لو أراد سينمائي ما أن يشارك في جميع المهرجانات السينمائية التي تقام في أرجاء المعمورة لظل يسافر طوال العام بلا انقطاع، لا يعود إلى بيته، ربما، إلا عشية ميلاد العام الجديد.

والآن بدأت تعم العالم العربي، في المشرق والمغرب ودول الخليج، مهرجانات سينمائية تتوالد وتتكاثر. عاماً بعد عام تنضم أقطار وعواصم ومدن جديدة إلى قائمة منظمي المهرجانات السينمائية، إذ يحدث أن يزيد قطر عربي ما من عدد المهرجانات السينمائية التي يرعاها وأنواعها، بحيث لو استمر التكاثر على هذا المنوال لما عاد إلى بيته السينمائيُّ العربيُّ الذي قد يرغب في حضورها جميعاً، وبشكل أخص لتوقف عن صنع الأفلام ولتحول إلى مجرد واحد من المتفرجين الذين يرتادون مهرجاناتها.

في ما سبق من السنوات كان الاعتقاد العام يشير إلى أن المهرجانات السينمائية تخص النخبة وحدها، وغالباً ما كان يقال على سبيل السخرية من السينمائيين العرب الشبان الذين يصنعون أفلاماً مغايرة للأفلام التجارية الترفيهية، إنهم يصنعون أفلامهم من أجل المهرجانات وحدها. وكان السينمائيون العرب الذين يعودون من المهرجانات متوَّجين بجائزة ما ويتجرأون، متسلحين برصيدهم من الجائزة، على عرض أفلامهم في صالات العرض التجارية، يُفاجأون بصدود الجمهور عنها.

مهرجانات السينما في العالم العربي متنوعة. بعضها أقيم في دول فيها صناعة سينمائية أو فيها إنتاج للأفلام مثل لبنان وسورية ومصر والمغرب وتونس، وبعضها أقيم في دول لا تنتج أفلاماً على الإطلاق مثل قطر، أو أنها تملك في رصيدها فيلماً يتيماً أو ثلاثة أفلام في أحسن تقدير. كانت مهرجانات السينما في العالم العربي تهتم بشكل رئيسي بالأفلام الروائية الطويلة، أما الأفلام الروائية القصيرة أو الأفلام التسجيلية فكانت مشاركتها في المهرجانات هامشية. غير أن الوضع تغير في السنوات الأخيرة، فقد استُحدثت مهرجانات تغطي كل الأنواع السينمائية.

الآن، ثمة مهرجانات لأفلام الأطفال، ومهرجانات للأفلام الروائية القصيرة، ومهرجانات للأفلام التسجيلية، مهرجانات تتعامل مع سينما عالمية، ومهرجانات تتعامل مع سينما عربية أو محلية. بعض المهرجانات مدعوم رسمياً، وبعضها يقوم على مبادرات تقوم بها هيئات مستقلة أو أفراد متحمسون. بعض المهرجانات يقام في العواصم أو المدن الرئيسية، وبعضها يقام في مدن صغيرة بعيدة عن العواصم. بعض المهرجانات يتسم بإمكانية الاستمرار، وبعضها يتوقف بعد التجربة الأولى. بعض المهرجانات يطمح للعالمية وللحصول على شرف القبول في سلك المهرجانات الدولية، وبعضها يكتفي بحدوده المحلية.

وفيما كانت المهرجانات العربية في الماضي تقتصر على أفلام السينمائيين المحترفين، برزت في الآونة الأخيرة مهرجانات جديدة تحتفل بأفلام السينمائيين الهواة، ممن يصنعون أفلامهم، القصيرة في العادة، بتقنيات الفيديو.

هكذا أصبحت المهرجانات السينمائية في العالم العربي ظاهرة تستحق الانتباه إليها والتأمل في أنواعها ومستوياتها وطبيعة توجهاتها، من جهة، وفي علاقتها المتبادلة مع جمهورها المتنوع المستويات الثقافية والاهتمامات، ومدى تأثيرها في هذا الجمهور.

