حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

والدتها مسيحية تزوجت من مسلم... ومراهقتها شكلها عبدالناصر وعبدالحليم حافظ

منى واصف: أحب المتنبي... وأغار من كل امرأة تكتب!

فاطمة عطفة

تقف السيدة منى واصف في الصدارة من كوكبة صنعت مجد المسرح السوري طوال الخمسين سنة الماضية، وتمتاز السيدة منى بذاكرة مشرقة وحضور آسر دون أن تتخلى عن بساطتها وتواضعها الذي تؤكد به المستوى الراقي الذي تمتاز به فضلا عن ثقافتها الواسعة وطلاقتها في حديث الذكريات وإعطاء كل جيل حقه بعيدا عن الغرور وهي ما زالت تحتفظ بكبرياء الملكة التي تظهر في أدوارها على خشبة المسرح، وعلى الشاشة. ولعل أروع ما في حديث منى عندما تقرن الوطن بالأم وخاصة أم الشهيد، ويكفي أن نتذكر من أدوارها ماريانا صانعة راية الحرية في مسرحية لوركا إلى جانب عشرات المسرحيات والمسلسلات فضلا عن دورها في فيلم 'الرسالة:

·         الطفولة والطبيعة.. وذكراهما، كم في هذا الكنز من العطاء؟

المشكلة أن ليس هناك خصام بيني وبين البارحة، أنا امرأة مستقبلية وعندي الحاضر والمستقبل مهم جداًّ، وعندما أرجع بذاكرتي إلى الطفولة لا أحسها كما عشتها، هناك أشياء كثيرة من الطفولة كنت أجدها تعيسة، لكن عندما أستعيدها - يمكن لأني امرأة سعيدة الآن- أحس بأنه كان فيها حلاوة. أكثر شيء أثر فيّ هو طلاق أمي والانفصال عن أبي وكان عمري وقتها سبع سنوات، صدفة عرفت أن اسمه طلاق. أمر صعب أن يتغير البيت هكذا.

بعد فترة، أمي تزوجت رجلا ثانيا اعتقدته أبي الثاني، يعني أنني لم أكن أعرف الطلاق، على زماني كان معيبا أكثر من الآن، ربما لأنه صار أكثر، يمكن لا يتعقد الأولاد كثيراً اليوم، لكن أنا تعقدت وأنا صغيرة، وبنيت لنفسي قصرا ملوكيا جداً، يشبه أدواري المسرحية التي اشتهرت بها تلفزيونياً، يعني أخفيت انكساري بأحلامي وهي أهم شيء، كنت أحلم أنني فراشة تطير أو عصفور ملون يطير ويجب أن يكون ملونا لأن أول عصفور ملون رأيته بالحمّة، وهي منطقة مياه حارة بالجولان المحتل كانوا يأخذوننا إليها ونحن صغار رحلات مدرسية، وأنا شابة كنت بالمسرح العسكري كذلك كانوا يأخذوننا نعرض لقطعات كانت موجودة على الحدود، وظلت هذه الطيور الملونة حلما من أحلامي، وسمكة قائدة لسرب السمك الذي كان في بردى قبل أن يجف، وكان فيه السمك بكثرة وواحدة تكون متقدمة والكل يتبعها، وكان يجب أن أكون أنا السمكة الأولى.

بعد ذلك عندما أصبحت أسمع راديو وأسمع أن هناك مباريات وفائزين، ومجرد نجاح أحد أحلم أني أطير وأحضرها ثم أرجع إلى القصر الذي بنيته على جبل قاسيون وأجلس. هذا جزء من الأحلام، وكنت أقرأ كان عندنا تخت من النحاس مرتفع من الصناعات القديمة، أدخل تحته لأن أمي كانت تطلب منا النوم الساعة 8-9 مساءً فأنزل وأشعل شمعة وأقرأ أي شيء يقع في يدي حتى إن هناك كتبا لا أعرف أن أقرأها وهي كتب عمي زوج أمي وكان يدرس المحاماة، وتعرفين بأن هذه الكتب مجلدة أحمر أو أخضر سميكة دافئة أمسكها وألمس عليها، وإلى الآن عندما أشتري كتاب أتحسسه بيدي وأحن عليه وأمسحه، يعني أشعر أن بيني وبين الغلاف شيئا ما.

