حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«سارة»: دراما لبنانية بين الواقع وصورته المكسورة

عبده وازن

قد يكون مسلسل «سارة» من أجمل ما شاهد الجمهور اللبناني (والعربي فضائياً) من مسلسلات لبنانية في الآونة الأخيرة (قناة «أم تي في»). فالجهود الكثيرة التي تضافرت فيه، إخراجاً ونصّاً وتمثيلاً وتصويراً استطاعت أن تجعل منه عملاً درامياً راقياً ومميزاً على رغم الهنات الصغيرة التي اعترته، وهي لا يخلو منها عادةً أي عمل درامي أو فنّي عموماً. وان كان السينمائي سمير حبشي، الذي تولّى الإخراج، معروفاً بمهارته وحذاقة عينه السينمائية وتركيزه على ادارة الممثلين واعادة تكوين الشخصيات المكتوبة وتطويرها درامياً، فإن المفاجئ هو النصّ أو القصة والسيناريو والحوارات التي كتبتها الممثلة كلوديا مارشليان، ولعلها المرّة الأولى تبلغ هذا المستوى من الكتابة الدرامية الجميلة، المسبوكة والمصوغة بعمق وواقعية، ونجحت في اختيار شخصياتها الدرامية وحبك علاقاتها، مازجة بين المواقف المأسوية والتشويق الخفيف والتحليل النفسي والواقعية.

انطلق المسلسل من فكرة «التريو» (أو الثلاثي) الشهير والمؤلف من الزوج والزوجة والعاشق كخلفية درامية، لكن الكاتبة والمخرج لم يحصرا العمل ضمن هذا المثلّث، الذي طالما اعتمدته أفلام ومسرحيات كثيرة، بل جعلا منه قاعدة وبنيا عليها عالماً من الأشخاص والعلاقات والمشاعر والأفعال. وقد قلبا مبدأ هذا «التريو» فجعلا في المستوى الأول الرجل خائناً (الزوج عصام) وليس المرأة (الزوجة سارة) كما درجت العادة. وهي هنا لا تقدم على خيانة زوجها إلا بعد وقوعها في حبّ «طارق». وخلال خيانة زوجها لها أدركت أن الحبّ بينهما انتهى للفور ولم يبق منه سوى الولدين اللذين أنجباهما.

في المستوى الثاني يحضر هذا «التريو» عبر الخيانة أيضاً، لكنها الخيانة القدرية التي يقع الزوج (حسان) ضحيتها وكذلك عشيقته (لينا) وزوجته. إلا أن هذه العلاقة القدرية لن تلبث أن تنقلب علاقة مأسوية. فالزوج يصاب بمرض السرطان ويقرر في ما تبقى له من أشهر أن يعود الى حبّه «الخائن» ليستعيد بضعة أنفاس خلال احتضاره الطويل.

والجميل جداً في هذه العلاقة، بل الطريف جداً هو لقاء المصالحة بين العشيقة والزوجة حول سرير الزوج - العشيق الذي ما لبث أن فارق الحياة مغمضاً عينيه على وجه حبيبته. إنه الحبّ إذاً، الحبّ القدري والعاصف الذي يحرّر الخيانة من طابعها السلبي أو «الشرير» في المعنى الاتيكي أو «الأخلاقي». فالخائن والخائنة أو العشيق والعشيقة لا يبدوان هنا مذنبين ولا مخطئين ولا خاطئين (إذا شئنا). بل هما ضحيتان، ضحيّتا شعورهما العميق والنبيل والجارف، ضحيتا هذا القدر الذي لفحمها على الطريقة الإغريقية، بنار الحبّ.

جعل سمير حبشي من هذه الشخصيات وطبائعها (كاراكتير) وأفعالها منطلقاً لبناء عمل دراميّ بديع، مشرع على المعطيات البصرية وعلى الحركة والأداء، ونجح في تجسيد هذه الشخصيات وكأنها فعلاً من لحم ودم، ومن مشاعر وهواجس ومخاوف، وجعل من الكاميرا عنصراً درامياً، فهي لا تكتفي بنقل المشاهد أو اللقطات بل تصنعها أيضاً وتمنحها أبعاداً جمالية ومعاني ودلالات. فإذا المسلسل يتمتع بجوّ عام يخيّم على العمل ككلّ. ونادراً ما تنجح المسلسلات في خلق جو أو مناخ يكون هو روح المسلسل وأفقه.

