حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

/عقد الإعلام الرقمي/

«آي فون» نموذجاً لصعود الشاشة الرابعة بدعم من الكومبيوتر التلفزة اللبنانية تأخرت عن مواكبة المشاهدة البصرية الاتصالية

غسان رزق

في العقد الأول للقرن الجاري، لم تعد مشاهدة الأعين للشاشات ترفيهاً. لنتأمل قليلاً. شهدت السنوات العشر الماضية، صعود شاشات اللمس، في الخلوي والكومبيوتر، واندفاع البث المتلفز الى شاشة الهاتف النقال، بعدما اختتم القرن الماضي على فشل تكريس البث المتلفز على شاشة الكومبيوتر. سُميّ الخلوي شاشة رابعة، ووُصف ما يقدمه بالمشاهدة البصرية الاتصالية، التي دخلت بقوة الى الفضاء العربي عبر تبني دبي وقطر وأبو ظبي لأقنية تلفزيونية تبث عبر الهاتف المحمول.

من المقلق عدم دخول لبنان لحد الآن الى زمن تلفزة الخلوي. ليس عادة لبنان ان يتأخر في التقنيات المتصلة بالميديا، بل كان بوابة ملكية لعدد منها خلال القرن الماضي، خصوصاً في الراديو والتلفزة. من يذكر مثلاً ان لبنان سبق العرب في راديو الـ«اف ام» مثلاً، واستمر وحده في الطليعة لسنوات طويلة؟ ألا يحتاج هذا التأخر في الإعلام العام وتقنياته الى نقاش معمّق، خصوصاً ان غير محطة تلفزيونية وعدت بالبث الرقمي، لكنها لم تصل إليه؟

انقلاب صامت في المشاهدة

تشاهد الأعين شاشات على مدار الساعة، في المحلات و«المولات» والملاهي والمقاهي وأماكن السهر والعمل، خصوصاً شاشات الكومبيوتر والهاتف النقال وأدوات الالعاب الالكترونية الثابتة والمحمولة وغيرها، ما يلغي وصف مشاهدة الجماهير للشاشات تلك بالترفيه، بحسب ما تعوّد التفكير الإعلامي أن ينظر الى هذا الأمر. إنه انقلاب ساكت وعميق الأثر، ما يوحي بتحوّله الى نوع من البداهة، التي تعني أن المتغيّر الإعلامي يتسرب الى عمق الأدمغة ويمسك بها بقوة. واستطراداً، ثمة خيط بين هذا الانقلاب الصامت، والانقلاب الفائق الضجيج في الإعلام البصري: انقلاب العلاقة بين «المركز» (يفترض أن يمثله التلفزيون، أما الانترنت فلا مركز له بالتعريف) والجمهور. تضج الشاشات العربية والعالمية بالترويج لهذا الانقلاب! لماذا تسَرّ مراكز الإعلام المرئي- المسموع بمتغير يفترض انه يسلبها شيئاً من قوّتها، بمعنى انها لم تعد هي التي تبث لجمهور لا وظيفة له سوى التلقي؟ صار بث الجمهور، خصوصاً عبر أشرطة الخلوي، جزءاً أساسياً في علاقة التلفزة بجمهورها. ولعل ترحيب التلفزة بهذا الانقلاب، كما يظهر في حفاوة ترويج «سي ان ان» لأشرطة «أي ريبورت» التي يرسلها الجمهور وكذلك الحال بالنسبة لـ«الجزيرة»، يشكّل جزءاً من محاولة التلفزة التأقلم مع منافسيها الصاعدين: الانترنت والخلوي.