هذه طفولتي، تشردت. أبي لم يكن يعرف شيئا اسمه ناجز، يعني أمي أخذتنا من غير دفع نفقة لها، لكنه دائماً كان يأتي ويأخذ، هذه المشاكل جعلتني أحب أمي أكثر، كانت شخصيتها أقوى، جميلة جداً وذكية جداً، وبعكس ما يقولون بأن الجميلة لا تكون ذكية، بل كانت تفهم الحياة، أخذتنا ثلاث بنات وهي مسيحية متزوجة من مسلم، بالتأكيد الأمور كانت صعبة عليها، لكن أمي كانت قد الدنيا، كانت تقول لي: 'لازم تكوني قد الدنيا كبيرة'. أمي وحماتي أيضاً أرملة ربت ثلاثة شباب وكانت صغيرة، سيدة - الله يرحمها. سعاد ميرزا مدرستي باللغة العربية علمتني حتى الإعدادية (البروفيه) وهي التي حببتني باللغة، وهي التي قالت لي أول بيت للخنساء، ما كنت أعرف أن يوماً ما سأعمل عنها 30 حلقة:

قذى بعينك أم بالعين عوَّار

أم ذرَّفت إذ خلت من أهلها الدارُ

كأن دمعي لذكراه إذا خطرت

فيض يسيل على الخدين مدرارُ

عندما قرأت ستانسلافسكي ودخلت المسرح ما زلت أردد كلمات هذا المعلم الكبير، يقول: إن الرصيد اليومي يحمل مخزونا، هذا المخزون يظل بالذاكرة، وعندما يأتي أي دور يشبه شخصية ما أنت عرفتها سابقاً تخرج فوراً من هذا المخزون، وهذا الشيء مهم وكذلك الرصيد اليومي مهم بالنسبة لي، أنا لا أعيش في برج عاجي، أنزل للناس وأشاهدهم كيف يعيشون، وكيف يتكلمون، وكيف يتحركون وخصوصاً في أوقات سفري. حين أسافر إلى بيئة فقيرة ونصور فيها بعض المشاهد، هذا الرصيد كون عندي مخزونا وبدونه لا أتذكر آبائي وأجدادي، في لحظة الحزن يمكن أن أبكي، وفي لحظة الفرح أفرح، ولكن في صلب الدور'.

·         قراءاتك والمخزون الثقافي عندك هذا ساعدك، المراحل التي قرأت فيها من الشعر وكتب الفكر؟

وأنا صغيرة، قرأت أرسين لوبين وآغاثا كريستي، ووقت المراهقة قرأت لإحسان عبد القدوس، ولما وصلت للمسرح بدأت أهتم بالقراءات التثقيفية، وأنا عملت سنتين في المسرح العسكري وكانت أعمالنا تحمل لمسة كوميدية لنعرضها على الجنود وأهاليهم، أما حين دخلت المسرح القومي للفنون الدرامية فكان لا بد:
أولاً - أن أقرأ مسرحيات، لأن كل كاتب أقدم له مسرحية كان علي أن أعرف بأي فترة زمنية ولد، هذا كان يساعدنا ويزيد من معرفتنا. أكثر شيء أثر بي هو الأدب الروسي، أنا بدأت أقرأ مثلاً (مذلون مهانون) لدوستوفسكي، كنت أشم رائحة الفحم تخنقني، مرة كتبت عن هذا الشيء لأنني كتبت بعض الخواطر فهذا أثر بي كثيراً.

