حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

السينما الإماراتية: رحلة البحث عن الذات

المحاولات الشبابيّة المعزولة أفرزت حركة فنيّة واعدة

دبي ــ زياد عبد الله

بالأمس، كانت مجرّد تجارب مبعثرة تلفت أنظارنا في هذا المهرجان أو ذاك، فإذا بها تجد مكانها في منظومة متكاملة، تطرح أسئلة فكريّة وأسلوبيّة... هل بات في وسعنا الحديث عن «سينما إماراتيّة»؟

على موقع «جماعة فراديس السينمائية» الذي يحرره كاتب السيناريو الإماراتي محمد حسن أحمد، تطالعك الجملة الآتية: «مطلوب شيخ خليجي يحب ويدعم السينما الخليجية». وفي انتظار غودو، ما زال السينمائيون الشباب في الإمارات متمسكين بإنتاج أفلامهم القصيرة، ومتسائلين «لماذا لا يحب الشيوخ إلا الرياضة؟».

أفلام إماراتيّة قصيرة عدّة ـــــ بعضها يكاد يقارب الروائي الطويل ـــــ فرضت نفسها في السنوات الأخيرة، حاملةً هموماً إبداعيّة. من بين هذه الأعمال، نذكر آخر فيلمي وليد الشحي «حارسة الماء» و«باب»، و«بنت مريم» لسعيد سالمين، و«تنباك» لعبد الله حسن أحمد. أسماء بدأت تفرض نفسها تدريجاً على المشهد السينمائي الخليجي والعربي، بفضل تظاهرات سينمائية عدّة، كان آخرها فقرة «أصوات خليجيّة» ضمن «مهرجان دبي السينمائي» التي قدّمت بانوراما لأعمال شبابيّة، ونواةً لصناعة سينمائيّة إماراتيّة تبحث عن مكانها ولغتها.

هكذا، تابعنا شريط «نصف قلب» لبلال عبد الله، عن فتاة حامل غير متزوجة... و«غيمة أمل» لراوية عبد الله عن الصبر والأمل، من خلال عيون شخصية فريدة من نوعها... وشريط «مرة» لنايلة الخاجة، عن مراهقة ورحلتها في التحول إلى امرأة... تلك عيّنات من حركة سينمائيّة بدأت تتبلور منذ 2001، مع تظاهرة «أفلام من الإمارات» التي أطلقها المخرج مسعود أمر الله آل علي في أبو ظبي. منذ تلك الانطلاقة، اجتمعت هذه الأفلام الإماراتية على الحنين، مع استعادة دائمة لمكونات المكان قبل النفط، وبحث مضن عن الهوية المحاصرة بكل ما حولها.

في فيلم «حنة» لصالح كرامة، نشاهد راعي الإبل يخرج من رمال الصحراء، ويمشي بقطيعه على طريق معبّدة سرعان ما يجدها مسدودة في وجهه، وتدخل الطفلة حنة مركز التسوق للمرة الأولى. الشريط عُدّ إشارة إلى بداية نهوض حقيقي في السينما الإماراتية. وفي «بنت مريم»، شريط سعيد سالمين القصير، يبلل المطر كل شيء على مشارف جبال رأس الخيمة، ويحضر الموروث الشعبي، مصوّراً بنقدية عالية من دون أن يفارقه الحنين. تتحول الطفولة وجماليات الإمارات الشماليّة إلى مسرح لكل ما هو مغيب عن الإمارات الحديثة بوصفها مدناً لا شيء فيها إلا الأبراج ومراكز التسوق.

في خضمّ هذا الحنين، سنجد لدى نواف الجناحي اشتباكاً أوّلياً مع المدينة، في شريطه القصير «مرايا الصمت»، حيث تتكرر لقطة البناء المتواصل للجدران، كما لو أن الأبراج تخنقه. الشريط يقوم على حبكة بوليسية، ويقدّم شخصيات مأزومة بمشاكل تحمل نكهة دبي وإيقاعها.

