حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

في دمشق، حمص، طرطوس، والبقية تأتي....

DOX BOX   

المهرجان الدولي للأفلام التسجيلية ....انطباعات مُراقبٍ من بعيد

صلاح سرميني ـ باريس

أن نعيش، لا أن نُراقب، أن نتأمل بدلَ أن نكتفي بتلقي التعليق، والصورة، هو ما يُضفيه الفيلم التسجيلي.
كالوثائقي، لا يعتمدُ الفيلم التسجيلي على أحداثٍ من نسج الخيال، ولا يستخدم المُمثلين، لكنه يقوم على بناءٍ يتطوّر سرده، وشخصياته، بدلَ الاستسلام لتوثيق الحقائق فحسب، أو تسجيل الرأيّ، والمقولة، أو شرحهما.

تُستخدمُ مفردة (التسجيلي) للتميّيز بين (الفيلم الوثائقي الإبداعي) الذي يحمل وجهة نظر مخرجه، ومؤلفه، وبين(الفيلم الوثائقي) الذي يفترض الموضوعية، ويهدف أساساً للإعلام، والتعليم، فالفيلم التسجيلي هو ذاك القائم على كونه جنساً سينمائياً، لا وثيقةً مُصورةً.

مثلما الفيلم الروائي، والمسرح، والشعر، والرواية، الهمّ الاجتماعي، والسياسي، وحتى الشخصي، ليس كلّ ما يُعنى به الفيلم التسجيلي، وإنما هو يُعنى أيضاً بتقديم تجربة مشاهدةٍ غنية، ومركبة باستخدام لغة، وبنية سينمائية سردية، فهو، وإن لم يستثني من أدواته الأرشيف، والمُقابلة، والتحريك، وإعادة التمثيل، لا يُحيد عن بحثٍ سينمائيّ أصيلٍ يطمح للتفرّد، واللغة البصرية الغنية، إنه بناءٌ دراميّ للواقع.

(من موقع مهرجان DOX BOX ).

***

عندما كتبتُ تصوراً عن فكرة "مهرجان حلب الدوليّ للأفلام التسجيلية، والقصيرة" (موقع إيلاف ـ 29 نوفمبر2009)، نسيتُ المُبادرة التي انطلقت في دمشق عام 2007، وحسبتُها تجوالاً روتيّنياً للمهرجان الدولي للأفلام التسجيلية (سينما الواقع) الذي ينعقدُ في "مركز جورج بومبيدو" بباريس منذ  32 عاماً (سوف تكون الدورة القادمة خلال الفترة من 18 إلى 30 مارس) حتى وصلتني مجموعة من النشرات الإعلامية عن ورشةٍ سينمائية تحت عنوان"مخيم التدريب"، يرغب مُرسلها بأن أوزعها، وأعممها على المُهتمّين.
هذا الطلب المُفاجئ القادم من سورية (في وقت انتشار الأنترنت، وتقلص الاعتماد على الإعلانات الورقية) أثار فضولي لمعرفة الأشخاص الذين يقفون خلف/أو أمام تلك المُبادرة.

وكانت المُفاجأة حقيقية، ومُفرحة حقاً، عندما تبيّن لي، بأنّ ما كنتُ أعتبره ـ جهلاً ـ تكملة للمهرجان الفرنسيّ العريق، هي "أيامٌ سينمائية" مُتفردة تحمل عنواناً لافتاً (DOX BOX) لا يستجدي "الصفة الدولية" التي تمضغها الكثير من المهرجانات العربية، وخاصة الصغيرة منها، والمُبتدئة.

ظروفي الشخصية، والمهنية، لم تسمح لي بعد بمُتابعة دوراتها الماضية، ولا أعتقد بأنني سوف أفعل ذلك يوماً، حيث أعمل حالياً مُستشاراً لـ "مهرجان الخليج السينمائي" في دبي الذي ينعقد في بداية شهر أبريل من كلّ عام (سوف تكون الدورة الثالثة خلال الفترة من 8 إلى 14 أبريل).

ولكنني، على الأقلّ، تصفحتُ موقعها المُثير جداً، وقرأتُ تفاصيله بعنايةٍ شديدة، واستوحيتُ منه قراءتي هذه.