قرأت مسرحيات وروايات كثيرة وقرأت (إعداد الممثل) لستانسلافسكي، قرأت شيئا له علاقة بالروايات الأدبية والمسرح، هذا الذي ثقفني. لو بدأت بالتلفزيون مباشرة، ربما ما كنت أعرف هذا العالم، لكن المسرح لا شك أنه مكنني من إجادة اللغة العربية، أعطاني وأكسبني ثقافة وأعطاني شيئا اسمه الكبرياء، مع ملوكيتي التي كنت أتخيلها وأنا صغيرة هذه الكبرياء والنبالة عندما تكونين على المسرح والناس تنظر إليك وهي رافعة رؤوسها من أجل أن تراك على خشبة المسرح، يعطيك هذا الشيء نوعا من الكبرياء، أنا لما لعبت دور خادمة على المسرح مثلاً كنت أحس أني ملكة، لذلك عندما كنت ألعب دور ملكات بالتحديد، كنت أصدق نفسي وأشعر بأن أحلامي تحققت، وأثناء التمثيل أنت تصدقين هذه اللعبة لأن أصل الفن لعبة، يقال: فلان لعب هذا الدور، أنا أصدق اللعبة وأدخل فيها بعمقها وأحاسيسها وأقدمها، فهي عندي مرحلة التصديق، ينتهي الدور ويبقى معي شيئا معينا حزينا.. يترك ندوبا صغيرة في نفسي وإذا كان فرح يترك فرحة بعيوني، أكثر من هذا ما عقدتني أدواري'.

·         الشعر، كيف كانت علاقتك بالشعر؟ و لمن تقرئين من الشعر الجاهلي أو الحديث؟

بدأت أقرأ لنزار قباني في مراهقتي وفي شبابي وعشقته لأنه عاشق للمرأة وعاشق للوطن، وبرأيي الشخصي من يعشق المرأة والبحر، يعشق الوطن لأن الاثنين لديهما أعماق مثل حنا مينه عندما يكتب عن البحر، ونزار قباني حين يكتب عن المرأة والوطن، كانوا يقولون إنه شاعر المرأة في فترة من الفترات صدقت، ربما الإعلام يؤثر فيك، بعد ذلك تكتشفين من خلال تجربتك للقراءات الكثيرة أن نزار شاعر وطن لأن المرأة أم وسماء وأرض وجنة، وهذا الوطن الكبير.

أنا قارئة شعر لكن ليس بقدر الروايات، أنا أغار من (إليزابيث ألليندي) ومن كل امرأة تكتب، نسيت أن أقول لك: وأنا طفلة بعمر 12-13 سنة أي بالمراهقة كان حلمي بأن أكون كاتبة وإلى الآن أحلم لأن الأحلام جميلة.

لدي شاعر أحبه وأحب شعره وأحب سيرته الذاتية هو أبو الطيب المتنبي، لا يوجد أحد لا يحبه، وكان ابني يقول إن أبا الطيب يحب واحدة اسمها خولة، هي خولة أخت سيف الدولة، ولا أعرف إن كانت قصة الحب صحيحة، وبقيت أقول لابني خولة.. وخولة حتى تزوج واحدة اسمها خولة. على كل حال أشعر بنفسي وبأنني مغلفة بالأدب، مغلفة بالفن، وأهم شيء مغلفة بالوطن، يعني أنا بداخلي وخارجي هناك وطن اسمه سورية، وقد قلت لك بأني كنت بانية قصرا لي على جبل قاسيون، وعندما أنتصر أرجع إلى طفولتي، ولا أستطيع أن أغيب عن دمشق وعن بيتي كثيرا وأطول فترة كانت ثلاثة أشهر وعشرة أيام'.

·         لماذا ثلاثة أشهر وعشرة أيام بالتحديد؟

لأن المنحة التي منحت لي من ألمانيا الديمقراطية عندما كانت هناك ألمانيتان للاطلاع على مسرح بريشت كانت مدتها ثلاثة أشهر وعشرة أيام لذلك كانت هذه أطول مدة تغيبت فيها عن الوطن، أما السفرات الأخرى فكانت غالبا ما تتراوح بين الشهر والشهرين.

