حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ضوء

نقاد سينمائيون ينتفضون

عدنان مدانات

دعا ثلاثة نقاد سينمائيين عرب مخضرمين، زملاء وأصدقاء، إلى انتفاضة مشروعة ضد السرقات التي يقوم بها صحافيون لمقالات في السينما يكتبها غيرهم، وضد إعادة نشر مقالات لكتاب في صحف ورقية ومواقع الكترونية من دون أخذ موافقتهم، ومن دون تعويضهم عن حقوقهم المادية .

وصلتني الدعوة في وقت مبكر عبر البريد الالكتروني مصحوبة بعريضة احتجاج فبادرت فورا بالتوقيع عليها، وكانت الأسماء الموقعة على البيان أقل من أصابع اليد الواحدة . بعد مرور زمن قصير على ذلك تتالت التواقيع واكتظت العريضة بالأسماء: أسماء نقاد سينمائيين وكتاب وصحافيين، بعضهم قرأت لهم وبعضهم الآخر لم أسمع به، بعضهم ذوو علاقة بمهنة النقد السينمائي وبعضهم دخلاء أو عابرون يكتبون كلاما عابرا، وجميعهم انضموا إلى انتفاضة النقاد .

في سبعينات القرن العشرين جرت عدة محاولات لتأسيس اتحاد للنقاد السينمائيين العرب . كانت المحاولات تجري بمناسبة وجود النقاد في مهرجانات سينمائية وأبرزها “الأيام السينمائية في قرطاج”، غير أن من كانوا يتواجدون في هذه المهرجانات لم يكونوا كلهم نقادا بل كان بينهم عدد وفير من المراسلين الصحفيين الذين كانت ترسلهم صحفهم لتغطية أخبار المهرجانات، وهؤلاء، تحديدا، ما كانوا يتسمون بالتواضع الذي يجعلهم يعترفون بأنهم مجرد مراسلين صحافيين مرسلين، بالدرجة الأولى، لتغطية أخبار المهرجانات، فيكرسون أنفسهم كنقاد سينمائيين .

أورد هنا مثالا أكثر تحديدا: في تلك السنوات ذاتها تمت في بيروت دعوة مماثلة من قبل قلة من نقاد سينمائيين لبنانيين ذوي خبرة وتاريخ في النشاط السينمائي الثقافي لتأسيس اتحاد لنقاد السينما في لبنان . في ذلك الوقت كانت الصحف اللبنانية الرئيسية، اليومية والأسبوعية، تتعامل مع النقد السينمائي باحترام، وتوظف نقادا سينمائيين للكتابة الدائمة في صفحاتها الثقافية . لبى النقاد الدعوة للاجتماع، لكن لم يكن النقاد وحدهم من لبى هذه الدعوة، فقد احتشد معهم عدد من المراسلين الثقافيين وكتاب الأخبار الفنية العاملين في الصحف المحلية، الأمر الذي أثار اعتراض أحد النقاد المحترفين مطالبا الحضور بتحديد المعايير التي على أساسها يمكن اعتماد الكاتب وتصنيفه ناقدا سينمائيا، ولأن تحديد المعايير كان أمرا مستحيلا لاعتبارات ذاتية بالدرجة الأولى وموضوعية بالدرجة الثانية، انفض الاجتماع عن لا شيء .

هل توجد معايير للنقد السينمائي؟ الجواب: ربما .

يقولون عادة أن ثمة نقداً تحليلياً وثمة نقداً انطباعياً، ولكن شرعية النقد السليمة، أيا كان تصنيفه، تحليليا أم انطباعيا، لا تتحقق ولا تكتسب قيمتها إلا من المعرفة، المعرفة النظرية، المعرفة التقنية، ولا ننسى المعرفة بالتاريخ السينمائي، هذا طبعا إضافة إلى المعارف الثقافية والفكرية والفنية المتعددة الجوانب . ثمة أيضا عاملان مساعدان أساسيان: المتابعة الجدية المثابرة والموهبة . ولا نشير هنا إلى عامل حب السينما، فالجميع يحبون السينما( السينما كأفلام وليس السينما بأبعادها المختلفة)، وهذا الحب لأفلام السينما ليس ميزة لأحد على أحد .

يفتقر إلى معظم هذه المعارف الضرورية عدد كبير ممن يلجون باب النقد من أوسع أبوابه . الأبواب المقصودة هنا هي أبواب وسائل الإعلام العربية المكتوبة والمسموعة والمرئية التي بات من الصعب جدا تعدادها، المنتشرة في أرجاء الوطن العربي وفي المهاجر، والتي لا يتوفر لمالكيها والمسؤولين عنها، أي وعي جدي بالسينما كمنتج إبداعي ثقافي فني، ولا يتعاملون معها فعليا إلا باعتبارها وسيلة ترفيه جماهيرية ترفد الوسيلة الإعلامية بمادة منوعات، وهم بالتالي و تبعا لذلك، لا يبالون بمستوى وخبرة من يكتب لهم عن الأفلام ولا بنوعية ما يكتب ولا بمصداقيته، لا يهتمون ولا يفرقون بين الغث والسمين، لكنهم في الوقت نفسه يصرون على أن تكون الأفلام الحديثة والأخبار السينمائية حاضرة على الدوام بين المواد التي يجري طباعتها وبثها .

هل هذا ما يريده القراء والمشاهدون من النقد؟ يستتبع هذا السؤال سؤال آخر أكثر جدوى: هل هذا حقا ما يحتاجونه من النقد؟

أود أخيرا، على سبيل التضامن، أن أقدم تعريفا سريعا بالنقاد الثلاثة الذين أعلنوا الانتفاضة:

أمير العمري، يعمل ناقدا محترفا منذ ما يزيد على الثلاثين عاما له مؤلفات مهمة منها كتاب “سينما الهلاك” . له مدونة سينمائية خاصة بمقالاته .

محمد رضا، يعمل في النقد السينمائي منذ نعومة أظفاره، له خبرات عملية في السيناريو، أصدر في فترات متنوعة مجلات وكتباً سينمائية في لبنان وفي المهجر، منها كتابه الدوري السنوي “دليل السينما”، ترأس تحرير مجلات سينمائية، له مدونة سينمائية معلوماتية وتثقيفية ذات رواج كبير يساهم فيها قراء كثر بالتعليقات والأسئلة .

صلاح السرميني، جاء إلى النقد السينمائي الذي يمارسه منذ زمن طويل من دراسة الإخراج في معهد السينما في القاهرة، له دور أساسي في دعم الحركة السينمائية الشابة في الإمارات، أصدر العديد من الكتب المهمة، منها كتاب حول السينما التجريبية وآخر حول السينما الشعرية، له مدونة سينمائية غنية في محتواها .

النقاد السينمائيون غاضبون، ولهم كل الحق في ذلك، لكن المعضلة لا تحل بحسن النوايا ولا حتى باللجوء إلى القوانين التي تحفظ حقوق الملكية الفكرية والتي يمكن التحايل عليها بأساليب مختلفة، فهي معضلة بنيوية عضوية .

الخليج الإماراتية في

16/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)