حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"حجر أسود" في الدورة الثالثة من مهرجان سينما الواقع

بقلم: عبادة تقلا

يعود إنتاج  الفيلم الوثائقي ( حجر أسود)  لمخرجه نضال الدبس إلى  عام 2006، وهو العام الذي شهد  مشاركة الفيلم في أكثر من  مهرجان سينمائي، مثل مهرجان سينما الواقع في باريس، ومهرجان ليدز السينمائي، كما حظي بتنويه خاص أثناء مشاركته في  مهرجان الإسماعيلية الدولي في العام نفسه.

منذ بداية الفيلم الذي كتب له السيناريو خالد خليفة، وتولت إدارة تصويره مديرة التصوير الشابة جود كوراني،  تشعر وكأنك أمام سينما طريق وثائقية، فالأطفال الخارجون من حي فقير في أحد ضواحي دمشق، يقصون علينا حكايتهم  وهم على ظهر الطنبر متوجهين لجمع ما تيسر لهم من بلاستيك وحديد وشمع وغيرها من الأشياء التي يبيعونها في سبيل إعالة أسرهم.

يروي لنا محمد الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره حكاية تنقُّله بين مهن مختلفة لم ترق له، فمن نجار إلى حداد إلى عامل في معمل الصمغ، وعندما ندخل منزله ونتعرف إلى عائلته نرى والدته تطلق عليه لقب الأب الحنون للعائلة، في ظل غياب الأب. أما إخوته فجميعهم خارج المدرسة، أحدهم منزوٍ لا يكلم أحداً. وترى الأم أن سبب ذلك ما كان يراه من سلوك والده الذي كان يسكر ويضرب الأم ويطردهم خارج المنزل.  بينما تحلم  أخته بتعلم شيء يفيدها في حياتها، ويحميها من الشعور بالاختناق، متمنية عودة الأب الذي لا تحمل له في ذاكرتها إلا صورة ضربه المبرح!

ونعود لاحقاً  لنلتقي بنموذج مشابه لشقيقة محمد ، ونقصد به  يسرا ذات السنوات العشر، التي   نسيت كيف تكتب اسمها، ولم يتبقَ في مخيلتها من أيام المدرسة إلا ضرب المعلم لها ولزميلتها  وسجنهم في غرفة الفئران.

تبقى الكاميرا مع الأطفال في حواراتهم الصبيانية ومغامراتهم الصغيرة، تتابعهم بانسيابية فنشعر أنهم نسوا وجودها تماماً، وهم يعملون أو يمضون أوقات فراغهم في المسبح أو في صالات الكمبيوتر.

 كما يمر الفيلم على كثير من المظاهر السلبية التي تتعرض لها الطفولة، فمن العنف إلى المخدرات، ومن الأمية إلى الاعتداء الجنسي على الأطفال.

يختتم الفيلم عند مشوار للأطفال في سوق الحميدية، مع تناول العصير، ومن ثم دخول إحدى صالات السينما والذهاب إلى حديقة الحيوان، لينتهي المطاف بهم  في قاسيون الذي وصلوه من طريق خاص بهم كما علمنا من المخرج لاحقاً.

أثناء ذلك المشوار الترفيهي نتوقف  مع رامي الذي يصر على أنهم شباب وجدوا ليعملوا ، وهم لا يطلبون من الناس شيئاً ، وليسوا مشردين بل معيلين لأسرهم.

بعد الفيلم تحدث مخرجه نضال الدبس عن عمله على كسب ثقة الأطفال، وهو ما جعلهم يظهرون مرتاحين إلى درجة كبيرة، وهو الأمر الأهم بالنسبة للمخرج.

أما عن علاقة فريق العمل مع الأطفال فقد أخبرنا أنهم عاشوا تفاصيل حياتهم، وكانوا معهم حتى خارج أوقات التصوير، كما  ساعدوهم أحياناً في عملهم.

كما رأى أن الفيلم يدق جرساً ينبهنا إلى أين وصلنا، ولكن مع كل ذلك لا يزال بإمكاننا مساعدة أولئك الأطفال  الذين لم يتخلَّوْا عن الطفل الساكن في داخلهم.