·         هذا الاندماج بدمشق، هل حلمت مرة أن يكون لك قصر في القدس، في فلسطين، وهل من الممكن أن يتحقق هذا الحلم؟

لقد مثلت شخصيات فلسطينيات ولعبت أدوار الحزن على فقدان الأبناء، وتعلمت منهم بأن الوطن أهم من الأبناء لأنهم هم من يذودون عنه ولو كان الأبناء أهم من الوطن لما رأينا هذا العدد الكبير من الشهداء بالعالم كله، إنه الوطن، هناك شيء موجود في الجينات يحث المرء على الدفاع عن الوطن وفدائه بالدم والروح، أردت فهم ما هي القضية الفلسطينية، والقضية الجزائرية، لأن مراهقتي كانت لها علاقة بجميلة بوحيرد وأحمد بن بلا وبالزعيم عبد الناصر، معهم تشكل كل الوعي عندي، ومعهم عبد الحليم حافظ وفيروز، هكذا تشكلت ولا تسألي كيف، هكذا بدون أن أعرف وبدون إيديولوجية، أنا تشكلت هكذا بالزعماء، بالأبطال، بالقضايا، بالفن، بالأصوات الجميلة والرومانسية، لا أعرف إن كنت جامعة للكل لكني أشعر بأنني هكذا تشكلت، ورحت بعدها إلى القضية الفلسطينية وصار عندي وعي أكبر، أنا أحلم بأن يكون لي قصر في القدس، ولكن في البداية أحلم بأن أزور القدس ومن ثم أفكر إذا أردت أن أبني بيتا إن كنت أقدر أن أبني بيتا أو أزرع شجرة زيتون، فأنا عندما آكل زيتونة ويقولون لي: 'هذه من فلسطين'- بصراحة أقول - أشعر بأن هذا الزيتون في طعمه دم لأنه بالتأكيد من قبل لم يكن في زفت يغب الدم كان في أرض مزروعة تغب وتروى بالدماء، وهكذا لما آكل زيتون جزائري أحس كذلك بأنه مروي بالدم، لا أعرف كيف أستطيع أن أجعل الفكرة تصل إليك، أنا أرتعب من تفكيري من الشيء الذي بداخلي كأني آكل نفسي وبعضي وكأني آكل شيئا تغذى وارتوى من دم الشهداء، لا أعرف مشكلتي.. هكذا أنا وهذه تركيبتي.. مرة قلت لنفسي بيني وبين ربي (اللهم أعني على أن أظل قوية ولا أنحني ولا أفقد ذاكرتي، اللهم أعني أن لا أتكئ على أحد، اللهم وأنت المجيب) أفكر كيف الإنسان يكون قويا وفجأة يصير ضعيفا، كل هذه الإرهاصات موجودة لدي'.

·         حدثيني عن المرأة وعالمها المرأة الداخلي، هل هو عالم أسطوري لا يمكن فهمه، وهل لكل امرأة عالم خاص بذاتها؟ في أي وقت تستطيع المرأة بأن تملك الحكمة وأن لا تتبع الرجل وتهتم بالمظاهر وتبني نفسها؟

أود أن أقول إن هذا ظلم للمرأة إذ يطرح هذا السؤال في القرن الواحد والعشرين، من ربى أبطالنا؟ أليست المرأة؟ حتى في الماضي والحاضر، الآن المرأة عندها دوران امرأة ورجل، كل امرأة لها عالمها الداخلي، لن نقول بأن هؤلاء النساء يجمعهن الحب أو هؤلاء تجمعهن الكراهية أو هؤلاء النساء أسطوريات، وهؤلاء أمازونيات، كما يشبهوني، لأنه دائماً المرأة بالأمازون كانت تحكم، برأيي كل امرأة عالم بذاته، وكذلك الرجل ولا يمكن أن أقول بأن كل الرجال ظالمون أو كلهم أذكياء أو أبطال، فهناك إنسان تفرع منه رجل وتفرع منه امرأة، وكل منهما عالم ذاته، وهناك طريقة للتعامل معه، لكن لأنني امرأة أقول في عالم المرأة حنان وحب لا يوجدان عند الرجل، حنية وعطاء يصعب أن يكونا عند الرجل، وفي سن معينة يستطيع أن يعطيها، المرأة عندها قدرة على الحب حتى اللحظة الأخيرة في حياتها وإن غاب أو ابتعد عنها أولادها وأحفادها تأتي بنبتة وتظل ترعاها أو قطة تربيها، أو عصفور إلى أن تموت لتشعر أنها تعمل، تقدم، وتعطي، الرجل في لحظة من اللحظات يستسلم لليأس، أما المرأة فلا'.

