حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مرة أخرى عن الفيلم الفلسطيني

لا قضية حين تغيب السينما

نديم جرجورة

مرّة أخرى، أجد نفسي منساقاً إلى الكتابة عن أفلام فلسطينية. أحاول، غالباً، تجاوز المنطق الجغرافي والإنساني والثقافي والسياسي، في التعاطي مع فلسطين. أحاول، دائماً، أن أعثر على السينمائي في صناعة الأفلام الخاصّة بمخرجين فلسطينيين مقيمين في الداخل (مناطق الحكم الذاتي أو دولة إسرائيل) والخارج (المنافي الأوروبية والأميركية تحديداً). النضال من أجل الحقّ الفلسطيني في العيش اليومي بشكل طبيعي، لا علاقة له البتّة بالسينما. بمعنى آخر، لا يُمكن للمهتمّ بالشأن السينمائي أن يتغاضى عن غياب السينما بحجّة النضال والظروف الصعبة، إذا عجزت الأفلام عن أن تكون صناعة سينمائية متكاملة. أي أن تستوفي شروطها الإبداعية. فالسينما أهمّ، والنضال مهمّ بدوره، لكنه لا يحتلّ موقعاً أكبر من الفن السابع، وشروطه ومفرداته وقواعده وخياله الإبداعي. هناك أفلام نضالية جدّية ومهمّة، لكنها مؤسَّسة على ركائز سينمائية صافية. تريدون أمثلة؟ شاهدوا أفلام إيليا سليمان مثلاً.

تكريم دبي

أعود إلى السينما الفلسطينية، أو بالأحرى إلى أفلام أنجزها مخرجون فلسطينيون، إثر مشاهدتي بعضها المنتَج حديثاً في الدورة السادسة (9 ـ 16 كانون الأول الفائت) لـ «مهرجان دبي السينمائي الدولي». أعود إلى هذه السينما التي يُحقّقها أناسٌ مقيمون في المناطق الساخنة، سواء داخل فلسطين أم خارجها. ذلك أن إدارة مهرجان دبي خصّصت حيّزاً كبيراً بـ «السينما الفلسطينية»، باختيارها مجموعة من الأفلام الروائية والوثائقية الحديثة الإنتاج، وبإصدارها كتيّباً متواضعاً عن تلك الأفلام، بعنوان «على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة (فلسطين في مهرجان دبي السينمائي الدولي 2009)». بالإضافة إلى سرد توثيقي/ تعريفي للأفلام المختارة، كتب الثلاثي أنتونيا كارفر ومسعود أمر الله آل علي وعرفان رشيد مقدّمة مزجت التحليل الخفر بالمعطيات المعلوماتية. لكن الكتيّب لم يكتفِ بالأفلام الفلسطينية، إنتاجاً وإخراجاً، فقط. هناك فيلمان مرتبطان بالهمّ الفلسطيني، أنجزهما مخرجان عربيان، هما اللبناني طلال خوري (9 آب) والمصري سمير عبد الله (غزّة مباشر). وهناك أفلام أخرى لمخرجين أجانب، أُنجزت خلال العام الماضي: «إطلاق النار على فيل» (إسبانيا/ فلسطين) للثنائي ألبيرتو آرسي ومحمد رجيلة، و«الرصاص المصبوب» (إيطاليا) لستيفانو سافونا، و«حاجز الصخرة: موسيقا تضرب الجدران» (إسبانيا) لفرمن موغوروزا.

