دليلاً وشاهداً على جريمة العصر» في عراق اليوم.

هذه «المادة التسجيلية» يمكن لمخرج قدير أن يجعلها، سينمائياً، ذات طبيعة روائية. فما يحصل يومياً على هذه «الأرض المغدورة»، وبدرجات من العنف عالية وغريبة وقاسية الوقع إنسانياً، تشكل مادة سينمائية لأفلام يمكن أن تتجاوز، في ما تحققه أو يتحقق فيها، طبيعتها التسجيلية الحية الى ما تصاغ منه «دراما عنف» فريدة مادة وحدثاً واقعياً. فالمادة المتحصلة من سبع سنوات مادة كبيرة ومتنوعة قد تفوق، وتتفوق، على ما سجل من وقائع الحربين العالميتين، والتي انتجت منها السينما أفلاماً مثيرة.

ولعل ما قد يساعد في إنتاج مثل هذه الأفلام هو أن الكاميرا كانت حاضرة مع معظم ما حصل وحدث، فقد صاحبت الحياة اليومية كما سجلت «حالات الموت» بلحظاتها الساخنة... وهذا جزء من المادة...

وأما الجزء الآخر فهو«الوجوه» التي صنعت مثل هذا الواقع أو قادت إليه، لتتسيّد متحكمة بمصيره وبمصير الإنسان فيه، وكثيراً ما جاءت هذه الوقائع والأحداث استجابة لنداءاتها وهي تخوض معركة «الصراع على الكراسي»، وهي المعركة التي هزت واقع الإنسان حياة والمجتمع وضعاً وكياناً، ما جعل هذ «الإنسان الضحية» يربط بين «الحديث» و«الحدث»، وهو ربط قد يتيح للمخرج أن يؤدي «لعبته الفنية» بامتياز - وإن كان قد يعرّضه لملاحقة ميليشيات من يتعرض لهم!

ويتحدد الجزء الثالث في البحث عن الضحايا الذين كثيراً ما يسجلون «في عداد المفقودين»، إذ لا تبقي التفجيرات، وخصوصاً العنيفة منها، أثراً، أو بقايا يمكن أن يستدل منها على هوياتهم!

ولو يتاح - وأعتقد أنه في نطاق المتاح - أن يحصل مخرج يتصدى لمثل هذا العمل على شيء من «التسجيلات المحجوبة»، وهي بالصورة والصوت، لأعمال التعذيب، والقتل الجماعي، وممارسات أفراد من كافة الأطراف ممن جرت مثل هذه الممارسات بإشرافهم، أو بمشاركاتهم، لأتيح لهذا المخرج أن ينجز فيلماً لا يحتاج الى «التعليق» أو«الكلام»، فاللغة الأكثر تعبيراً والأبلغ دلالة هي في ما يحصل، وليس في ما يقال في وصفه، مهما كانت لغة القول بليغة.

وهناك أكثر من فكرة لأكثر من سيناريو لمثل هذا الفيلم:

فمنها ما يمكن أن يقوم على الاستعانة بالشاهد الذي يأخذنا، ويأخذ المخرج قبلنا، الى ما يختار من «عينات دالة» يجدها الأكثر تمثيلاً لما حصل، فيضعنا من خلالها في عمق المشهد، راوياً تفاصيل ما حدث، وكيف حدث، وما نجم عن ذلك من نتائج (كما فعلت فانيسا ردغريف في فيلمها عن مجزرة «تل الزعتر»...)

ومنها ما يمكن أن يقوم على «الصور - المشاهد» التي تشكل بذاتها تعبيراً لا يحتاج اللغة قدر حاجته الى التواريخ المشبرة الى زمن الحدوث (حيث مشاهد الرعب والهلع والموت التي يقف الإنسان فيها حائراً لا يدري ما يفعل، وبأية لغة يتكلم ليعبر).

مستمدة مما جرى توثيقه، ومما نكاد نراه ونشاهده، على أرض الواقع ومن خلال الفضائيات فكرة ثالثة، متمثلاً بمشاهد الموت المروعة وانهيارات المباني على ساكنيها، وسؤال من خرج منها حياً «شهادته» على ما حصل.

إنها مجرد أفكار، قد يجد فيها المخرج، الذي يتولى مثل هذا العمل، ما يعمد الى تطويره بحسب رؤيته السينمائية، وقد يكون له مدخل آخر، غير ما نرى، فيعبر من خلاله الى مثل هذا الواقع الذي يبقى من المهم توثيقه سينمائياً.

الحياة اللندنية في

16/04/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)