المرأة الفلسطينية دورها في إظهار عدالة قضيتها للعالم من خلال ما قدمت من الشهداء، وكذلك الصمود.

ما قدمته وما ستقدمه دون أن يطلب أحد منها أن تعمله، أعتقد أن جيناتها كما تحدثت سابقاً بأن الوطن أهم من الأبناء، فهي تعمل الشيء هذا من أجل أن تحافظ على وطنها، من أجل الأبناء والأجيال القادمة، أو من أجل ذكرياتها، أو من أجل تربة أجدادها المدفونين، هناك قضية للمرأة الفلسطينية وحتى تحافظ على هذا الشيء وهي تعرف الثمن وتدفعه بدون أن تتمنى، وقد نسمع أصواتا من أشخاص تقول أنا ضحيت، أنا أراه واجبا، والتضحية ليست كلمة صغيرة، نحن أصبحنا نستعملها بكل شيء، مثلاً فنان غابت عنه الأضواء ثم ظهر في مقابلة يقول أنا ضحيت، بماذا ضحى؟ إنه لم يضح بشيء،.. هي كانت متعة بالنسبة إليك وكان يكسب منها أموالا، التضحية هي هذه المرأة التي قدمت هذا الولد وهذا الشاب شهيدا من أجل عزة الوطن والحفاظ عليه.. هذه هي التضحية، المرأة الجندي الإنسان الذي عنده مبدأ، الإنسان الذي يخاف على وطنه، ضحى في سبيل الوطن، حر وذو كرامة، لذلك المرأة الفلسطينية تقول ماذا عملت بالفعل لا بالكلام، عندما أشاهد النساء الفلسطينيات بوسائل الإعلام أحبهن كثيراً بذلك الشال الأبيض الذي يضعنه على رؤوسهن وكذلك السافرات، أحب كل النساء الفلسطينيات لأن فلسطين ليست حكراً على أحد، هؤلاء النساء يتكلمن بقوة وبكرامة، ويتكلمن بكبرياء، وكل الأدوار التي تجسد شخصية المرأة الفلسطينية لا ترقى إلى الصورة الأصلية التي نشاهدها في البرامج أو الأفلام الوثائقية، عندما تظهر المرأة الفلسطينية مضرجة بالدماء وهي تقاوم وتدافع عن عزتها وكبريائها، هؤلاء النساء أكبر من الوصف'.

·         هل هناك عمل من أعمالك محبب إليك أكثر من غيره؟

أنا لا أعتبر أعمالي مثل أولادي كما يقول البعض، هذا غير صحيح، أعتبر أن الأعمال التي أديتها هي صنعتني، وكل دور وبغض النظر عن شهرته وانتشاره يعني لي شيئا في حياتي، كما أن هناك أدوارا قدمتها ومرت مرور الكرام، وأعمالا لاقت نجاحا كبيرا واستقطبت اهتمام الناس، لكن عندي شيئا في تاريخي أعتز به في السنوات العشرين الأولى هو المسرح، وأنا أعتبر نفسي ممثلة مسرحية أهم بكثير مما وصلت إليه بالشهرة العربية بالنسبة لأدواري التلفزيونية أو السينمائية، ما عدا فيلم 'الرسالة'، ففيلم 'الرسالة' أعتبره هو الرسالة التي من خلالها استطعنا أن نقول ما هو ديننا ومن نحن، فهذا الفيلم كان رسالة ضمن رسالة، وبالنسبة لي كان جواز مرور للعالم.

