حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

دراما مرئية

تجديد الخطاب الدرامي لمواجهة التخلف وانتظار (بشرة سارة )أفضل

بقلم:د. حسن عطيه

أخيرا اضطر رئيس الدولة للانفجار غاضبا في وجه كل رجالات الدين في المجتمع، الذين سوفوا طوال الاربعين سنة الأخيرة، وادعوا انهم يجددون خطابهم الديني، بينما هم يعودون به لأزمنة التخلف، ويشعلون به النار في جسد الوطن، ويتسللون عبر وسائل الاعلام والمؤسسات التعليمية والمنابر الدينية التي انتقلت من داخل المساجد والكنائس الي الفضائيات ذائعة الصيت، والواصلة لأصغر بيوتنا، والتي يضطر المسئولون معها الي انكار صلتهم بها، رغم انها تبث عبر القمر الصناعي الرسمي الذي تملكه الحكومة المصرية، ولا يهمها للأسف لمن تؤجره، انما المهم عندها كعادتها من يدفع لها المال، الذي يدمر به عقل المجتمع.

والحقيقة ان التخلف والتعصب والتطرف لم يصب الخطاب الديني فقط، بل اصاب كل خطاباتنا الفكرية والفنية، مما تجلي مؤخرا، ليس في الجدل حول فيلم (بالألوان الطبيعية) بل اساسا في تكفير الفن داخل كليات ومعاهد الفنون التي خرجت فنانينا العظام، وتعجز اليوم عن الدفع بموهبة دارسة واحدة لحياتنا الثقافية والفنية، حتي ان استاذا مخضرما رفض عرض مسرحية تكرر تقديمها كثيرا في المسرح المصري وهي (كرنفال الأشباح) بادعاء كفرها، وتقديم طالب لمشهد تمثيلي من مسرحية (أهل الكهف) لتوفيق الحكيم، مسبوقا بايات من سورة (الكهف)، دونما سبب واضح لربط الدين المقدس بالفن المعتمد علي وجهات النظر البشرية والمختلف عليها، وفي الوقت الذي اشارت فيه الاخبار الي ان جريدة قومية تدعم وجود قناة تليفزيونية ترفض قرارات الازهر وتتهم الدولة بمحاربة الدين.

والحقيقة مرة اخري لايقف التخلف عند حد طرح الأفكار المتخلفة علي صفحات الجرائد وفي الخطب والفتاوي، التي يمكن ان ينتبه اليها المتلقي الواعي، وبحسب نظرية التعرض الاعلامية، نحن نقرأ الجريدة، ونتوقف عند القناة، ونذهب نحو المنبر الذي يتوافق مع افكارنا، ولا نعرض عقولنا لما يتعارض مع ما تؤمن به، بينما الموقف من الدراما مختلف، فغالبيتنا يبدأ في مشاهدتها دون موقف سابق من صناعها، وافكارها تتسلل الي افئدتنا فعقولنا دون ان ننتبه لخطورتها، بل نسلم بان هذا هو الواقع،  وما يبث علي الشاشة هو الحقيقة بعينها.

ولنأخذ مثالا من مسلسل (بشري سارة) المستعاد بعد عرضه الأول في زحمة شهر رمضان، وانتهت من تقديمه هذا الاسبوع قناة النيل للدراما، وقامت ببطولته الرقيقة »ميرفت أمين«، والتي تمتلك باعماقها امكانيات فنية غير موظفة علي شاشاتنا في السنوات الأخيرة بصورة صحيحة، فجذبها المسلسل من علياء الرومانسية المتحلية بسمائها الي سفح المليودراما البكاء، بعد ان كدس علي رأسها كل كوارث الدنيا، منذ ان وطأت قدميها أرض الوطن، عائدة مع زوجها ووليديهما من رحلة عمل ببيروت، دامت لنحو عشرين عاما، مصدومة بأحوال المجتمع التي تغيرت الي الأسوأ.

ست كوم

وبأسلوب دراما (الست كوم) القائمة علي المواقف المتتابعة التي تمر بها شخصيات المسلسل، والتي لاتنتهي الا بقرار من الكاتب، وليس لانتهاء الحدث الدرامي، تجد السيدة »بشري« نفسها في مجموعة من المواقف التي تدفعها للانهيار والبكاء، بداية من حملها (علبة شوكولاته) في رحلة عودتها الي الوطن، كوسيط حسن النية بين زميل لها سوري من اصل ارمني واولاده في مصر، فتكتشف انها تورطت في عصابة لتهريب الماس، خبأت حبات منه بعلبة الشوكولاته، ويهددها رجال العصابة الأشرار، حتي يتم القبض عليهم، وينتهي هذا الموقف نهائيا في الحلقات الأولي، ليسلمنا الي موقف ثان عن سرقة مشغولات ذهبية من بيت حماتها واتهام الشغالة بسرقتها، ثم ينتهي الأمر بمعرفة ان اخت الزوج هي التي حملت المشغولات الي شقتها ونسيت ان تخبر »بشري« وزوجها بالأمر، وموقف سرقة الذهب هذا سيتكرر مع اخريات، ثم تدخل في موقف اخر مع رجل الأعمال غليظ الحس فاقد الثقافة الذي يعمل بجميع الطرق غير الشرعية علي الايقاع بـ»بشري« لمجرد وقوفها ضد ابنه الباطش بزملائه، ثم موقف شكها في زوجها المشغول بعمله والملتزم طوال حياتها معه بالفضيلة، لمجرد عثورها ببذلته علي صورة فتاة، ظنت انه »يلعب بذيله« معها، وراحت تتعذب دون ان تفكر في سؤاله، ثم نكتشف بسهولة ان الصورة الصغيرة لعروس قريب حارس العمارة، وهكذا تتوالي المواقف والمصائب علي رأس السيدة »بشري« وكان الشيطان قد قرر ان يترك كل مؤسسات المجتمع وشوارعه، ليتفرغ لهذه السيدة العائدة من بيروت الهادئة الحنون، ليجعلها تكفر بالمجتمع المصري الذي وسوس له الشيطان الرجيم ليتآمر علي العائدة بقلب طيب.