انطلقت المهرجانات السينمائية العربية الأولى من أهداف ذات طبيعة ثقافية فنية وحتى أيديولوجية في بعض الحالات. غير أن هذه المهرجانات ورغم وضوح أهدافها المعلنة والتي غالبا ما كان يلخصها شعار عام ذو خلفية أيديولوجية أو سياسية، عانت من نوع من الازدواجية أحياناً، أو الفصام في أحيان أخرى، فيما يخص مبادئ تنظيم المهرجانات من ناحية، وطرق الدعاية للفعاليات وجذب الجماهير إليها، من ناحية ثانية.

من أول المهرجانات السينمائية العربية وأكثرها نجاحاً واستمرارية، مهرجان قرطاج السينمائي الأيام السينمائية في قرطاج ، الذي تخصص بشكل أساسي بالسينما العربية والإفريقية، وهو المهرجان الذي حافظ على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن على تقاليده الأساسية مع تطويرها دورة إثر أخرى.

وغالبية الأفلام العربية والأفريقية التي كان يعرضها، أو بالأحرى، كل الأفلام التي كان يعرضها على مدى السنوات، وباستثناء الأفلام المصرية، لم تكن تتمتع بشهرة ما ولم تكن تنطبق عليها مواصفات الجذب الجماهيري، ومع ذلك كانت صالات العرض تغص بالجمهور الذي يجيء للتعرف على سينما مغايرة مبتدئة وفقيرة تنتمي لدول صغيرة من العالم الثالث، لا تجد طريقها إلى صالات العرض السينمائية العامة في غير أوقات المهرجان، وإن وجدت طريقها، فلن تجد العدد نفسه من الجمهور والاهتمام نفسه الذي توفره لها أجواء المهرجان الاحتفالية.

وفي الواقع، لم تكن صالات العرض وحدها تغص بجمهور المشاهدين للأفلام، بل كان من ثمة، على الدوام، جمهور مواز يحتشد أمام صالات العرض أو أمام وفي أروقة الفنادق التي يقيم فيها الضيوف، وذلك للتفرج على النجوم. والنجوم، بالطبع، هم نجوم السينما المصرية بالذات، فليس يجذب الجمهور التونسي المحلي، مثلاً، ممثل في فيلم عراقي أو ممثلة في فيلم من التشاد.

وفي وجود أولئك النجوم الذين تتم دعوتهم لحضور المهرجان، سواء أكانوا مشاركين في أفلام تُعرض فيه أم لم يكونوا، يمكن أن يلمس المرء نوعاً من الازدواجية في مخاطبة الجمهور وكسب وده. ففي حين أن مخرجي الأفلام يفيدون في إضفاء طابع ثقافي فني على فعاليات المهرجان، خصوصاً من خلال مشاركتهم في الندوات المتخصصة التي تقام إلى جانب عروض الأفلام أو جلسات التقييم التي يواجهون فيها النقاد وجمهور أفلامهم بعد عرضها في مناقشات صريحة، تخلو من المجاملات في معظم الأحيان، فإنه يستعان بالنجوم لمنح المهرجان مظهراً احتفالياً شعبياً.

من هذه الناحية لا يمكن النظر إلى هذه الازدواجية من منظور سلبي، ما دام أنها تظل في إطار الجو الاحتفالي ولا تؤثر في جوهر المهرجان ومبادئه.

غير أن هذه الازدواجية تتحول إلى حالة فصام عندما تسعى نحو الجماهيرية بأي ثمن، فلا تقتصر الازدواجية على المظاهر الاحتفالية، بل تشمل سياسة أو مبادئ اختيار الأفلام المشاركة، فتقدم خلطة غير متجانسة من الأنواع الفيلمية في برنامجها الرئيسي يتنافس من خلالها على كسب الجمهور والحصول على الجوائز سواء بسواء، على سبيل المثال، فيلم مغربي بسيط الإنتاج يعالج بواقعية قضايا الفقر في الريف أبطاله من عامة الناس ولا يوجد فيه ممثلون محترفون حتى، مع فيلم أميركي بوليسي فيه نجمة مشهورة وتقنيات متطورة، أو يتنافس مع فيلم فرنسي متوسط القيمة الفنية، لكنه يحوي مشاهد مثيرة جنسياً.

هذا النوع من الازدواجية الفصامية هو ما يمكن ملاحظته في ممارسة مهرجان سينمائي عريق مثل مهرجان القاهرة السينمائي الذي اكتسب منذ بضع سنوات العضوية الدولية.

الرأي الأردنية في

05/02/2010