)حجر أسود) الذي أنجز بالتعاون مع منظمة اليونيسيف،  فيلم  مشغول بعناية، يقف وراءه مخرج متمكن، وطاقم عمل متميز، وإن كنا نأخذ على الفيلم  هبوط إيقاعه في الدقائق الأخيرة، فإن ذلك لا يقلل أبداً  من أهميته، ومن حساسية القضية التي أثارها.

ننوه أخيراً أن الكثيرين  سجلوا استغرابهم: كيف لم يحصل  الفيلم على جائزة أفضل فيلم سوري التي قُدّمت لأول مرة في تظاهرة أيام سينما الواقع.

النور السورية في

24/03/2010

 

12 لبنانياً غاضباً... سجناء يهجسون بعرضهم المسرحي الأول

بقلم: سلوى زكزك 

أنت الآن تتفرج على مساجين يقضون أحكاماً تتراوح ما بين السنتين والمؤبد، وصولاً إلى الإعدام، وهم منشغلون بحفظ أدوارهم في المسرحية عن ظهر قلب، مع التزام عالي المستوى بتعليمات المخرجة وملاحظاتها وفريق الفنيين.

 وقد سبق لهم قبل لحظات أن ظهروا وقدموا أنفسهم، أسماءهم، تهمهم، الأحكام التي يقضونها، موقفهم من السجن، ومن الحياة في داخله. والأهم موقفهم مما اقترفوه بعبارة صغيرة جداً هي كلمة مذنب. يختلف السجناء مع المخرجة على طرق الأداء، على بعض التهجئات، وعلى علامات الانفعال البادية على وجوههم، وعلى تقاسيم أجسادهم. تصرخ المخرجة مغتاظة من تأخرهم من موعد البروفة، تهدد بإسناد أحد الأدوار لسجين آخر، وصولاً إلى التهديد بإيقاف العمل برمته.

نحن الآن أمام فرقة مسرحية تستعد لعرضها الأول، اثنا عشر ممثلاً يصلون الليل بالنهار من أجل إنجاز العمل في وقته المحدد.

تتسع جدران السجن، وغرفة التدريب تصير نظيفة ومشرقة وكأنها اختزال للمساحة الشاسعة والحرة خارج الأسوار. الاثنا عشر ممثلاً يصيرون خمسة وأربعين، فقد انضم إليهم عازف العود، ومؤلف أغنية الشارة ونشيد الختام، والمغنون، ومنفذو الديكور، من نجارين ودهانين ومراقبين للحوار، وحتى رافع الستارة.

فجأة، وربما من الأصح القول إنه بعد هذا كله، صار الخوف نابعاً من القلق على تنفيذ المسرحية ونجاحها، فقد تأجل الخوف من لحظة الإعدام المرعبة، وقد حل التباهي بلعب دور البطولة مكان الشعور بالخزي من الناس والأهل والجيران، أما طاقة الفرج والفرح والصخب المشرَّع، والأحلام الليلية، فهي كلها مجسدة بشخصية المخرجة زينة دكاش.

في هذه التجارب الرائعة يصير الموت طارئاً، بعيد التوقع، والخوف يلم عباءته المفزعة ويمضي إلى سجون وأماكن عيش تفتقر إلى مسرح أو مساحة للفرجة، ويصير البشر شهوداً أساسيين على مفردات العيش الكريم، وعلى ضرورة النهوض بحيوية وقدرة جميع الخلايا البشرية على التأقلم والاندماج بحب وسلام ومعافاة، يسمون هذه التجارب العلاج بالمسرح، وطبعاً جميعنا هنا محتاجون إلى هذا النوع من العلاج، حتى كمتفرجين، علَّنا نتعافى من رغبة الثأر الغبية، ومن غريزة الاستحواذ البهيمية، ومن وصمنا للآخر بالعار، أو الدونية، ومن تمييزنا ورفضنا للأضعف والأفقر والأقل حماية؛ جميعنا محتاج إلى تنشيط ذاكرته وبصره وقلبه، لا من أجل الضعفاء والموجوعين والمظلومين، بل من أجل التواصل مع كل ماهو نبيل وأصيل وإنساني، والذي نتحمل جميعنا مسؤولية طمره أو دفنه في مزابل الزمن الضائع قسوة وقهراً.