الاشتباك الأكبر مع دبي كان في «مهرجان دبي السينمائي» الشهر الماضي، من خلال شريط حمل توقيع المخرج علي مصطفى. إنّه «دار الحي» الذي يمكن اعتباره أول شريط إماراتي روائي طويل، وبتمويل إماراتي. الشريط المشغول بحرفية عالية، يقارب دبي بواقعية، لا بوصفها مدينة معقّمة، لا شيء فيها سوى المال والأعمال، ولا بوصفها مدعاة للحنين، بل عبر رصد العيش المختلط، ونقاط التماس بين الجنسيات المختلفة، وأحلام أهل تلك المدينة وخيباتهم. يوثق مصطفى نمط العيش الذي تمليه المدينة الكوسموبوليتية، بثلاث لغات تتردد يومياً في دبي، وهي العربية والإنكليزية والهندية. إنه عمل سينمائي مأخوذ بمدينته، وينسج حكايته وفق إملاءاتها وواقعها.

أفلام لا تقتصر على الحنين إلى زمن ما قبل النفط، بل تعكس هواجس المدينة الكوسموبوليتيّة المعاصرة هناك فيصل، الشاب الإماراتي الضائع الذي يعيش الترف والفراغ، ومعه صديقه صاحب الشخصية الجاهزة للاستفزاز في أي لحظة. وهناك أيضاً سائق تاكسي هندي، يساعده شبهه بنجم سينمائي هندي على العمل في أحد النوادي الليلية. يقلّ السائق ناتالي مضيفة الطيران الأوروبية التي تحمل جنيناً من غاي، المدير الإبداعي في إحدى شركات الإعلانات. في البداية، سيبدو كل شيء مشرقاً، لكنّ النهاية تصبح سوداوية، عبر حادث سير يقع لفيصل وصديقه ولسائق التاكسي الذي يكون في طريقه لإجراء اختبار خاص بالتمثيل، إضافة إلى نتالي التي تكون في طريقها لمغادرة دبي... هذا الانقلاب سيضيء على ما حلّ بنتالي على يد غاي الذي يهددها بإجهاض الجنين، مستعيناً بسلطة متأتية من جنسيته الإنكليزية... «هذه المدينة لي» يصرخ بها، في حين يتشوّه وجه سائق التاكسي فيفقد ملكة شبهه بالنجم البوليوودي.

الكل مأزوم في دبي أيضاً! هذا ما يقوله شريط علي مصطفى. إنها ليست وجهة سياحية أو اقتصادية فقط، بل مكان للعيش، يشهد يومياً آلاف الحكايا والمصائر. وفيلم علي مصطفى رواية موازية تتخطى أسعار البورصة وأسعار العملات، والصفقات التجارية. إنها الحياة في دبي، وما تحمله بين أسود وأبيض، وأحلام وكوابيس، وحب وبغض، وكل أشكال المشاعر الإنسانية المعبّر عنها بكل اللغات...

 

يد واحدة تصفّق

منذ تظاهرة «أفلام من الإمارات» عام 2001، بدا المخرج مسعود أمر الله آل علي (الصورة) مصرّاً على منح مساحة للفنانين الخليجيين الشباب، وخصوصاً الإماراتيين. وكان أن حوّل تلك التظاهرة إلى مهرجان مستقل، بقي حتّى عام 2007 يستقطب المهتمين بالسينما، متيحاً الفرصة أمام أفلامهم لتعرض وتتطور. وأسّس «مهرجان الخليج السينمائي» (تنطلق دورته الثالثة في نيسان/ ابريل المقبل) في دبي، ليحقق بذلك مشروعاً كان قد طرَحه عام 1994، إضافة إلى تأسيس برنامج «أصوات خليجيّة» في «مهرجان دبي السينمائي» وتخصيص جوائز خاصة بالسينمائيين الإماراتيين. كان ثمن الدور الريادي الذي آداه آل علي في تشجيع السينمائيين الشباب، ابتعاده عن إخراج أفلامه الخاصة، هو صاحب فيلم «الرمرام» (1993). يقتصر حضوره اليوم على لائحة الشكر في تترات الأفلام الإماراتية والخليجية، تقديراً لما يقدمه من دعم ومساهمات في أفلام الشباب.