يصعب إغفال القول بأن العقد الاول من القرن 21، كرّس تفاعلاً قوياً بين التلفزة والانترنت. تفاعل يشهد عليه تكاثر الأشرطة المنقولة من التلفزيون الى موقع «يوتيوب»، مثل خطابات الرئيس أوباما وولادة النجمة البريطانية سوزان بويل. والمفارقة ان الشاشات اللبنانية، لم تلتقط بعد هذا التحوّل. وفي المقابل، فإن شاشات الخلوي في لبنان تضج بالأشرطة التي يصنعها الجمهور، مثل تلك التي وثّقت لحظات صعبة من يوم 7 آيار 2008، أو تصريحات للنائب وليد جنبلاط وغيرها. تكتفي الشاشات اللبنانية بالطلب من الخلوي القيام بمهمات التصويت والاتصالات الصوتية ورسائل الـ«اس ام اس». واستطراداً أيضاً، يصعب إغفال الضربة التي تلقاها الاعلام العام اللبناني (خصوصاً المرئي- المسموع)، بتأخره عن التقاط متغيّرات تكنولوجية عاصفة. فقد سبقته «الجزيرة» الى البث الرقمي، الذي أطلقته مع «أولمبياد بيجين» وقبلها كأس كرة القدم الأوروبية في اسبانيا. وأطلق المغرب تلفزة رقمية، وتلته الجزائر. وانطلقت مصر متأخرة في هذا المجال، بمعونة ألمانية عام 2009، أما لبنان فيغيب عن هذه القفزات.

التلاقي الرقمي

أقلقت أشرطة الخلوي وصوره الاحتلال الأميركي في العراق في صور «أبو غريب»، وهزّت قدرة التلفزة على التقاط الحدث في تغطية الجمهور لأحداث مثل التسونامي وانفجارات لندن ومدريد، وحوادث القتل في المدارس والجامعات الأميركية والأوروبية وغيرها. واستطراداً، «شهدت» تلك الحوادث للقوة التي تتغلغل بها الشاشة الثالثة (الكومبيوتر) في العقول، إضافة الى أنها القت سؤالاً مقلقاً عن ضخ العنف في الالعاب الالكترونية وما يخلفه من آثار. ويحتاج هذا الأمر الى نقاش متطاول.

تميل شاشتا الكومبيوتر والخلوي الى التقارب والتلاقي وربما الاندماج، يساعدهما في ذلك استنادهما الى تقنيات رقمية متداخلة. يعبر عن ذلك تقنياً بمصطلح «التلاقي الرقمي». شهدت السنوات الأخيرة الثلاث من العقد الاول، انتشاراً انفجارياً لخلوي «آي فون»، الذي يعطي المثال الأشد وضوحاً عن التقارب المتواصل بين شاشتي الكومبيوتر والخلوي. ومع احتمال ان تصبح قراءة الكتب جزءاً من شاشة «آي فون»، يمكن تكرار القول بأن وصف مشاهدة الشاشة بأنه ترفيه، بات خلف ظهر الجمهور والتقنيات البصرية وثقافتها. مع التشديد على ان لبنان تأخر في الدخول فعلياً الى شبكات الجيل الثالث للخلوي، ولو ان انتشارها عربياً ليس قوياً ويسير بتباطؤ كبير، خصوصاً خارج دول الخليج العربي.

في مطلع عام 2010 لا يمكن تجاهل انفجار المشاهدة الفضائية عربياً خلال السنوات القليلة الماضية، بحيث احتفلت غير فضائية عربية بعلاقتها الطرية العود مع الأعين العربية. ومع القوة التي اكتسبها الحدث اللبناني عربياً (هذا ليس جديداً، بل مرت عليه عقود مديدة، ربما منذ معاهدة كوتاهية)، خصوصاً بعد جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وعدوان تموز 2006، ظهر تنافس قوي بين الشاشات اللبنانية المحلية (وامتداداتها فضائياً، والفضائيات العربية. فمثلاً، يصعب القول إن شاشة مثل «الجزيرة» و«العربية» لا تمارسان تأثيراً ملموساً على جمهور التلفزة في لبنان.

وكخلاصة، ثمة تحــد قوي يمثّله صعـــود الشاشة الرابعة للخلوي (مع «مساندة» وتفاعل قوي من الكومبــيوتر) من جهة والقفزات التي تحققها الفضائيات من جهة أخرى، لم تلاقهما الشاشات اللبنانية لحد الآن. ليس بعد.

السفير اللبنانية في

15/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)