في الليلة السابقة ليوم العرض، يبلغ التوتر أشدَّه، لدرجة أن بعض الممثلين لا يتمكن من النوم ولو للحظة واحدة، تتوارد الأسئلة مسرعة وملحة (هل سيأتي الأهل جميعاً؟ هل صحيح أن وزير الداخلية سيصافحنا؟ هل من الممكن أن يقول لنا ضباط السجن والقضاة والحراس يعطيكم العافية، وحسناً فعلتم؟). أما قبل العرض بدقائق، فقد قام أحد الممثلين بإحداث شق صغير في الستارة ليطمئن على من جاء، وعلى من غاب، وعلى عدد الحضور، ومتى سيأتي المسؤولون، والآخر يغمره الخوف من نسيان دوره، أو بعضاً من جمل الحوار، أما بطل المسرحية فقد أرهقت كليتاه من كثرة الدخول إلى الحمام من فرط القلق والتوتر.

قدّم العرض وانتهى ونحن لم نتعرف إلى المسرحية، بل شاهدنا فيلماً تسجيلياً أرَّخ ووثق كل الإعدادات والجهود المرهقة والمثمرة التي بذلت لإنجاز العرض المسرحي. انتهى العرض، وكان التصفيق مدوياً في قاعة السجن، وفي قاعة العرض.

حينذاك، وعند انتهاء العرض، بدأت دموعي بالتناسل، دموع بقيت مكبوتة وعاصية على الانسكاب لأنه لا مبرر ولا مكان لها في خضم عملية احتقان واندهاش توازي الصدمة في تأثيرها. بكيت بشدة، وبينما كان دمعي عصياً على الهطول تعاطفاً مع شباب ذاهبين للإعدام، وحزناً على غرباء أتوا باحثين عن لقمة العيش فصاروا قتلة ومجرمين محكومين بالمؤبد وبالغربة والمذلة، انطلق مدراراً في حالة عكسية، وذلك حين وصل سفراء بلاد المحكومين الغرباء، وحين صافحهم الوزير والنواب والضباط، بكيت حينئذ قائلة في سري أين كنتم من قبل حين كانوا بحاجة ولو إلى توقيع وثيقة تثبت جنسيتهم؟ أين كنتم حين حشروا سبعة آلاف سجين في سجن يتسع لألف سجين؟ لكن دموعي كانت أشد حرقة حين تذكرت أنهم بعد انتهاء العرض سيعودون لانشغالاتهم الفارغة، لأحقادهم المدمرة، لكوابيسهم المتوالدة، ولوحدتهم الطاغية في أكثر الأماكن ازدحاماً.

من قال لكم إن السجناء، حتى المحكومون منهم بالمؤبد والإعدام، لا يعرفون التمثيل على خشبة المسرح، ولايهجسون بنجاح عرضهم الأول والعاشر، وحتى الأخير.

ـ الفيلم: 12 لبنانياً غاضباً.

ـ الإخراج: زينة دكاش.

ـ مكان العرض: سينما الكندي والحمراء ـ مهرجان الأفلام التسجيلية (3-11 آذار2010).

النور السورية في

24/03/2010

 

أيام السينما التسجيلية دوكس بوكس في دمشق

بقلم: مايا جاموس 

اختتمت فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان السينما التسجيلية دوكس بوكس، الذي أقيم في صالتَيْ الكندي والحمراء بدمشق، وفي مدينتي حمص وطرطوس. وذلك بتوزيع جائزتين هذا العام، فقد منح الجمهور المخرجة اللبنانية زينة دكّاش جائزته عن فيلمها (12 لبنانياً غاضباً). أما لجنة التحكيم فقد قدّمت جائزتها إلى الفلسطينية لينا العبد، عن فيلمها (نور الهدى).