الأخبار اللبنانية في

25/01/2010

 

جورج كلوني في أعماق البؤس الأميركي

زياد عبد الله 

وسط الأزمة المالية التي ضربت الولايات المتحدة، يطير راين بنغهام من ولاية إلى أخرى ليتكفل بطرد الموظفين. «محلِّقاً في الأعالي» لجايسن ريتمان يجسّد روح العصر!

يحدّق جورج كلوني في الماعز فيقتله، إنها من خوارق الروحانيات التي وظّفها الجيش الأميركي في الحروب. بهذه الصورة رأيناه، مؤدياً دور لين كَاسادي، في «الجنود الذين يحدقون في الماعز» (2009). في عام 2007، أدى دور محام خاص اسمه «مايكل كلايتون» الملقب بـ«المنظف»، لأنه ينظف المؤسسات والأثرياء من بقع قد تسيء إلى صورتهم، حتى وإن كانت تلك العملية كافية لقتل البشر وتدمير حياتهم. دور كلوني الجديد، في Up in The Air الذي نزل أخيراً إلى الصالات اللبنانيّة، قد يقع بين غرائبية شخصية كاسادي، ومسالك الشركات الرأسمالية في دور كلايتون. يجسّد كلوني هنا شخصيّة راين بنغهام الذي جعل من الطائرة بيته، إذ يعيش متنقّلاً بين ولاية أميركية وأخرى ليتولّى طرد الموظفين. هذا هو عمله: الاسترزاق من خلال قطع أرزاق الآخرين! إنّه أشبه بحفّار قبور، يعيش من موت الآخرين إن صح التعبير. يذكرنا ذلك بأجواء شريط المخرج أورين موفرمان «الرسول»، حيث تقتصر مهمة الضابطين في الشريط، على تبليغ عائلات الجنود الأميركيين بوفاة أولادهم أو أزواجهم. «محلِّقاً في الأعالي» الذي أخرجه جايسن ريتمان عن رواية لوولتر كيرن، يسلط الضوء على أهم ما يواجهه العالم في هذه الفترة عموماً، وخصوصاً الولايات المتحدة، ألا وهو تسريح العمال والموظفين.

تتحوّل الأرقام المتواصلة والمتزايدة لعمليات التسريح تلك إلى الشأن الناظم للفيلم. تضعنا شخصية راين، وما يمليه عليه عمله، وجهاً لوجه أمام عشرات الأشخاص وردود فعلهم، وهم يتلقون نبأ الاستغناء عن خدماتهم في عمل بذلوا عمرهم في خدمته. راين ابن عمله وعصره تماماً، يروّج لفلسفة «حقيبة الظهر»... عليك أن تضع فيها كل الأشياء التي تربطك بالمكان وتحرقها: لا زوجة ولا أولاد، لا أربعة جدران إلا في غرف الفنادق، وطموحه الأكبر يتمثل في جمع 16 مليون ميل جويّ.

سيناريو مميز وكوميديا ناجحة تلعب على الواقع الاقتصادي المأساوي

إنها حياة كاملة عليه أن يواصلها في الأجواء، وتحديداً في عام 2009، أي «الفترة الذهبية» لأعماله كما يقول له مديره. إنه قدره أن يبقى يطرد الموظفين وجهاً لوجه من دون أن ينجح في استخدام برنامج ناتالي (آنا كندريك) القاضي بالتواصل التفاعلي عبر شاشة الكومبيوتر مع الموظف المطرود، وإبلاغه بقرار شركته عبرها. نتالي تتعامل مع كل شيء علمياً وبدم بارد، إذ تستخدم معارفها وتفوقها وذكاءها، ولا شيء إلا ذلك. لكنها تتلقى في النهاية رسالة نصية من صديقها يخبرها فيها بأنه هجرها، لتقدم استقالتها أيضاً من خلال رسالة نصية بعد اكتشافها أنّ إحدى الموظفات التي أبلغتها بقرار طردها من العمل قد انتحرت.

راين نفسه يوحي بأنه في صدد أن يتغير جراء حبه لألكس (فيرا فارميغا)، لكن سرعان ما يعود عن هذا التغيير. رغم الواقع المأساوي الذي يرصده الفيلم، إلا أنّ الكوميديا لا تفارقه، على هدى سيناريو وحوار مميزين.

الأخبار اللبنانية في

25/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)