وكل الأدوار أفكر فيها وأشعر بأنها عزيزة حتى إني قدمت ماريانا لـ(لوركا) مريانا بيندا مسرحية ثلاثة أجزاء وثلاث سهرات، مسرحية ثلاثة فصول وقدمت على ثلاثة أيام، وعندما كنت أقول شعر لوركا كنت أتماهى فيه مع الشخصية، يمكن ثلاثة أو أربعة أشخاص فقط قالوا لي يعطيك العافية، بينما عملت مسلسل اسمه (الجرح القديم) كسر الدنيا ونجح كثيراً لكن ما من أحد قال لي بأني لم أبدع بهذا الدور. وأنا لا أحب العمل الذي يمر مرور الكرام، فكل دور أخذ مني شيئا وأعطاني شيئا. العمل يحكي أيضا عن الوطن وعن الحبيب الذي يذهب فداء الوطن ـ لوركا لا يكتب عبثا،ً لذلك لا أستطيع أن أقول إن هناك أدوارا لم يشاهدها أو يدركها إلا قلة.

·         هناك تراجع بالمسرح، ما هو برأيك؟ هل يعود إلى عدم اهتمام الدولة بالثقافة كاهتمامها بالإعلام، خاصة بالشاشة الصغيرة؟

لنبدأ من الآخر، هل هو تقصير من الدولة، أقول لولا الدولة لما وجد مسرح في سورية، لأننا نحن كلنا موظفون بالدولة، لم يكن هناك أي مسرح خاص ما عدا مسرح الأستاذ دريد لحام (فرقة تشرين) والفرق الخاصة الصغيرة، كله كان تابعا للدولة، ولولا رعاية الدولة له لما أمكن الاستمرار لأن الفنان كان يواجه تحديات كبيرة في الوقت الذي بدأت أنا فيه بالعمل في المسرح، لم نشعر بضغوط الحياة لأننا كنا نتقاضى مرتبات وهذا شيء مهم وهو ما أبقانا مستمرين، ثم عملنا بالتلفزيون على أساس إكمال المسيرة، لأن المسرح هو الذي كان مهما ذاك الوقت. برأيي الشخصي أن كل حقبة زمنية تفرض ثقافتها وفنها وسياستها واقتصادها، يعني كل عشر سنوات، لا نقدر أن نرجع الزمن إلى الوراء. أنا أعتقد لو أن أم كلثوم ترجع وتغني أربع ساعات وتعيد البيت عشر مرات فإن هذا الجيل لن يتقبلها (قولاً واحداً) لأن الـ CD اليوم فيه أكثر من 12 أغنية وربما أكثر ويستطيعون سماعها بساعة واحدة.

هذا هو الفرق، لذلك بالنسبة للمسرح اليوم أقول بأنه هناك مسرح وهناك تجارب مسرحية في كل الوطن العربي، وهناك مهرجانات مسرحية وأعمال وشباب يقدمونها بشكل جيد، لكن هناك فرق، وأنا لا أحب أن أقول أنه لا يوجد فرق بين زمني وزمنهم، أنا نفسي لا أشعر بأنه في هذا الزمن استمرارية لشيء معين، مثلاً بزمن ما كانت السيارة حلماً.. صار الآن أي واحد يمكنه أن يقتني سيارة، وفي زمن كان الحلم أن يشتري الإنسان بيتا.. والآن باستطاعته أن يشتري بالتقسيط، هناك شيء تغير وشيء ظل، نحن نحب عبد الحليم والآخر يحب اسما ما من المطربين، ولا أحد يستطيع أن يشكك في ذوق الآخر، وهذا الجيل أنا أحبه، لذلك يوجد مسرح لكن السائد هو الدراما التلفزيونية، لكن طبعاً هذا الكلام بالنسبة إلى العالم العربي، لأن العالم الأوروبي المسرح من طقوسه مهما صار من أزمات يبقى جمهور المسرح لأنه متجذر، أما نحن فيبقى المسرح دخيلا علينا، والسينما كذلك الأمر، التأثير بالدراما التلفزيونية كبير وقد أصبحت تصدر من نجومها إلى السينما، حتى عندما بدأ التلفزيون سواء عندنا أو بمصر اعتمد على نجوم المسرح لأنهم أكثر بساطة وهم أكثر حفظاً'.