قُدمت في المهرجان تظاهرات عديدة هي (رجال ونساء)، (الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة)، (أصوات من سورية). وأقيم إلى جانب العروض ورشات تدريبية ولقاءات للمخرجين الشباب وكتّاب السيناريو مع سينمائيين عالميين، وممولين، إلى جانب إقامة مخيم تدريبي للمخرجين التسجيليين.

من الأفلام السورية المشاركة فيلم (الحجر الأسود) إعداد الروائي خالد خليفة، وإخراج نضال الدبس. اختار هذا الفيلم أبطالَه من الأطفال، فبدأ متقصياً التسرب من التعليم، ووصل إلى عالم هؤلاء الأطفال، عالم شديد التعقيد والصعوبة والبؤس. إنهم أطفال وجدوا أنفسهم مسؤولين عن إعالة أسرهم كأرباب بيوت تماماً. يتحدثون للكاميرا بهدوء وثقة وصدق، عن حياتهم القاسية التي يتنقلون فيها بين الشوارع على (الطنبر) يجمعون أشياء كثيرة ويبيعونها، ودخولهم السجن إما بسبب تهم السرقة أو العنف. وقد يدخلون بالخطأ دون ذنب اقترفوه. حرموا من أبسط حقوقهم بالتعليم، وسلبت طفولتهم. وبعيداً عن استدرار العواطف يقوم هؤلاء الأبطال - الضحايا بتقديم صدمة وصفعة في الآن نفسه للمشاهد، الذي يتساءل وهو يتفرّج عليهم أين الدولة ومؤسساتها منهم؟ الحجر الأسود الذي يبدو في الفيلم كسجن، حيث تظهر الجدران الكثيرة خلف الأطفال تحدد أفقهم، وتحصر خياراتهم في ذلك الحي الذي يعمّه البؤس، حيث لا مفرّ من قدرهم. ويصعدون في نهاية الفيلم إلى قمة قاسيون ليتساءلوا (هل هذه هي سورية)؟

 كان لفلسطين نصيب في المهرجان من خلال (سامية) لعمار البيك، و(فرط رمان الدهب) لغادة الطيراوي، الذي يتناول مسألة العنف الذي تتعرض له المرأة في فلسطين بكل أشكاله، وفيلم (خرائط فيديو عايدة، فلسطين) للمخرج تيل روسكينس، الذي يختار تقديم حكايا من مخيم عايدة بأسلوب بسيط وغريب، إنه الرسم التبسيطي بالخطوط، رواةٌ من المخيم يقصّون حكاياتهم المؤلمة الخاصة-العامة، كيف بدأ الأمر من خيمٍ صارت بيوتاً وشوارع وحارات، استيلاء الصهاينة على مزرعة أحد الفلسطينيين، الطريق إلى المستشفى، الحواجز العسكرية... والنتيجة على الشاشة صور معقدة متداخلة وفوضوية... إنها فلسطين المحتلة بالأبيض والأسود.

فيما يذهب المخرج نضال حسن إلى الطبيعة ليصوّر فيلمه (جبال الصوان)، أبطاله هم جمال الطبيعة وكنوزها، وأبو بيرم الفنان المولع بجمع الحجارة والصخور ذات الأشكال الخاصة والغريبة ليجعل منها كائنات وأشياء جميلة صنعت عالَمَه الساحر، بعيداً عن أي اهتمام يقدّر مواهبَه، باستثناء أصدقائه المسنّين وبعض أفراد أسرته.

 وبحضور المخرج باتريسيو غوسمان قُدمت ثلاثيته الشهيرة (معركة تشيلي)، التي تحكي عن فترة من تاريخ تشيلي هي الأشهر والأكثر سخونةً، مرحلة ألليندي، والمواجهات بين اليمين واليسار، ودور الولايات المتحدة في إشعال الخلافات ودعم اليمين، انقلاب بينوشيه وحركات الشعب.

