حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

خارج علي القانون.. خطوة للأمام وثلاث خطوات إلي الخلف

كتب محمود عبد الشكور

يظل فيلم TheBad Lieutenant الذي كتبه ويليام فلينكشتاين وأخرجه فيرنر هيرزوج عملاً متأرجحاً يضع قدما هنا وأخري هنا يتقدم خطوة للأمام ثم يتراجع ثلاث خطوات إلي الخلف فلا يستطيع أن يكون مقنعاً ولا يتمكن من تحقيق أهدافه هو بالتأكيد ليس دراما بوليسية ناحجة لأن القضية محور الصراع عادية تماما ويتم حلها بطريقة ساذجة وهو أيضا ليس دراما نفسية ناضجة لأن الشخصية المحورية التي تعكف طوال الوقت علي إدمان المخدرات لا تقدم بجوانبها النفسية ولا تنجح في تبرير ضياعها المستمر لسنا أيضا أمام وعي حقيقي بموقف واضح تجاه فكرة القانون وهي أساسية في الأحداث فالتناقض صريح بين أن تطبق القانون وبين أن تخرقه والاختيار لا يحتمل أنصاف الحلول إما أن تخرق القانون طوال الوقت أو أن تكون خارجاً علي القانون وهي التسمية التجارية للفيلم عند عرضه في الصالات المصرية ومع ذلك تحصل علي المزيد من الترقيات فإن ذلك لا يعني سوي شيء واحد هو السخرية وأعتقد أنه أمر بعيد عن هدف صناع الفيلم مما يضيف فشلاً جديداً ومضاعفاً.

مخرج الفيلم فيرنر هيرزوج هو أحد أهم المخرجين الألمان المعاصرين وهو نفسه المخرج الكبير الذي قدم أفلامآً لا تنسي مثل كاسبار هاوزر وأجويرا غضب الرب من بطولة الرائع الراحل كلاوس كينسكي وبطل الفيلم هو الممثل المتميز نيكولاس كيدج الذي قدم دوراً شهيراً لمدمن خمور لا يفيق في فيلم مغادرة لاس فيجاس والحقيقة أن أداء نيكولاس في فيلم خارج علي القانون يستحق المشاهدة والإعجاب لأنه في الأغلبية الساحقة من مشاهده يسير بطريقة صعبة تجعله يميل بإحدي كتفيه إلي درجة واضحة كما أنه يتعثر أحياناً ويبطئ من سرعة الحوار وفي أحيان أخري ينفجر بشكل مفاجئ أو يضحك بطريقة عصبية مقتلعة بعد أن يتعاطي المخدر لا شك أن دوره مميز ومختلف وصعب، هو مركز الثقل في الحكاية كلها وهو الذي يجعلك تصبر علي المشاهدة أنها الخطوة الأساسية للأمام ولكن أعظم مشخصاتي لا يستطيع أن يفعل الكثير في سيناريو عليه ملاحظات أساسية وليست ثانوية ووجود مخرج كبير مثل هيرزوج لا يستطيع أيضا أن يجعل الفيلم عظيما لأن هناك سؤالاً ملحاً لا يجد إجابة طوال الوقت في ذهنك هو هل يمكن بالفعل أن تكون مدمناً لأشد أنواع المخدرات ثم لا يستطيع زملاء ورءوساء عمل دقيق كالشرطة أن يكتشفوك؟ وسؤال آخر أكثر أهمية هو كيف يكون الذهن حاضراً ويقظاً ومشتعلاً في قضية صعبة في حين يبدو الجسد مستهلكا بسبب الإسراف في التعاطي وسؤال ثالث أظن أنه لا يقل أهمية هو ما سر تمسك الضابط المدمن بعمله في الشرطة مع أنه يستطيع الاستقالة والاستغراق في العمل مع العصابات والوسطاء الذين يصادر منهم المخدر لكي يكون تحت تصرفه لاستخدامه الشخصي؟!

بطل الحكاية تيرنس ماكدونا الذي لعبه كيدج نراه في المشاهد الأولي وهو رقيب في شرطة نيواورليانز ويساهم من خلال عمله في إنقاذ أحد المساجين الذين حاصرتهم المياه أثناء إعصار كاترينا الشهير وبسبب ذلك تتم ترقيته في احتفال إلي رتبة ملازم وفي مشهد سريع آخر سيخبره الطبيب أن لديه آلاما في الظهر ستستمر معه والحقيقة أن الفيلم لا يربط بصورة قاطعة بين تعاطيه الأدوية وبين إدمانه علي المخدرات بأنواعها وفي مشهد واحد ومن خلال عبارة ثانوية يسأله رئيسه في العمل عن أي شيء يتعاطاه فيرد لا شيء سوي الأدوية لقد كان الفيلم في حاجة إلي تفسير واضح لأسباب إدمانه وهل له علاقة بإصابته في ظهره التي لم نعرف بالمناسبة مصدرها أم أن له علاقة بظروف نفسية أو اجتماعية ولكن السيناريو يقفز ستة شهور كاملة لنري الملازم تيرنس كمدمن محترف يحصل علي المخدرات من طرق مختلفة حيث يسرقها من مخزن الأحراز في عمله أو يصادرها لحسابه من الشباب المدمن كما أنه مرتبط عاطفيا بعاهرة محترفة هي فرانكي إيفا مينديس تشاركه الإدمان والتعاطي ووالده أيضا - وهو رجل بوليس سابق - مدمن خمور وزوجته مدمنة لنوع محدد من الخمور وهكذا يصبح تيرنس خارجاً علي القانون وضائعاً لأسباب لا نعرف عنها الكثير.. رغم كل ذلك، ورغم وضوح مظاهر جسدية عليه بسبب شم الكوكايين، يتم تكليفه بالتحقيق والبحث عن قاتل أسرة كاملة من خمسة أفراد من المهاجرين السنغاليين، ويتصادف أن رب الأسرة داودا يقوم بتصريف المخدرات بجانب عمله الأساسي كبائع متجول، ومنذ البداية تبدو الحكاية كقضية عادية خاصة بتحديد الاحتمال الراجح بأن يكون القتيل قد دفع ثمن تجاوزه مع ملك هذه التجارة الذي يعرف بلقب بيج فيت، ويسند إلي تيرنس قيادة فريق ضخم من المساعدين رغم أنه يتخيل صورًا وزواحف لا يراها غيره مثل حرباء الايجوانا الضخمة التي تظهر له فوق أحد المكاتب أو في أحد الطرق السريعة، والأهم أنه يقبض علي المشتبه فيهم بطريقة سهلة للغاية، كما ينجح في الوصول إلي أحد الشهود، وهو عامل كان يقوم بتوصيل وجبات للأسرة قبل مصرعها المروع.