سفاسف الأمور

ومفهوم التخلف لا يكمن فقط في هذا الفهم الخاطيء للدراما، وهذا التصور الميلودرامي للحياة، والذي يجعل مشاهد المسلسل يقتنع بان فساد المجتمع امر طبيعي وغير قابل للتغيير، وان المكتوب علي الجبين لابد وان تراه العين، وان مآسي هذه السيدة الرقيقة لا تكمن في شخصيتها التي تجعلها تتعامل بسذاجة مع المدرسة التي تعمل بها، لدرجة تورطها في جرائم متوالية من مخدرات ورجل مضروب بحقيبة سيارتها، وفي نمط تربيتها لولديها وانشغالها مع ابيهما المهندس »كمال« (المتميز سامح الصريطي) عنهما، وفي تورطها بمصاحبة مجموعة من النسوة فارغات العقل والوقت، ومنشغلات بسفاسف الأمور، هي -أي »بشري«- وكيلة مدرسة خاصة، ومسئولة عن ولدين في المرحلة الجامعية، وزوج غارق في العمل لايأتي لبيته قبل الثامنة مساء، ولها رأي معلن، أو لنقل تحمل رأي المسلسل، في مجموعة النسوة الفارغات، ترفضهن وتقول لنفسها عندما تطلب اول مرة »قعدة ستات ايه؟ وانا فاضية!«، ومع ذلك تذهب وتواصل حضور جلساتهن المتدنية.

وهنا يكمن مفهوم التخلف بصورة واضحة، حيث تقدم الكاتبة »وفاء الطوخي« في أول كتاباتها، مجموعة من النسوة يتجمعن معا في بيت واحدة منهن لممارسة حريتهن الشخصية بعيدا عن ازواجهن واولادهن، حيث يخونهن غالبية الأزواج بالزواج من فتيات صغيرات، وينشغل اولادهن بهمومهن الخاصة، واحدة تحب سائق سيارتها، واختها تعشق والد زميلتها، وفتي يهيم بزميلته، فلما تتمسك بحقها في الزواج الشرعي، ينشغل عن دروسه ويدمن السجائر، وشقيقه يسقط بسرعة في هوة الغش بالبرشام في الامتحانات، في الوقت الذي تتخبط مجموعة النسوة بين الهروب من مشاكل الأزواج والسعي للايقاع بهم.

تعارض

وعلي حين تري الكاتبة ان تفرغ النساء للثرثرة، ليس الا نتيجة لانشغال الرجال وخيانتهم لهن، يوجه المخرج »عمر الشيخ« أول أعماله الاخراجية وجهة مخالفة، فيتهم النسوة بأنهن اللاتي تركن الرجال وبيوتهن للرقص والنميمة القاتلة في صومعة الأمازونات اللائي صنعنها بأنفسهن، حيث وجه المخرج كاتب الأغاني »أيمن بهجت قمر« لصياغة تترات المسلسل، التي غنتها »دنيا سمير غانم« ولحنها »محمود طلعت«، معلنا في تترات المقدمة ادانته للمجتمع باكمله، الذي صار عالما من صور مغشوشة، انتهي منه اهل الطيبة، ولم يعد هناك فارق بين الذهب و(الفالصو)، مكملا في تترات الختام بادانة نسوة هذا المجتمع قائلا: »ياباي علي رغي الحريم واللت في القعدة«، مؤكدا بذلك ان هؤلاء النسوة، ومنهن المحاسبة وسيدة الأعمال، ليسوا سوي (حريم) لايعملن شيئا في صومعتهن التي اخترنها غير (الرغي واللت)، والأزواج والأولاد بالتالي هم ضحاياهن.

ويشتبك المشاهدين بين مؤيد بان الرجل هو الذي اجبر المرأة علي العودة لدنيا الحريم، والمرأة التي وافقت بعقلها المستلب علي ان تكون مجرد »حرمة« في مجتمع كان يسير في اتجاه تحرير عقلها من رواسب الماضي المتخلف، في الوقت الذي يبث فيه التليفزيون دراما تكرس التخلف، وتدعونا الي القول بضرورة تنقية اعمالنا الدرامية من رسائل التخلف، واهمية اعادة النظر في تجديد الخطاب الدرامي مع تجديد خطاباتنا الدينية والاعلامية والتعليمية.

أخبار النجوم المصرية في

04/02/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)