 أما فيلم (شارعنا نسخة السينما) للمخرج مارسين لاتالو فيحكي عن تحوّل أحد معامل النسيج في بولونيا ليصبح جزءاً من حياة أهل الحي، قضوا فيه حيزاً كبيراً من الزمن يعملون. بعد انهيار النظام الشيوعي تبدأ حقبة جديدة قوامها الرأسمالية، ويزول المصنع ليحل محله (مانيفاكتوراة). وبزواله يخسر السكان جزءاً من ذكرياتهم وذكريات مرحلة وردية، لا يبقى منها إلا الصور. إنها إمبراطورية جديدة تُبنى على أنقاض القديمة. الأب غير قادر على الانسجام مع هذا الوضع الجديد، يتحوّل إلى سكّير، وتدريجياً تصبح بيوت المنطقة بفقرها شيئاً يشوّه (رقيّ) المكان ولا يتناسب مع المركز التجاري الترفيهي. ورغم أن هذا الرجل يضطر إلى العمل حارساً ومنظماً للسيارات في الشركة التجارية العالمية، لكنه لم يتمكن من الاستمرار... ويصل مخرج الفيلم إلى لحظة يقول فيها إنه محتار بشأن نهاية الفيلم.. لكنّ بطلنا ينهيه فعلياً، عندما يطلب بعض النقود من المخرج طالباً عدم تصوير ذلك. إنها صورة مؤلمة عن مرحلة هامة.

كما قُدمت في المهرجان مجموعة من الأفلام التي تتمحور حول المرأة، من بينها (التاكسي الوردي) للمخرج أولي غاولكه، إذ نرى المرأة في روسيا تعمل سائقة تاكسي، لتعيل أسرتها التي تخلى عنها الرجل. وفي فيلم (حتى الوجع) يرصد علاقة أم بابنها الوحيد، وتعلّقها الشديد به وتحكّمها بحياته رغم تجاوزه الخمسين من العمر، إذ تتوتر علاقتهما بعد دخول امرأة إلى حياة الابن (طبيب نفسي)، ومحاولته إيجاد حياة خاصة به... هكذا تحبّ هذه الأم ابنها حتى الوجع والخنق.

وفي الفيلم اللبناني (العمة هلا) تدخل المخرجة (سارة حيدر) إلى زوايا إنسانية حميمية في دواخل (هلا)، ذات الاحتياجات الخاصة (صماء بكماء). هلا تعترف في الفيلم بلغتها الخاصة برغبتها أن تُحِبّ وتُحَبّ، وتشرح موقف أهلها الرافض لذلك ولخروجها من البيت. فيلم يستحضر سينما تشارلي تشابلن الصامتة، هكذا هي حياة هلا. رغم مأساتها لكنّ بسمتها دائمةٌ، تعزف البيانو مع أنها لا تجيد العزف، تقلّد الآخرين لتبعث الضحك، والأجمل أنها تغنّي.

كما عُرض الفيلم السوري (كلام حريم) إعداد عدنان العودة وإخراج سامر برقاوي. يرصد الفيلم من خلال مشاهد مكثفة وضع المرأة في الجزيرة السورية، حيث هو مجتمع ذكوري بامتياز منفصل عن مجتمع النساء (الحريم). يتزوج الرجل أكثر من مرة، وينجب الكثير من الأولاد ليكونوا في العمل إلى جانب أمهم، ولا تتعلم المرأة، إلى جانب الجهل، في مكان يبدو معزولاً عن كل ما أُحرز من تقدّم على مستوى التعامل مع المرأة والاعتراف بحقوقها ومساواتها للرجل، كما يغيب في هذا المكان أي دور للدولة ومؤسساتها.

وعن السينما التسجيلية السورية يقول المخرج نضال الدبس (أنا متفائل بمستقبل الفيلم التسجيلي في سورية، فقد انكسر وهم القطيعة بينه وبين الجمهور، من خلال مهرجان دوكس بوكس، الذي جذب شباباً متحمّسين. واحتمالات أن يعمل الشباب فيلماً تسجيلياً أكبر بكثير من أن يعملوا فيلماً روائياً، وهذا يتعلق بالمال والإنتاج. ويمكن لأي شخص أن يحمل كاميرا ويقوم بتصوير فيلم تسجيلي).