وبدت فكرة جعل العشيقة لينا (ندى أبو فرحات) كاتبة درامية، فكرة بديعة، وقد استطاعت الكاتبة أن تعبّر من خلالها عن معاناة الكتابة الدرامية والمشكلات التي تواجه هذه الكتابة في علاقتها بالواقع وعلاقتها بالشاشة أو الواقع المتخيّل.

وكان في امكان كلوديا مارشليان أن تستفيد من هذه الفكرة أكثر وأن تمضي من خلال هذه الكاتبة في لعبة التلفزيون داخل التلفزيون، لكنها شاءت أن تدعها شخصية مثل الشخصيات الأخرى، وهذا يكفي طبعاً لأن شخصيتها غنية جداً في أحوالها وأفكارها وفي الصراع المزدوج الذي عاشته، كعشيقة سرّية أولاً ثم كعشيقة تفقد حبيبها.

وأعتقد أن شخصية لينا أقوى كثيراً من شخصية سارة (سيرين عبدالنور) وكان من الممكن أن تكون هي البطلة الأولى، فهي أشدّ الغازاً وعمقاً واضطراباً لا سيما بعدما واجهت زوجة عشيقها التي كانت معجبة بها ككاتبة درامية ثمّ خابت بعدما اكتشفت أنها عشيقة زوجها ولم تتوان في الختام عن مصالحتها ولو شكلياً من أجل زوجها المحتضر. ولا تُنسى أيضاً مواجهة لينا للحظات الموت، وهي لحظات أليمة جداً. وما أجمل تلك الجملة التي قالتها للعشيق: «لا تمت حسان»، فيما حسان يقول لها: «ابتسمي».

وقد أصاب المخرج كثيراً في اختيار ندى أبو فرحات لأداء هذا الدور، فكانت رهيبة وساحرة، وقد برعت في عيش هذه الشخصية بكافة تحوّلاتها، وطوّرتها وأمسكت بوتيرتها الداخلية، فكانت الكاتبة الجريئة التي تعاني في الكتابة وفي ايجاد «القفلة» التي تريدها مفاجئة، مثلما كانت العشيقة الصامتة التي تنفجر حباً وحناناً وتعود الى حبها القديم الذي هجرته على رغم أن هذا الحبّ بات على وشك السقوط في هاوية الموت. وكانت أيضاً الصديقة القوية التي تقف الى جانب صديقتها سارة وتشدّ من عزمها وتشجعها على فضح نفاق زوجها عصام (يوسف الحداد) الذي هو نفاق الرجل الشرقي، المستبدّ، الخائن والذي يريد أن يسجن زوجته فيما هو يتمتع بحرية تامة ويعشق، بل يقيم علاقة مع سكرتيرته، الفتاة الشقراء (باميلا الكيك) التي يعدها بالزواج بعد طلاقه. لكنه ما إن يعلم بخيانة زوجته له مع شاب أحبها يدعى طارق (يوسف الخال) ينتفض شرفه ويشعر بالإهانة ويقرّر تحدّيها وقهرها.

نجح معظم الممثلين، لا سيما الرئيسيين منهم، في أداء أدوارهم المعقدة وشخصياتهم الصعبة، القائمة في معظمها على الصراع الداخليّ: ندى أبو فرحات، سيرين عبدالنور، يوسف الحداد، يوسف الخال وسواهم. لكن سيرين عبدالنور بالغت في اعتبار نفسها «نجمة» فبدت كأنها تمثل وهي تضع نجوميتها نصب عينيها، وتجلّت هذه النجومية أيضاً في ملابسها الجميلة والفخمة والمكلفة وفي إطلالتها كامرأة جميلة تريد أن تحافظ على بريقها حتى في اللحظات الأليمة. وليت هذه الممثلة القديرة تتخلّى عن نجوميتها عندما تكون أمام الكاميرا كي تتمكن من التحرّك بحرية ومن الأداء بعفوية وصدق. فالتمثيل يختلف عن الغناء، ولا أحد يدري مَن أقنع سيرين بأنها تملك صوتاً جميلاً ومتيناً.