·         انطلاق الفنانين السوريين إلى مصر، والبعض يطلق تعبير تمصّر الفنانين السوريين، هل تبقى مصر مثل هوليوود بالنسبة إلى الدول العربية، وهل هذا لصالح الدراما؟

بالنسبة لي لا أجد أي تحفظ على هذا الأمر، لأن الممثلين عندما صوروا في مصر كانوا نجوما في بلدهم من قبل، لكن إذا قيل إنهم صاروا عندنا نجوما يعني ذلك أنهم هناك لا يشاهدون أعمال غيرهم، الواقع أنه بعد وجود الفضائيات صار عندنا جمهور في مصر وهذا الجمهور هو الحكم، إذا كانوا هؤلاء النجوم ذهبوا إلى مصر وعملوا أعمالا جيدة فهذا جيد، أما تعبير تمصر فأقول مصر عربية ولا يوجد فرق، أما وصف هوليوود فقد صارت تطلق في أي مكان تعملين فيه وتحققين نجاحا.. فهوليوود هي بلدك، أنا أعتبر أن بلدي تنتج أعمالا، الخليج أيضاً ينتج أعمال هوليوود، ما عاد في كلام مثل هجرة الفنانين أو هجرة القلوب إلى القلوب، إذا كانت هناك حالات فردية تريد أن تعيش هناك فهذا خاص بها لكن برأيي الفنانين الذين ذهبوا وعملوا في مصر ونجحوا وأثروا الحياة الفنية: تيم حسن عمل الملك فاروق، حاتم علي أخرج هذا العمل، ما معنى أن فنانا سورية يمثل دور الملك فاروق أو ان مخرجا سوريا يخرج ذلك؟ هذا مكسب فني. أنا فخورة بهم وأقول يجب أن يحصل هذا وأنا عن نفسي مثلت كثيراً بالدول العربية وأغنيت تجربتي، مثلت مع كثير من الممثلين المصريين خارج مصر وإنتاج محطات عربية، وهذا أثرى تجربتي وتجربتهم كذلك، حتى في فيلم 'الرسالة' كان هناك ممثلون مصريون كثر. نحن صار عندنا نهضة والنهضة غير الفورة، هذا تأسيس من الستينات، نحن لدينا بناء مؤسس ثقافياً بشكل جيد.

·         المغرب العربي فيه أسماء ووجوه ثقافية غنية سواء في كتابة النص أو الفن الغنائي والتمثيل، وهذا ربما لقربهم من أوروبا، لماذا التواصل ما بين المشرق والمغرب ضئيل، كيف يمكن أن تتطور العلاقة لإغناء التجربتين معا؟

أنا أتحدث من تجربتي، لا أشعر بأنه يوجد هذا البعد، دائماً يوجد تلاقي مع المغرب العربي من خلال المهرجانات، وهذا مهم جداً، منذ عام 69 سواء مهرجان المسرح أو السينما، أعرفهم كلهم وهم يعرفوننا، لكن بالنسبة إلى الجمهور، يمكن سبب عدم التواصل هو اللهجة التي قد تكون صعبة عليهم، لأنه لم يحصل عرض مستمر ولو كان هناك عروض مستمرة عندئذ يتعود الجمهور على اللهجة، هم أناس ذواقون ومثقفون، وما من شك بأن المسرح عندهم متفوق، وأذكر ذلك عندما شاهدت مسرحهم من 69، 70، 74 الإنتاجات التي كانت تأتينا من الجزائر ومن المغرب ومن تونس، وأتذكر حتى الأسماء المتميزة، لقد كان شيئا مذهلا، ومن ذاك الزمان صار عندنا عين ناقدة بين الذي كان يأتي من بلاد أخرى أو من المغرب وكان يوجد تطور هائل وكذلك من العراق، المسرح العراقي كان متطورا أيضا، وكان هذا التواصل مفيدا'.