ويقول المخرج سامر برقاوي (مشاكل السينما التسجيلية هي مشاكل صناعة السينما نفسها بالعموم، ومشكلة الدعم الإنتاجي والتمويلي، إلى جانب مشاكل أخرى سببها ثقافة هذا النوع من السينما. لكن يوجد ما يبعث على التفاؤل، فقد تنشطت هذه الصناعة مؤخراً مع انتشار الفضائيات ووجدت قنوات خاصة ببث الأفلام التسجيلية والوثائقية).

يقول عروة نيربية أحد مؤسسي المهرجان، إن غياب قانون ينظم العمل الثقافي المستقل في سورية هو من أهم الصعوبات التي يواجهها الفيلم التسجيلي، إلى جانب الافتقاد إلى مؤسسة أكاديمية تعلّم صناعة السينما. ويضيف الرقابة عامل معيق لصناعة الفيلم التسجيلي وإقامة مهرجان له، لكن بالمحصلة العامة (فإن ما تعترض عليه الرقابة قليل جداً بحكم معرفة القائمين على المهرجان للهوامش المتاحة ومحاولتهم تجنّب إثارة المشاكل، حرصاً على إقامة المهرجان وتحويله إلى جزء من الحياة الثقافية في سورية). ويضيف المخرج الدبس أن (الرقابة تأخذ شكلاَ عشوائياً وغير مقونن، وكثر يلغون المشروع حتى قبل أن يبدؤوه، وهذا هو الأسوأ).

ولعلّ أكثر ما يلفت النظر في تظاهرة دوكس بوكس هو الجهد الكبير الذي يبذله فريق العمل الشبابي وبضمنهم المتطوعون، وجهد ترجمة الأفلام إلى العربية إذ تصبح مشاهدة الفيلم متاحة للجميع، وهذا كله بعيد عن مظاهر الاستعراض والبذخ وهدر الوقت. وينسّق مع الضيوف من المخرجين الذين يُستقدمون لتقديم خبراتهم إلى الشباب المهتم من خلال ورشات تدريبية ومخيّم. ولعلّ ما كُتب في مقدمة كاتالوغ المهرجان يختصر الحديثَ عن صدقهم وجدّيتهم في العمل. فقد كتبوا (... نعدُكم أننا سنفاجئكم هذه المرة بالجديد من الهفوات، كما نحب لحياتنا وسينمانا أن تكون).

النور السورية في

17/03/2010

 

فيلم (حسيبة): عندما تكون مأساة امرأة, حكاية وطن

بقلم: معاذ حسن 

لم يتسنَّ لي مشاهدة فيلم (حسيبة ) للمخرج السوري ريمون بطرس, أداء الفنانة السورية المتألقة سلاف فواخرجي، المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للروائي السوري  خيري الذهبي، إلا مؤخراً أثناء العرض الخاص الذي أقيم له بحضور المخرج في صالة الكندي بطرطوس  بالتعاون مع النادي السينمائي في المدينة, بتاريخ 10 / 2 / 2010, أي في العرض الجماهيري الأول للفيلم في محافظة طرطوس. بعد عرض الفيلم للمرة الأولى في إطار مهرجان دمشق السينمائي الدولي  عام 2008. وبذلك يتم الاستمرار بتكريس تقليد قديم حرصت عليه المؤسسة العامة للسينما منذ عقود, يتلخص بحرمان المشاهد السوري من مشاهدة سينماه الوطنية الجادة إلا بعد مرور زمن طويل على إنتاجها, دون أن تأخذ بالحسبان ثورة وسائل الاتصال الحديثة في عالم اليوم التي تتيح للمشاهد في سورية كما في العالم, مشاهدة أحدث إنتاجات السينما العالمية فور إطلاقها للعرض إما عبر الفضائيات التلفزيونية, وإما عبر سحبها عن طريق الإنترنيت, وإما عبر أقراص الـ DVD المتوفرة بكثرة في الأسواق. وما يرتّب ذلك من ظهور طيف واسع من الذائقة السينمائية المحدثة باستمرار لدى المشاهد السوري, خصوصاً الجيل الشاب منه. ذائقة تحتاجها السينما الوطنية عموماً أكثر مما تحتاج إلى ذائقة ضيوف ونقاد المهرجانات السينمائية بطابعها النخبوي و الديبلوماسي الغالب فيها.