تظل شخصية تيرنس علي حالها طوال الوقت، تخرق القانون، وتغيب عن العالم، وتهاجمها الهلاوس البصرية، ويضيف إلي التعاطي أمورًا أخري مثل التورط في بعض المراهنات، والتوسط للتغاضي عن مخالفات مرورية لرجل يهدد تيرنس بدين ضخم، بل إنه يقوم في أحد المشاهد بابتزاز أحد لاعبي كرة القدم الأمريكية بعد أن ضبطه ومعه مخدر لكي يساهم في تغيير نتيجة مباراة حتي يكسب تيرنس المراهنة. باختصار نحن أمام حفنة من الجرائم التي لا تقل خطورة عن الجريمة التي يفترض أنه يقوم بالتحقيق فيها. هذا عن الأحداث الخارجية، أما الجوانب الداخلية النفسية للشخصية فهي غائبة تمامًا بل إن الفيلم أفلت عنصراً يمكن أن يكون شديد الثراء وهو الصراع المحتمل داخل شخص يخدم القانون ويخرقه في نفس الوقت، الصراع داخل ضابط بوليس يحب عمله ويحب المخدرات معًا، الصراع دخل رجل يحتمل أن تتم ترقيته في أي لحظة بعد نجاحه في القضية، ويحتمل أن يضيع مستقبله في أي لحظة عندما يتم القبض عليه، ولكن لا يوجد صراع داخل تيرنس من أي نوع، إنه يتصرف بلا مبالاة طوال الوقت، يتعاطي المخدر بجدية، ويمارس عمله بنفس الجدية، ولأن القضية التي يحققها هزيلة ومعروفة الأطراف، ولأن الشخصية نفسها لا تنمو ولا تتطور، فإن المقدمات غير المحكمة انتهت بالفيلم إلي فبركة واضحة، فالملازم السيئ يخترق عصابة بيج فيت ويعمل معهم للحصول علي أموال يدفعها كفدية لصديقته العاهرة التي تورطت في سرقة بعض الأشرار، ثم نكتشف أنه لم ينس أن يحصل علي دليل إدانة بيج فيت في جريمة القتل، والأغرب أن فرانكي الصديقة المدمنة ستتخلص من إدمانها بعد أن التحقت مع والد تيرنس بأحد مراكز العلاج، ثم تصل الفبركة إلي قمتها بقفزة جديدة بعد مرور عام حيث يتم ترقية الملازم المدمن إلي كابتن في احتفال كبير، ومع ذلك نراه في مشهد أخير وهو يجاهد نفسه أمام كيس كوكايين، ويظهر له الشاب الذي أنقذه في إعصار كاترينا محاولاً أن يساعده علي التخلص من الإدمان من جديد.

اختلطت كل الخيوط، وضاعت شخصية ثرية وسط أحداث لا يمكن ابتلاعها، وتراكمت التفاصيل فبدا الفيلم ثقيلاً وطويلاً في حين كان الأمر بحاجة إلي التكثيف الشديد، وباستثناء شخصية تيرنس التي قدمها نيكولاس كيدچ باجتهاد واضح لا تستطيع أن تتذكر أي شخصية أخري، وكان أسوأ ما في الفيلم تقديم تحولات لا يمكن تبريرها في سلوك الصديقة العاهرة من الإدمان إلي الشفاء، ولم يستطع هيرزوج أن يفعل الكثير لإنقاذ الموقف، كانت المشكلة - في رأيي - في أنه لم يستطع أن يحدد نوع فيلمه الذي تأرجح بين الدراما النفسية والدراما البوليسية دون أن يشبع أي نوع من النوعين وبسبب هذا التشوش ونتيجة فشل السيناريو في استغلال شخصية ثرية مثل تيرنس انتهت الأحداث إلي نتيجة هزلية تمامًا تقول إنك تستطيع أن تكون ضابط بوليس جيداً وأن تكون مُدمنًا رائعًا.. في نفس الوقت!

روز اليوسف اليومية في

20/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)