ربط الثلاثي المشرف على البرنامج العربي، كارفر وآل علي (المدير الفني للمهرجان أيضاً) ورشيد، بين انتهاء الدورة الخامسة في منتصف كانون الأول 2008 واندلاع الحرب الإسرائيلية الجديدة على الفلسطينيين في قطاع غزّة، بعد انتهائها بأيام عدّة. رأى، في تحديده أسباب اختياره أفلاماً فلسطينية، أن «الجميع في العالم العربي وخارجه كان متسمّراً أمام الأحداث الدامية عبر شاشات التلفاز، متضامناً مع المحاصَرين في غزّة، ومتشوّقاً لسماع «أخبار حقيقية» تأتي من خلف الكواليس». أضاف الثلاثي أنه لم يكن ممكناً التغاضي عن مسألة أخرى: اختيار «القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009». كتب أن هذا الاختيار «مناسبة لتسليط الضوء على مجموعة متألّقة من المبدعين الفلسطينيين، ليس لغايات سياسية، وإنما بهدف كشف جوانب خفية لقصص وأساليب وثراء ثقافي/ بصري فلسطيني، على الرغم من الأوضاع الصعبة». هناك سببٌ ثالث، متمثّل بوفاة الشاعر محمود درويش: «أفلام عديدة في برنامج هذا العام استلهمت مواضيعها من هذا الرمز الوطني، وأعادت التحية إلى مجمل أعماله. اليوم، يُنظر إلى درويش باعتباره ايقونة الثقافة الفلسطينية من قبل المبدعين الفلسطينيين المشاركين» في الدورة الأخيرة هذه.

لا مجال للانتقاد. لكن العمل العربي معتاد على الانجراف العاطفي وراء المآسي التي تحلّ بالناس، ما يؤدّي بأصحابه إلى اختيار الفنون والآداب للتعبير عن تضامن وتعاطف مع فلسطين وشعبها. لا بأس بهذا.

تستحقّ فلسطين (والعراق ودارفور والأكراد والأقباط المصريون وشيعة السعودية والبحرين، والأقليات المضطَهَدة هنا وهناك أيضاً) الاهتمام كلّه. لكن المنطلق الإنساني لا ينتبه، أحياناً، إلى الفرق الشاسع بين الحسّ الوجداني والتعاطف العام من جهة أولى، والإبداع البصري من جهة ثانية. لا يُمكن السقوط في فخّ الإيديولوجيا، إذا أراد المرء أن يُعلن تضامنه مع شعب مضطَهَد. لا يُمكن إتاحة الفرصة أمام أعمال تدّعي انتماءها إلى السينما، الروائية والوثائقية، مع أنها لم تبلغ حدّاً أدنى من السوية الإبداعية. لا يُمكن التغاضي عن الخلل الكامن في نتاجات سينمائية، بحجّة أن القضية أهمّ، وأن الناس أهمّ أيضاً. السينما محتاجة إلى صناعة متكاملة، لا إلى نضال وشعارات وخطب. السينما محتاجة إلى مخيّلة، لا إلى بكائيات ودروس في التاريخ والجغرافيا. السينما محتاجة إلى صُوَر بصرية، لا إلى نظريات تُرهِق العمل السينمائي بمقولات أقرب إلى الثرثرة منها إلى أي شيء آخر، وبخطابات حماسية ومفردات نضالية، أو إلى انتصارات وهمية على العدو (كما حصل في الفيلم المصري الجديد «ولاد العمّ» لشريف عرفه، مثلاً).