السطور التالية هي مقاربة لفكرة الفيلم كما وصلتني من خلال العرض الذي أشرت إليه, رغم رداءة شروط العرض الفنية في صالة الكندي بطرطوس. بما يتضمن ذلك, الحوار الذي أعقب العرض, بين المخرج وبعض الحضور.

يرصد الفيلم بتكثيف بالغ تحولات فترة زمنية تقارب ربع قرن من تاريخ سورية الحديث, منذ منتصف عشرينيات القرن العشرين, زمن الثورات السورية ضد الاحتلال الفرنسي, حتى بداية الخمسينيات منه بعد الاستقلال وقيام الحكم الوطني الذي دشنته الانقلابات العسكرية. وهي مرحلة تأسيسية بالغة الأهمية في حياة سورية الحديثة والمعاصرة, سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. في بيئة محددة هي حي شعبي تقليدي متدين ومحافظ في مدينة دمشق, وكيف انعكست تلك التحولات على شخصيات نسائية عشن في تلك الفترة في ذات البيئة. مركزاً على دور المرأة, وهي تعمل على كسر الشرط الاجتماعي الذي يكبلها,  كشخصية محورية أساسية فيه، بحيث تبدو جميع الشخصيات الذكورية في الفيلم كومبارس, رغم أنها تمسك بجميع خيوط المبادرة والقيادة في مجتمع هو أساساً ذكوري بامتياز, لكنه خائب باستمرار بسبب العبثية الذكورية الفارغة, السائدة فيه. وهذا يعطي فكرة الفيلم أهمية استثنائية مقابل هجمة بعض الأعمال الدرامية التلفزيونية السورية الحالية التي ترسم باطمئنان بالغ, للمرأة الدمشقية تحديداً, ولنفس الفترة الزمنية تقريباً, دوراً فولكلورياً يتحدد بالتبعية المطلقة للرجل والطاعة العمياء للزوج. وما ينتج عن ذلك من تهميش لدورها الاجتماعي ووجودها ككائن إنساني.

حكاية (حسيبة) هذه هي حكاية فصل مؤسس في تاريخ وطن, منذ بدايات القرن العشرين, كما أشرت سابقاً. فقد كان, وما يزال, متأرجحاً بين التقليد والحداثة. ولعل الموقف من المرأة عموماً, وإطلاق مبادراتها سيبقى هو مؤشر الحسم في هذه المعادلة لصالح التقليد أم لصالح الحداثة. الملاحظ هنا أن مرحلة النضال ضد المستعمر كانت تعطي عملية تحرر المرأة زخماً جديداً وقوياً. أما في مرحلة الاستقلال وما تلاها فقد بدأ يخف هذا الزخم شيئاً فشيئاً. حتى الأفكار التحررية تراجعت عند مناضل وصحفي شاب, درس سابقاً في باريس, لصالح الدروشة الدينية والزهد والهروب من مواجهة المسؤوليات الإنسانية والعائلية. فحسيبة الآتية من رحم الثورة ظلت أمينة لثورة قوية في داخلها، لكن ليس على طريقة والدها الذي بقي وفياً لتقاليد جيله في النضال, وإنما حسب التحديات والظروف المستجدة التي تواجهها. لكن بنى التقليد المتخلفة, وفساد المجتمع الناتج عنها, وضعف مؤسسات الدولة الحديثة, كانت وتبقى حتى اليوم في مجتمعاتنا العربية, أقوى بكثير من الجهد الفردي الاستثنائي الذي قامت به حسيبة وأمثالها في سورية أو في العالم العربي.