انتهى مسلسل «سارة» بحلقاته الخمس عشرة، لكن الجمهور فوجئ بالإعلان عن جزء ثانٍ منه بعنوان «سارة - 2»، وقد أنهى المخرج الحلقة الأخيرة بلقطة مفتوحة وسؤال سيجيب عنه الجزء الثاني من هذا المسلسل الجميل. والأمل، كل الأمل، أن يكون الجزء الثاني في عمق الأول وفرادته وجماله.

الحياة اللندنية في

29/01/2010

 

«سرقات صيفية»

إبراهيم حاج عبدي 

في فيلم «سرقات صيفية» للمخرج يسري نصرالله الذي يتناول طبيعة العلاقة بين طبقة الإقطاع وقرارات ثورة يوليو، ثمة خدعة ماكرة في الفيلم تمثلت في لجوء الجد الكبير إلى جلب مجموعة من الفلاحين إلى أرض قاحلة جرداء وإقناعها بأن هذه الأرض تحوي كنزاً خرافياً، فتنطلي الخدعة على الفلاحين البسطاء، ويغتني الجد الذي سيصبح إقطاعياً متنفذاً. لا يمكن بالطبع اختزال فيلم يسري نصرالله بهذه الجزئية، لكنّ ما جرى في أروقة التلفزيون السوري، أخيراً، يحيلنا الى هذا التفصيل في الفيلم. وملخص الحادث التلفزيوني هو أن موظفاً في التلفزيون السوري، في غفلة من الشركات ومسؤولي التلفزيون والنجوم، عقد صفقة «معتبرة» مع مندوب إحدى الفضائيات العربية إذ باعه حقوق عرض عدد من المسلسلات والأعمال السورية مثل «باب الحارة» و «بيت جدي» وأحد برامج الكاميرا الخفية وسواها وقبض الثمن عداً ونقداً، هكذا وبكل بساطة الى ان فوجئت الشركات المنتجة بمسلسلاتها على إحدى الفضائيات...

لن نخوض كثيراً في تفاصيل هذه «السابقة الدرامية»، فقد قيل ان الأمر أحيل الى القضاء الذي سيسوي المشكلة بطريقة أو بأخرى. لكن هذا التصرف، الفريد من نوعه، يدق ناقوس الخطر، فأرشيف التلفزيون هو أمانة في عنق من يتسلم مسؤوليته، وعليه أن يكون حريصاً على محتوياته، أما وقد خان الأمانة، فهذا ينبه مسؤولي التلفزيونات الى الحرص في اختيار الشخص المناسب لهذه المهمة.

ربما لا يعلم ذلك الموظف أن المسلسلات التي باعها كلفت أموالاً طائلة، وشارك في صنعها المئات من الفنانين والفنيين والتقنيين والإداريين... ولا بد من استعادة هذه التكاليف بطرق مشروعة، فلو كان الأمر على النحو الذي تخيله الموظف، إذ اعتبر «المادة الدرامية» سلعة سائبة، لأقفلت شركات الإنتاج التلفزيونية، ولتحولت المسألة الى فوضى ستنعكس سلباً على وتيرة الإنتاج الدرامي الخاضع، كما نعلم، لمجموعة من الضوابط والقوانين في مجال التسويق وحقوق العرض. لكن الموظف ضرب عرض الحائط كل هذه القوانين وحصل على مقابل مادي مجزٍ، قياساً الى راتبه، وهو يرشف قهوته بهدوء في مقهًى دمشقي.

مندوب الفضائية، بدوره، بدا ساذجاً إذ وافق على عقد الصفقة على هذا النحو، وربما أغرته الأسعار الرخيصة للأعمال المطلوبة، فقد ذكرت تقارير أنها تراوحت بين 16 و20 ألف دولار أميركي. وفي الحالتين هو، بدوره، ارتكب خطأ كبيراً إذ وقع في الفخ من حيث لا يعلم.

إذاً، نحن إزاء سابقة قد تعيد ترتيب عمل الأرشفة التي تعرضت لعملية قرصنة سهلة تذكرنا بالمأثور الشعبي الذي يحض على الحذر: «المال السايب، بيعلم الناس الحرام».

الحياة اللندنية في

29/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)