الهمّ الفلسطيني

هذا كلّه لا يعني التنصّل الذاتي من الهمّ الفلسطيني. فلسطين في البال. بل إنها في العقل والقلب والروح. هذا كلّه يعني، أيضاً، أن السينما أهمّ من أي شيء آخر، من دون مناقشة اختيارات المخرجين هذا الموضوع أو ذاك. لكل واحد الحقّ المطلق في اختيار ما يشاء، لكن المعالجة السينمائية تبقى الأساس في أي قراءة نقدية. ما شاهدته في الدورة السادسة لمهرجان دبي، على مستوى الأفلام الفلسطينية أو الأفلام المعنية بفلسطين وناسها وقضاياها الإنسانية واليومية، معيبٌ بحقّ السينما. بل إنه مسيء إلى فلسطين وناسها وقضاياها الإنسانية واليومية. فالغالبية الساحقة من تلك العناوين افتقدت حدّاً أدنى من الإبداع البصري والثقافي والفني. ازداد الأمر سوءاً، عندما مُنح «زنديق» لميشال خليفي جائزة أفضل فيلم عربي، وقيمتها المالية مئة ألف دولار أميركي. هذا أمر مخجل. لا يستحقّ العمل صفة «فيلم». لا يستحقّ نقاشاً نقدياً أصلاً، لافتقاده المروّع أبسط مفردات العمل السينمائي. صدم فوزه مهتمّين بالسينما الجادّة، لأنه محتاجٌ إلى تأهيل جذري في المستويات كلّها. تماماً كأفلام وثائقية مُشاركة في المسابقة الرسمية. هناك غلبة واضحة للموضوع على الشكل. أي للمادة الدرامية على الطريقة المستخدَمة في المُعالجة الفنية. فلسطين مفتوحة على أسئلة كثيرة، ليس لأنها فلسطين، أو لأنها خاضعة لاحتلال إسرائيلي عنيف فقط، بل لأنها مساحة جغرافية يُقيم فيها أناس مصابون بما يصيب شعوبٌ أخرى من مآزق وتفاصيل. إنها قادرة على استنباط أسئلتها من واقع عيشها، لأنها ممتدة على المساحة الملتهبة، من دون تناسي كونها مكاناً لا يختلف عن أمكنة جغرافية أخرى في العالم العربي أو دول الشرق الأوسط أو دول العالم الثالث، ومن دون تناسي الآثار الخطرة للاحتلال الإسرائيلي عليها أيضاً.

هذا ما أبدعه إيليا سليمان في «الزمن الباقي»، الفائز بجائزة أفضل فيلم شرق أوسطي (وقيمتها المالية مئة ألف دولار أميركي) في الدورة الثالثة (8 ـ 17 تشرين الأول 2009) لـ «مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في أبو ظبي». هذا مخرج يُدرك أهمية الصورة البصرية في صناعة الفيلم. يُدرك آلية مزجها مع الموضوع، من دون خطابية فجّة أو ثرثرة كلامية أو بصرية. على نقيض غالبية الأفلام الفلسطينية المُشاركة في مهرجان دبي، حافظ «الزمن الباقي» على جمالياته الإبداعية، كتابة ومعالجة وتمثيلاً واشتغالاً تقنياً. لم يبلغ «زنديق» هذه المرتبة. الخلل في المستويات الفنية كلّها واضحٌ منذ البداية. هناك ارتباك في المعالجة والتمثيل وبناء الشخصيات وسرد الحكاية. سليمان وجد في السيرة الذاتية الخاصّة بوالديه وبه مفتاحاً لولوج العالم الفلسطيني، إنسانياً قبل أي شيء آخر. طرح أسئلة الحياة اليومية في ظلّ الاحتلال، مبتعداً عن متطلبات الخطاب المُقاوِم، لأنه انغمس في صناعة الصورة السينمائية. بدا خليفي شبيهاً بابن بلدته الناصرة، على مستوى المادة واختيارها. لكن «زنديق» سقط في المحظور البصري: غياب السينما. أي غياب الرؤية الواضحة للمسار الدرامي. وغياب حدّ أدنى من التمثيل الاحترافي (محمد بكري). وغياب إدارة جيّدة لفريق العمل.