·         هل تحتفظين بأشياء تراثية، قديمة من الوالدة أو من مقتنياتك؟

أبداً، لم يبقَ عندي شيء لقد أضعتها ولم أكن أعرف قيمتها إلا بعد أن فقدتها، وأقدم شيء عندي بعض الصحون جاءتني يوم عرسي 13 كانون الثاني/ يناير عام 1963 وهذه الصحون مرسوم عليها روميو وجولييت، طبعاً تكسر منها قسم وتبقى عدد قليل.

هذا أقدم شيء عندي لكن عندي فازات حلوة ولوحات جميلة متنوعة من الجزائر والإمارات والمغرب'.

·         هل اخترت أشياء من الأزياء لتبقى ذكرى؟

أبداً، أنا ليس لدي مثل الممثلات الأجنبيات ريش وفرو وغيره ـ أنا لي طراز معين في لباسي، مثل بنطلون وجاكيت، أحب الأكسسوار وخاصة الفضة منها، وأحب الجلابية وعليها مشلح، أحب اللباس الشرقي وأحتفظ فيه للسفر، عندي جلابيات من 15 أو عشرين سنة، واحدة منها مشغولة في فلسطين، جميلة جداً ولا يوجد عندي مصممة، أنا أنزل إلى السوق في أي مكان أسافر إليه وأشتري ما يعجبني وكذلك الأمر في سورية.

·         لمن تعطين ما يزيد عندك من إكسسوارات وفساتين؟ هل هناك جهة معينة؟

أعطي ما يزيد عندي إلى أخواتي، وهن يوزعن لصديقاتهن، المهم أن لا تكون واحدة تمثل، حتى لا يتكرر الزي على التلفزيون لأن هذه الأشياء ملكي الشخصي، أحياناً نوزع على الملاجئ وهم يوزعون طبعاً لا يجب أن يبقى عندي أشياء كثيرة، وأحياناً لدي صديقات أحبهن كثيراً ويسافرن فأقوم بإعطائهن ما يروق لهن، وكل شيء يزيد يذهب للملاجئ، عندنا شيء اسمه حفظ النعمة بالأكل، أنا تربيت ببيت أمي وكانت تقول لي (ما حلاها عيشة الفلاح) التي يغنيها عبد الوهاب، تقول لي: لما كنا نذهب لنملأ الماء من العين، يا نرجع 'شحاطتنا' حذاؤنا برجلنا أو بدونها، كانت تعلمنا ونحن صغار بأن لا نهدر الماء وبنفس الوقت لا نرمي الخبز والشيء الأهم أن لا نضع في صحننا ما يزيد، وإذا أردنا أن نزيد نسكب من الطنجرة. لا، نحن ليس عندنا هدر، حتى مهما ما كان يزيد من الطعام ولو كان قليل أضعه في صحون صغيرة وأحفظه، هكذا ربيت ابني، وهو يعيش بأمريكا ويأكلون في صحون كبيرة، لكنه وكما عودته لا يرمي شيء من نعمة الطعام'.

·         أبوظبي.. الإمارات، ماذا تمثل لك، سواء في النقلة الثقافية أوالتطور العمراني؟

أول زياراتي لأبوظبي كانت أوائل الثمانينات، صورنا مسلسل اسمه (بأم عيني) من مذكرات فليتسيا لانغر المحامية اليهودية التقدمية، التي كانت تدافع عن الأسرى الفلسطينيين، بعدها جئت أكثر من عشر مرات إلى أبوظبي وفي كل مرة أشعر بأنها تتطور وتكبر، حين وصلتها مؤخرا وكنت قد غبت عنها 7 سنوات تفاجأت كثيرا من سرعة التطور العمراني والمعماري، وتفاجأت بقصر الإمارات، حتى إني أضيع إلى أن أصل إلى غرفتي، ومن يتجول بالسيارة في الشوارع يشعر كأنها لوحات من الجنان الخضراء مزينة بالأبراج المعمارية، كذلك مشاريعها الثقافية إن بقيت بهذا الدعم والتصميم سوف تؤسس إلى ثقافة تسجل لها وتستفيد منها شعوب المنطقة'.

القدس العربي في

06/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)