مهمّة "أيام سينما الواقع" الأساسية كما يشرحها المُنظمّون :

"أن تكون مكان لقاءٍ لصانعي الأفلام العرب، والدوليين، مُنفردين، أو ضمن مؤسّسات، مع الجمهور، ليُتابعوا معاً بعضاً من أفضل الأفلام التسجيلية في العالم ضمن مساحةٍ غنية من النشاطات، وبيئة تسودها الصداقة، والحيوية، وعلى ذلك، تمّت زيادة الجهود باتجاه تنظيم ملتقى للمُختصين، والعاملين في حقل السينما التسجيلية السورية، والعربية، والدولية".

وهي نشاطٌ غير ربحيّ، تُنظمه شركة "بروآكشن فيلم" في دمشق، بإشراف لجنة تنظيمية (ديانا الجيرودي، عروة النيربية، سامر خويص)، وفريق عملٍ مختصّ (غيفارا نمر، ساشا أيوب، زاهر عمرين، ناديا مهنا، جود كوراني، سيسيل بويكس، منذر كبة، مزنة النائب، زينة قهوجي، ...)، ولجنة استشارية دولية، الفرنسية " Marie-Pierre Duhamel-Muller" والتي كانت حتى وقتٍ قريب المدير الفني لمهرجان "سينما الواقع" في باريس، والدانماركي"Tue Steen Muller " أحد خبراء السينما التسجيلية، والسوري"عمر أميرلاي" واحدٌ من مُبدعي السينما التسجيلية العربية.

"أيام سينما الواقع" تُلبي نقصاً كبيراً في المشهد السينمائي السوري، والعربي، أقدم على تأسيسها مجموعة من السينمائيين السوريين المُستقلين، ولكن، بدون قطيعةٍ مع السلطات الرسمية المُتمثلة بالمُؤسّسة العامة للسينما، وهي بادرة إيجابية، وانفتاحُ حقيقيّ على المشاريع الجادة التي تُديرها مؤسّساتٍ خاصة ( نفس الخطوة التي أقدمت عليها المُؤسّسة بإنجاز أفلامٍ مشتركة مع القطاع الخاصّ).

ما هو مُلفتٌ للانتباه أيضاً، تطوير المهرجان بتمهلٍ احترافيٍّ مدروس، حيث تخيّر المُنظمّون بدايةً تسمية التظاهرة بـ "أيام سينما الواقع"، على عكس ما أقدمَ عليه بعض "المُتحمّسين جداً للوصول إلى قمّة المجد" عندما أعلن واحدٌ منهم عن تأسيس مهرجانٍ سينمائي "دولي" في "غزة" يحمل اسم مدينةٍ أخرى "القدس"، وقبل سنةٍ تقريباً من الانطلاقة الهزيلة، والهزلية، انهمرت بياناته الصحفية العاصفة تتشدق بطموحاتٍ لا تتناسب أبداً مع إمكانياته السينمائية، وخبراته التنظيميّة، والواقع العملي الذي تعيشه المدينة، والمنطقة، ولم يكن الأمر أكثر من دعايةٍ شخصية فاقعة، ومزايداتٍ على القدس، والقضية الفلسطينية.

اختيار "أيام" لتظاهرةٍ/أو مهرجانٍ ليس عيباً، ولا انتقاصاً، فما تزال "أيام قرطاج السينمائية" في تونس، تحتفظ بعنوانها الأصلي على الرغم من تاريخها، عراقتها، أهميتها، وبرمجتها التي تجمع مسابقة للأفلام العربية، والأفريقية، بالإضافة لأقسامٍ إعلامية تستقبل أفلاماً من كلّ أنحاء العالم.

الميزة الإضافية التي تتحلى بها "أيام سينما الواقع"/المهرجان الدولي للأفلام التسجيلية (DOX BOX) فكرة التجوال، أو التزامن (في دمشق، حمص، وطرطوس حالياً)، والرغبة المُتواصلة بالانتشار في أكبر عددٍ من المُدن السورية، والعربية...

وأيضاً، مجانية العرض، وإستراتيجية استقطاب المُتفرجين من كافة الأعمار بهدف ترميم ثقافة المُشاهدة لديهم، وتعويدهم على الذهاب إلى صالات السينما، والاستراحة لبعض الساعات من شاشة التلفزيون.