اختيارات

المواضيع المختارة مهمّة، في أفلام أخرى عدّة. الصداع الذي يتعرّض له رائد أنضوني (صداع)، مدخلٌ إلى قراءة المعاناة الإنسانية المزدوجة، أي المتعلّقة بالصداع نفسه وبتداعيات الاحتلال الإسرائيلي والارتباك الفلسطيني داخل المجتمع المحاصر. لكن الفيلم متشظّ في اتجاهات لا علاقة لها بالفيلم الوثائقي. الفرد محورٌ لسيرة الجماعة، مسألة مهمّة في صناعة الفيلم الوثائقي العربي الحديث. لكن محمد بكري، مخرج «1948» (1998) و«جنين جنين» (2002) و«من لما رحت» (2004)، لم يستطع جعل الاختبار الفردي، في فيلمه الأخير «زهرة»، خيطاً درامياً ثابتاً ومتيناً، لسرد حكاية مفتوحة على الأسئلة الجماعية. التواضع سمة رشيد مشهراوي. لكن «الأجنحة الصغيرة»، عن أطفال صغار في بغداد، ظلّ عادياً في مقاربته موضوعاً أساسياً، مرتبطاً بالوضع الإنساني المزري للعراقيين. في المقابل، اختار نصري حجاج مساراً مغايراً للمألوف الوثائقي، في «كما قال الشاعر»، لتقديم سيرة محمود درويش. انتقى قصائد له. التقى شعراء وأدباء عرباً وأجانب (وول سوينكا، دومينيك دو فيلبان، خوزيه ساراماغو، أحمد دحبور، جومانة حداد وغيرهم)، قرأوا قصائد مختارة من دواوين متفرّقة. التقط نبض المدن التي أحبّها الشاعر. صوّر أطفالاً يُنشدون قصيدة «على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة». تلاعب بالصوَر المتناثرة في الذاكرة والراهن، كي يرسم لوحة إنسانية شفّافة. درويش نفسه محور «9 آب» للّبناني طلال خوري. القصيدة تتحوّل إلى فيلم. والحكايات المنسوجة بلغة الشاعر باتت متتاليات بصرية.

عناوين كثيرة أخرى. لكن الأهمّ كامنٌ في الاختبارات الفردية الجادّة، وهي قليلة، إزاء تكاثر العاديّ.

 

كلاكيت

نكات البؤس

نديم جرجوره

لم تعد «النكتة» اللبنانية تمتلك حيويتها الضاحكة. فَقَدت محتواها الكوميدي، عندما هبط المستوى الحكائي لمضمونها إلى دَرْك خطر. مالت ناحية الفجاجة. أكاد أقول العهر. هناك ابتذال لا يُحتَمَل. التحوّل الاجتماعي اللبناني ضرب، بسلبياته، مفهوم النكتة. أبو العبد، إحدى أطرف الشخصيات البيروتية الشعبية في الحكايات اليومية ونكاتها، بات شخصاً مهووساً بالجنس، بتفاصيله البذيئة. حتّى هو فَقَد جماله الداخلي وحسّ الكوميديا الضاحكة لديه، عندما أُدخلت هيفا وهبي إلى هذا العالم. والعالم المذكور مرآة بيئة وناس. تفوّقت النكات الخاصّة بهيفا وهبي على نكات أبو العبد، في المجال الجنسي.

أعتقد أن البنية الحكائية والمضمون الضاحك للنكتة المصرية فُرِّغا من كوميديتهما المعتادة أيضاً. لم يعد المصريّ قادراً على اختراع النكات، بعد أن كانت النكتة المصرية السليمة والجميلة والضاحكة سيّدة مطلقة السلطة على الناس. على الرغم من هذا كلّه، تُصنع نكات جميلة ومثيرة للضحك بين حين وآخر، سواء تعلّق مضمونها بشأن سياسي أم بمسألة حياتية أم بوتيرة عيش يومي. في مقابل الجنس الطاغي في الغالبية الساحقة من النكات السائدة حالياً، هناك نكات أخرى بديعة للغاية، متعلّقة بالحشّاشين والمدمنين على المخدّرات وتوابعها. ومع أن هذا الجانب محافظٌ قوي على جمالياته، المنسحب بعضها على أسئلة وجودية وإنسانية مغلّفة بكَمّ بديع من الضحك؛ إلاّ أنه يواجه حرباً شعواء من قِبل مبتكري النكات الجنسية ومروّجيها.

