حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ضوء

سينما مأزومة

عدنان مدانات

كثيرة هي الإشارات التي تتضمنها مقالات النقاد العرب حول وجود أزمة في “السينما العربية”، لكن، هل ثمة حقاً “سينما عربية”؟ مشروعية هذا التساؤل تنطلق من الفروقات الشاسعة بين تجربة الأقطار العربية في مجال السينما مما يستوجب الحديث عن سينما مصرية، وسينما فلسطينية، وسينما سورية، وسينما مغربية . . . الخ، وليس سينما عربية . فالواقع أن استخدام مصطلح “سينما عربية” الشائع غير دقيق، فإذا أردنا الدقة في شمول الأفلام العربية في مصطلح واحد فمن الأنسب القول: إنتاج الأفلام في الوطن العربي، فعندما نتحدث عن “سينما” فنحن نتحدث عن صناعة، وصناعة السينما غير متوفرة إلا في مصر، ومع ذلك فإن صناعة السينما في مصر تعتبر ضعيفة قياساً إلى دول أخرى .

الأفلام المنتجة في الوطن العربي، في معظمها، تنتمي إلى دولها، فالفيلم التونسي محض تونسي والسوري محض سوري، بل قد يقتصر الانتماء على أشخاص مخرجيها، خاصة عندما لا يكون إنتاج الأفلام وطنياً محلياً بل متعدد الأطراف الداخلية والخارجية، لكن مع ذلك، هذه دول عربية وهؤلاء مخرجون عرب، وبالتالي يمكن الحديث عن الهوية العربية عبر تشابه القضايا العربية في الأقطار العربية المختلفة، لكن تعبير الهوية ملتبس، فعندما نتحدث عن هوية سينمائية فيجب أن نعرف ونميز القضايا والمواضيع والوسائل المستخدمة في هذه الأفلام . وأستشهد على ذلك بالسينما الإيرانية فهي تعتبر ذات هوية بسبب وجود مواصفات مشتركة، فهي تتحدث فقط عن مواضيع لها صلة بإيران، بل ثمة خصائص مشتركة، منها الفقر من حيث التمويل، وعدم الاعتماد على الإنتاج الضخم، والبراعة في رواية الحكاية، والاعتماد على فكرة بسيطة مع براعة القص من خلال مفهوم فلسفي أو فكري يجعل من هذه الحكاية غنية بدلالاتها، كما أن غالبية الأفلام لا تعتمد على النجوم بل على أناس عاديين . كل هذه العوامل تسهم في صياغة هوية للسينما الإيرانية، وهذا غير موجود في الوطن العربي .

إن جزءاً من أزمة صناعة الأفلام العربية يكمن في نظرة المجتمع المتخلفة للسينما، وهذا يتسبب في عدم مساهمة المجتمع عبر مؤسساته المختلفة في دعم إنتاج الأفلام، مما يؤدي إلى غياب صناعة سينما، وهي نظرة متخلفة حتى في حال إنتاج الأفلام مما ينعكس على المضامين والمواضيع التي تعالجها هذه الأفلام، فالسينمائي العربي يصنع الفيلم وفي ذهنه الرقابة الاجتماعية، هذا عدا عن رقابة السلطة، واشتراطات سوق التوزيع المحلي، لهذا فهو يمارس رقابة ذاتية مسبقة، أي أنه لا يمتلك حرية التعبير السينمائي فناً وفكراً .

الأفلام العربية، والسينما المصرية على وجه الخصوص، لا تبني على ما يحققه بعضها من منجزات ولا يوجد فيها تراكم للتجربة . تراكم التجربة يأتي عادة نتيجة تراكم العمل الجماعي، ففي الستينات والسبعينات من القرن العشرين تشكلت في مصر والوطن العربي حركات سينمائية تدعو إلى الإبداع والتجديد منها حركة “السينما الجديدة” في مصر، التي أصدرت بياناً في العام 1969 حول السينما المصرية المرجوة والبديلة عن السينما التجارية الدارجة . وقد ضمت هذه الحركة نخبة من العاملين في مختلف فروع السينما، وأفرزت مجموعة من الأفلام ذات التوجه الواقعي من حيث الإخراج والمضامين .

هذا العمل الجماعي المبدع لم يعد موجوداً في الوطن العربي وفي مصر تحديدا الآن، إذ إن العمل الجماعي العربي في السينما انتهى وحل محله جهد فردي، ومحاولات فردية للبحث عن حلول خاصة لإنتاج الأفلام، الأمر الذي فتح المجال للتمويل الأجنبي لأن يحل مكان الإنتاج الوطني . وهي ظاهرة سلبية في بعض جوانبها، على الأقل، باعتبار أن التمويل الأجنبي يفقد السينما العربية هويتها . نشأت هذه الظاهرة في العقدين الأخيرين، وبعد اضمحلال الآمال التي تركزت في السابق على دور القطاع العام، والقطاع الخاص الوطني، في التأسيس لنهضة سينمائية محلية، وبالتالي عربية، واستفاد منها جيل جديد من السينمائيين الشباب الذين جاءوا إلى السينما من الدراسة الأكاديمية ولجأ غالبيتهم إلى التمويل الأجنبي . ولكن، وعلى الرغم من كل الملاحظات السلبية التي تقال حول تأثير التمويل الأجنبي في هوية ومضامين الأفلام، إلا أنه يجب الإقرار بأن هذا التمويل هو ما فتح مجال الفرص لهؤلاء المخرجين للتعبير بأسلوبهم الخاص وتقديم رؤاهم الإبداعية وطرح أفكارهم وتأملاتهم في قضايا مجتمعاتهم بعيداً عن رهبة التعرض لمقص الرقابة أو الخضوع لمتطلبات “شباك التذاكر” . وهكذا، فإنه رغم الملاحظات السلبية على التمويل الأجنبي، إلا أن ثمة جانباً إيجابياً في ما يخص إتاحة فرص إنتاج الأفلام أمام المخرجين السينمائيين الأفراد، وتحديداً الذين يصنعون فيلمهم الأول وليس لهم قبل ذلك تاريخ يدعمهم في مسعاهم ويعزز ثقة المنتجين بهم .

الخليج الإماراتية في

13/02/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)