ثمة آراء نقدية أعابت على الفيلم تصويره التحول الذي طرأ على شخصية حسيبة من مناضلة في المغاور والجبال ضد المستعمر, إلى شخصية تاجر يحتكر السكر في زمن الحرب العالمية الثانية. ورأت في ذلك تعارضاً حاداً بين نمطين للشخصية. لكن الذي غاب عن أصحاب هذا الرأي هو أن الواقع اليومي المراوغ, الذي دخلت حسيبة في تحدٍّ جديد معه في أحياء مدينة دمشق هو مغاير تماماً للواقع اليومي الشفاف مع الثوار في الجبال الذين تحكمهم مهمة وحيدة وهي القتال ضد المستعمر. فالواقع الحياتي اليومي هو مراوغ حكماً بحكم تعدد مهمات المعيشة اليومية وتناقضها أحياناً, ولكي يستطيع المرء أن يجد مكاناً له في هذا الواقع ليس له إلا أن يكتسب شيئاً من هذه المراوغة, كي ينجح, خصوصاً في وقت الأزمات. والمراوغة هنا لا تعني النهب والاستغلال وإنما القدرة على التكيف وفق الظروف الجديدة، واكتساب مهارات التغلب على مصاعبها دون أن تلحق الأذى بالآخرين. ونذكر هنا أن شخصية حسيبة في الفيلم ترفض فكرة استخدام آلات كهربائية جديدة في حياكة الجرابات كي لا تقضي على عمل العاملات عندها. وربما كان هذا من أسباب انكسارها في السوق, مع أن البراغماتية العملية ومصلحتها كانت تقتضي منها ذلك فعلاً. لكن سقف تفكيرها, قياساً على وضع حالتها آنذاك وعمرها وصعوبات حياتها كلها. كان من الطبيعي أن يقف عند ذلك الحد. وعلى مستوى كبير من النبل الأخلاقي.
وثمة آراء أخرى أعابت تصوير أغلب مشاهد الفيلم الطويل, 135 دقيقة, في دار شامية قديمة, بعيداً عن الحياة خارجه. وهنا أزعم مرة أخرى أن هذه الملاحظة تحسب للفيلم والمخرج ومدير التصوير, أكثر مما تحسب عليهما. لأن جماليات الحركة البصرية للصورة المتناغمة مع حركة الشخصيات وهواجسها داخل الدار, تغلبت على الملل المفترض لدى المشاهد. ثم إن أداء الشخصيات جميعها داخل الدار كانت تضمر توقاً واضحاً للخروج ليس من أسوار الدار فقط بل من أسلوب الحياة السائد حتى خارج الدار. ولكي أوضح أشير إلى المشهد الشاعري والجميل الذي تنزل فيه زينب, إلى البركة لتسبح فيها بفرح ونشوة بعد أن أبلغت فياضاً بحبها له وبرغبتها في السفر إلى باريس.  ومشاهد التنافس والسباق الخفي بين الأم وابنتها لنيل قلب فياض. وغيرة حسيبة الشديدة حتى بعد زواج زينب من فياض. وكل ذلك تعبير عن أشواق إنسانية مضمرة ومشروعة, لكنها موءودة داخل صحن هذا الدار بحكم إرث التقليد الثقيل ولا تستطيع أن تتفجر إلا داخله.

أهمية شخصية حسيبة في الفيلم أنها كانت تريد كامرأة, أن تؤكد وجودها خارج الدار في المجتمع بفاعلية موضوعية, في الوقت الذي تريد فيه أن تحافظ على دارها واسم عائلة زوجها صاحب هذه الدار بعد وفاته. لكنها تتعرض لمآسي كثيرة وإحباطات متعددة وتفشل في النهاية, ربما بسبب عبثية سلطة ذكورية مستبدة في مجتمع متخلف لا يعترف بالأساس, بدور نهضوي فاعل للمرأة فيه.

لذلك كله تنتهي حسيبة في نهاية الفيلم نهاية تراجيدية فعلاً  لا مزاح فيها ولا افتعال, تموت وهي تعلن تمردها حتى النهاية على الشرط المسؤول على كل خيباتها المتكررة, على أكثر رموز مجتمعاتنا العربية تخلفاً، وهي الشخصية الخرافية, الفزّاعة التي يُخوَّف بها الأطفال والنساء والفقراء ويُحجَّم العقول كلها. لذلك كله يمكن القول إن حكاية حسيبة هي حكاية الحلم بعالم واسع في وطن يضيق عليه, لذلك فمأساتها هي مأساة هذا الوطن, وحكايته حتى اليوم

النور السورية في

10/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)