وتكشف المعلومات الواردة في الموقع عن شبكة تعاونٍ نشطة بين المهرجان، والنوادي السينمائية في طرطوس، وحمص، والمراكز الثقافية الأجنبية في دمشق (الألماني، الاسباني، البريطاني، الدانماركي)، والمُؤسّسات، والمهرجانات العالمية المُتخصصة بالأفلام التسجيلية (شبكة الوثائقي الأوروبي، مهرجان أمستردام الدولي للفيلم التسجيلي، مهرجان كوبنهاغن دوكس للفيلم التسجيلي، مهرجان لايبزيغ دوك للفيلم التسجيلي، مهرجان دوك بوينت في هلسنكي للفيلم التسجيلي، برنامج صندانس لدعم الفيلم التسجيلي، معهد الفيلم الدانماركي، معهد الفيلم السويدي، مهرجان ليماسول للفيلم التسجيلي في قبرص، مؤسّسة الفيلم الألماني، معهد الفيلم البولوني، شركة جين بلفور للتوزيع، شركة تاسكوفسكي فيلم للتوزيع، شركة ديكرت للتوزيع).

وبالإضافة للعروض المُوجهة للجمهور، والمُحترفين على السواء بهدف ترويج الفيلم التسجيلي، وتطوير الثقافة السينمائية بشكلٍ عام، يُنظم المهرجان نشاطاتٍ احترافية تطبيقية للربط بين المُبتدئين الراغبين بإنجاز أفلام تسجيلية، والمُحترفين، كما يُكرس تقاليد إضافية على الفعاليات الرئيسية تحت عناوين مختلفة، أصيلة، وطريفة : أنشطة التشبيك، فنجان قهوة، موعدٌ سريّ،.. استوحاها المُنظمّون من مهرجاناتٍ عالمية مُتخصصة، وهذا يعني، بأنّهم يشاركون فيها بفعالية، يتفحصون، يدققون، ويتابعون الأنشطة الجانبية المُصاحبة للعروض، ويستفيدون من كلّ الجوانب الإيجابية، ويحاولون تطبيقها في مهرجانهم بعيداً عن التقليد المجانيّ للمظاهر الاحتفالية المُلتصقة بالمهرجانات العربية.

ويُظهر أرشيف الموقع، بأنّ المهرجان عرض 23 فيلماً في دورته الأولى، و40 في دورته الثانية، وحوالي 40 في دورته الثالثة.

ومن أجل الدورات القادمة، يطمح المُنظمون "بتطوير التعاون مع مؤسّساتٍ عربية ثقافية لإعادة عروض أيام سينما الواقع سنوياً في مدنٍ عربية في مقدمتها بيروت، طنجة، عمان، والإسكندرية، ...".

المهرجان ليس نافذة لعرض الأفلام فقط، ولكنه حلقة تواصلٍ بين المُشاهدة، ودعمها بورش عملٍ، لقاءاتٍ، نقاشاتٍ، وأنشطة تخصصية أدت إلى تأسيس مُلتقى أيام سينما الواقع التخصصيّ.

ولا يتوقف طموح المُنظمّين عند هذا الحدث، حيث يعدون من يهمّهم الأمر بنشرةٍ تخصصية فصلية إلكترونية تحت عنوان "تفاصيل"، رُبما تكون مفاجأة حقيقية في الثقافة السينمائية العربية، ومبادرة مُكمّلة لما أقدمت عليه "قناة الجزيرة الوثائقية" بتخصيص موقع يهتمّ بشكلٍ أساسي بكتاباتٍ عن السينما التسجيلية، أخباراً، متابعاتٍ، مقالاتٍ، ودراسات.

وبالتدقيق أكثر في المعلومات التي يمنحها الموقع، يتبيّن بأنّ المهرجان يتحول تدريجياً إلى مؤسّسةٍ سينمائية تعليمية مُكثفة يفتقدها المشهد السينمائيّ في سورية، حيث يتوزع برنامج التدريب المبدئيّ "تكوين" في محاور اختصاصية بما يكفي .

ويُشير هذا النفس الاحترافي الواضح إلى معرفة المُنظمّين الوافية بمُجريات المشهد التسجيليّ العالمي، وهم يُطورون المهرجان وُفقاً لخبرات سابقة، وحالية لمهرجاناتٍ عالمية كثيرة، وأتوقع، بأنه خلال القليل من السنوات، سوف يحظى هذا الحدث السينمائيّ بمكانةٍ مُتميزة في خارطة المهرجانات السينمائية العربية المُتخصصة .

الجزيرة الوثائقية في

15/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)