لم تعد النكات كلّها مُتَداوَلة في المقاهي والسهرات الليلية، هنا وهناك، فقط. لشدّة حضورها، انتقلت إلى الشاشة الصغيرة. لا بأس. لا يُمكن فصل النكتة عن بيئتها الاجتماعية. عن الفضاء الإنساني المقيمة فيه. بهذا المعنى، يُفهَم الانحدار المخيف الذي تعيشه النكتة حالياً، إذ إن المجتمع برمّته مُصاب بألف عاهة ومرض. بات العثور على نكات مضحكة، لا علاقة لها بالبذاءة، صعبٌ. تحوّل الأمر إلى تلاعب بالكلمات والمعاني. في إحدى الحانات الليلية، يتفنّن ساهرون في ابتكار تعابير مُحرَّفة، لإشاعة مناخ مريح في السهرات اليومية. يتفنّنون في استنباط تعليقات من واقع أو حالة أو عنوان أو لافتة أو اسم، ويسقطون عليها رديفاً محوَّراً بحرف أو أكثر. لكن وضعاً كهذا نادرٌ. فالبذاءة منتشرة في الأمكنة اللبنانية كلّها، وليس فقط في النكات المتلفزة. الدَّرْك خطر. طال مستويات العيش اللبناني. النكات الجنسية والأخرى الهابطة المستوى وليدة هذا الدرْك. لذا، يُفترض بالمحاسَبة أن تتوجّه إلى من أوصل البلد وناسه إلى هذه الحالة. أو أن تتوجّه إلى الناس أنفسهم، الذين ارتضوا العيش في هذه الحالة السيئة، في يومياتهم المليئة بالغبن والقهر والتمزّق والوجع، وهم صامتون راضون بما أنعم زعيم «المحلَّة» الضيّقة عليهم من فتات.

انزعج حرّاس الأخلاق الحميدة من النكات «البذيئة» المبثوثة على الشاشة الصغيرة. لكنهم تغاضوا عن البؤس الفظيع للخطاب السياسي والمذهبي، المؤجّل احتدامه حالياً إلى وقت لاحق. أية لعنة. 

كتــاب

كاثرين كروهن: «مارلين مونرو»

بالإضافة إلى أخطاء لغوية وعجز عن منح الكلمة الأجنبية معادلها العربي الصحيح، في ترجمات عربية عدّة، فإن غياب العنوان الأجنبي وتاريخ صدور النصّ الأصلي واسم دار النشر عن الترجمة العربية واللغة المترجم عنها النصّ العربي، يُعتبر نقصاً مهنياً لا يُحتمل. مع هذا، فإن ترجمة كتاب «مارلين مونرو، حلم نورما جين» لكاثرين كروهن (سلسلة الفن السابع، الصادرة عن «المؤسّسة العامة للسينما» و«وزارة الثقافة» في دمشق) تتيح للمهتمّ فرصة إعادة الاطّلاع على تفاصيل شتّى من السيرة المرتبكة والملتبسة والجميلة للممثلة الراحلة.

ذلك أن الكتاب، الذي نقله إلى العربية محمد علام خضر، تضمّن عشرة فصول تناولت المحطّات المعروفة في حياتها، والمغامرات التي عاشتها، والأعمال التي شاركت فيها. ومع هذا، فإن أسلوب السرد التأريخي والنقدي الخاص بكروهن يمنح النصّ ميزة الاشتغال الاحترافي في التنقيب داخل الحكايات والمغامرات، وليس عنها فقط. وإذا بدا النص متلائماً وشغف القراءة، فإن الصور المنشورة فيه بدت كأنها سيرة أخرى متمثّلة بشريط طويل من الصور المتفرّقة الملتقطة في مناسبات عدّة، أو المأخوذة من أفلام لها. وهذه الأفلام وجدت لنفسها حيّزاً مستقلاً في نهاية الكتاب.

 

أفلام «كتابات على الشاشة» تُعرض في «متروبوليس»

تستمرّ أيام التظاهرة السينمائية الجديدة «كتابات على الشاشة»، التي شاركت في تنظيمها المراكز الثقافية الألمانية والإيطالية والإسبانية والبريطانية والفرنسية، بالتعاون مع إدارة صالة سينما «متروبوليس/ أمبير صوفيل»، في تقديم مجموعة من الأفلام المستلّة أو المقتبسة من روايات متفرّقة. وذلك وفقاً للبرنامج التالي:

«كاوس» (إيطاليا، 1983، 180 د.، بالإيطالية مع ترجمة إلى الإنكليزية) لباولو وفيتّوريو تافياني، عن رواية لويجي بيرانــديلّو (السابعة والنصف مساء اليوم). «بوي آي» (المملكة المتحدّة، 2007، 100 د.، بالإنكــليزية) لجون كرويــلي، عن روايــة لجــوناثان تريغــل (السابعة والنصف مــساء غد). «فيــلاّ آماليا» (فرنسا/ سويسرا، 2009، 91 د.، بالفرنسية والإيطالية، مع ترجمة إلى الإنكليزية) لبونوا جاكو، عن رواية لباسكال كينيار (العاشرة ليل غد الجمعة). «رومانزو كريمينالي» (إيطاليا/ فرنسا، بريطانيا العظمى، 2006، 148 د.، بالإيطــالية، مع ترجمة إلى الإنكليزية) لميشال بلاسيدو، عن رواية لجيانكارلو دي كاتالدو (السابعة والنصف مساء السبت). «فونتان. إيفي بريست» (ألمانيا، 1974، 140 د.، بالألمانية، مع ترجمة إلى الإنكليزية) لراينر فيرنر فاسبيندر (العاشرة ليل السبت). «باب الشمس» (سوريا/ فرنسا/ مصر/ المغرب، 2004، أربع ساعات و38 د.، بالعربية مع ترجمة إلى الإنكليزية والفرنسية) ليسري نصر الله، عن رواية للياس خوري (السابعة والنصف مساء الأحد).

يسرد «كاوس» أربع قصص تدور أحداثها في صقلية في القرن التاسع عشر، حيث يلعب غراب أسود، معلّق في رقبــته جــرس، دور صلة الوصل بينها، وهي تحمل العناوين التالية: الابن الآخر» و«دوار القمر» و«الجرّة» و«جناز». في حين أن «بوي آي» يُسلّط الضوء على حكاية جاك، الذي اقترف جريمة فظيعة في صغره، فعاش بعدها أعواماً طويلة في مؤسّسات مختلفة؛ وها هو الآن يعيش حرّاً طليقاً، يحمل اسماً جديداً، ويحاول تدبير أموره في الحياة.

أما بالنسبة إلى «فيلاّ آماليا»، فتبدأ حكايته من اللحظة التي تُشاهد فيها آن الموسيقية صديقها توماس وهو يُقبّل امرأة أخرى، فتقرّر أن تقطع علاقتها به، بهدف عيش تجربة أخرى. ومع «رومانزو كريمينالي (جريمة قتل رومانسية)»، يعود المُشاهدون إلى روما السبعينيات، عندما كانت «الألوية الحمراء» في ذروة نشاطها، علماً بأن عصابة مجرمين صغار تظهر في المشهد، وتبدأ فرض سطوتها على المدينة. في المقابل، اختار فاسبيندر قصّة إيفي (هانا شيغولا) الجامعة في ذاتها حيوية المراهقة والبورجوازية، التي تتـزوّج باروناً يكبرها بأعوام عــدّة. وفي الختام، اخــتارت إدارة صالة «متروبوليس» عملاً للمخرج المصري يسري نصر الله، متعلّقاً بفلسطين وسيرتها، من خلال قصّة يونس وناهــلة والناس البسطاء.

السفير اللبنانية في

13/01/2010

 

رحيل المخرج الفرنسي إيريك رومر

أسطـورة صامتـة

نديم جرجورة 

ميزاته عديدة. أبرزها، عدم سقوطه في التجاري والنجومي، واحتفاظه بتلك الهالة التي تزنّر كباراً مقيمين في عمق التاريخ والراهن. موته صامت، تماماً كعلاقته بالأضواء. منزو، من دون عزلة. هادئ من دون تسطيح. عميق في المعاني المستلّة من قلب الحياة وحكايات الناس. مناضل شرس من أجل سينما مختلفة. كاتب مرهف الإحساس، تماماً كاشتغاله السينمائي. مقلّ، قياساً إلى ستين عاماً من اشتغاله في هذه المهنة. لكن القلّة منسجمة ومساره الحياتي، متلائمة وهوسه بقراءة المفردات الإنسانية. كتب الرواية. شارك في إطلاق «الموجة الجديدة» في فرنسا. غاص في العالم البديع لألفرد هيتشكوك (أصدر كتاباً عنه بالتعاون مع كلود شابرول). هذا كلّه جزءٌ خفر من شخصيته.

لم تكن السينما، بالنسبة إلى إيريك رومر، الذي توفي أمس الأول قبل أسابيع قليلة على بلوغه تسعين عاماً، جزءاً واحداً. جاء إليها من تدريسه الآداب واشتغاله في الكتابة الروائية والمسرحية والصحافة. لكنه خاض تفاصيلها كلّها، منذ انطلاقه في الكتابة النقدية السينمائية في صحف ومجلات عدّة، قبل أن يُصدر «جريدة السينما»، حيث التقى جان ـ لوك غودار وجاك ريفيت وفرنسوا تروفو وشابرول. هؤلاء عملوا معاً في المجلة النقدية السينمائية العريقة «دفاتر السينما». هناك، ترأّس رومر تحريرها بين العامين 1957 و1963. ومن هناك، أطلقوا «الموجة الجديدة». انقلبوا على السائد. كانت «سينما المؤلّف» مختلفة معهم. هو أيضاً مختلف داخل هذه المجموعة. حساسيته مزجت بين اهتماماته بالعلاقات الإنسانية ونظرته الثاقبة وبلاغته الحيوية من جهة، والتوغّل في الشؤون العاطفية للشباب، خصوصاً «صدمات الحبّ الأول»، من جهة أخرى.

الصحيفة الفرنسية اليومية «لو موند» قالت، في مقالة منشورة في الحادي عشر من كانون الثاني الجاري، إنه بموت إيريك رومر «انطفأت أسطورة من أساطير السينما الفرنسية». لكن هذه الأسطورة، كالأساطير كلّها، منطوية على جانبين متناقضين. إذ ذكر تعليق نقدي أن النتاج السينمائي الخاصّ بجان ـ ماري موريس شيري (الاسم الحقيقي لرومر) يتيح قراءتين مختلفتين: أولى تعتبر أنه مثّل شكلاً مقبولاً للسينما الفرنسية مقيماً في الكلام والحميمية، وثانية ترى أن الرجل، «الذي انتسب إلى الخطّ الأول في الثورة الفنية التي أنتجتها الموجة الجديدة»، أصبح «كلاسيكياً مغيظاً». المهمّ أن رومر وضع تصوّراً فرنسياً جداً للفن، وللسينما تحديداً، يُمكن القول إنه مرتكز على عظمة هذا التقليد (الفن السابع) والدقة الروحية والتذوّق الإبداعي للوقاحة والحرية معاً.

أثناء ترؤسه تحرير «دفاتر السينما»، أنجز فيلمه الروائي الطويل الأول «إشارة الأسد» (1959)، الذي اعتُبر حينها «مُجَدِّداً للغاية»، والذي قيل إنه «مدهشٌ لاستطراداته وإيقاعه الهادئ». غير أن النجاح النقدي هذا قابله فشلٌ تجاري عندما عُرض في الصالات بعد ثلاثة أعوام على إنجازه. في العام 1962، عندما أنشأ وباربيت شرودر شركة «أفلام لوزانج» (التي أنتجت غالبية أفلامه)، بدأ رومر تحقيق ستة أفلام بعنوان عام واحد «حكايات أخلاقية»، أنهاها في العام 1972، هي عبارة عن حبكات عاطفية طرحت مواضيع عزيزة على المخرج (الحب والصدفة والقدر)، معقودة كلّها على ثوابت عدّة: اختيار المرأة، محاولة الخيانة والعودة إلى المُصطفى. ثم تتالت أعماله التلفزيونية والمسرحية والكتابية والسينمائية، وآخرها كان فيلم «قصص حب آستري وسيلادون» (2007).

السفير اللبنانية في

13/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)