حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

رحيل السينمائي الفرنسي إريك رومير عن 89 عاماً:

شاعر الموجة الجديدة في الخمسينات

ريما المسمار

خلال مسيرة سينمائية امتدت على ستة عقود من الزمن، احتل السينمائي اريك رومير مكانة مرموقة باعتباره أحد أكثر السينمائيين الفرنسيين رؤية ثاقبة وبلاغة وحيوية. هو واحد من رواد "الموجة الجديدة" وسينمائي مؤلف بامتياز وصاحب أفلام ذات جمالية وشعرية عالية، أفلام عن الحب والولاء والحياة. وعلى الرغم من الانسجام الكبير والاتساق الأسلوبي والموضوعي في أعماله، تمكن المخرج بطريقته من الحفاظ على طزاجة أفلامه وحيويتها طوال حياته المهنية.

بينما قلة قليلة من أفلام رومير لاقت نجاحات تجارية، وجدت خصوصيته السينمائية طريقها الى قلوب فئة من الهواة والمتابعين فضلاً عن النقاد داخل بلده وخارجه. في عناوينها العريضة، تمحورت أفلام رومير حول العلاقات الانسانية الوثيقة، لاسيما بين الشباب الذين يختبرون صدمات الحب الاول، وانطوت غالباً على معضلة أخلاقية من نوع ما. تميز السينمائي باستعانته بممثلين غير محترفين واتكاله على الحوارات المرتجلة التي أسهمت في منح أفلامه عفوية وبراءة خادعة تجعلان أفلامه استكشافات أصيلة وآسرة في النفس البشرية.

موريس شيرير هو الاسم الحقيقي لاريك رومير وهو شقيق الفيلسوف رينيه شيرير. ولد في "نانسي" يوم الرابع من نيسان/ابريل عام 1920. بدأ حياته المهنية صحافياً في باريس ثم مدرسا للأدب. ونشر عام 1946 رواية "اليزابيث" باسم مستعار هو جيلبير كوردييه.

بين أواخر الاربعينات ومطلع الخمسينات من القرن الماضي، قاده حبه للسينما الى التعرف بجان- لوك غودار وفرونسوا تروفو وجاك بريفيت وكلود شابرول. سريعاً، تحولت هذه المجموعة المتباينة من المثقفين الى نوعية مختلفة من النقاد السينمائيين تعارض بشكل عميق الاتجاهات السائدة في صناعة الفيلم الفرنسي. بعد مناصرة المخرج المؤلف في السينما ومساندة دوره بحماسة منقطعة النظير، تحولوا أنفسهم سينمائيين في ما اصبح يُعرف بالموجة الجديدة أواخر الخمسينات. أحدث رومير ورفاقه تغييراً جذرياً وبعيد المدى في السينما الفرنسية، لاتزال مفاعيله ماثلة الى يومنا هذا.

بين عامي 1956 و 1963، بعد أن اعتمد اسم اريك رومير، عمل شيرير جنبا إلى جنب مع معاصريه من رواد الموجة الجديدة كرئيس تحرير للمجلة السينمائية الشهيرة، "دفاتر السينما" Cahiers Du Cinema. في العام 1957، كتب رومير بمعية كلود شابرول كتاب "هيتشكوك" متناولاً السينمائي البريطاني وأعماله بنظرة تحليلية عميقة، كرّست مكانة هيتشكوك كمخرج مؤلف من الطراز الرفيع.

خلال الخمسينات، أنجز رومير سلسلة من الأفلام القصيرة المتواضعة، من بينها (La Sonate a Kreutzer 1956). فيلمه الطويل الاول، La Signe du Lion، أبصر النور عام 1959، في العام نفسه مع باكورتي تروفو وغودار. كانت تجربة رومير الاولى أكثر تقليدية وتحفظاً من تجارب معاصريه في الموجة الجديدة، بما يفسر تجاهل النقاد لعمله والاحتفاء الفوري بتروفو وغودار.

بعد تأسيسه شركته الانتاجية الخاصة مع سينمائي آخر هو باربيه شرودر في العام 1962، بدأ رومير العمل على مشروع سينمائي سيستغرق عشر سنوات كاملة. أثمر المشروع أول أعماله المحتفى بها، Six Moral tales. تدور أحداث كل فيلم من الافلام الستة حول شخصية رجل يواجه أزمة أخلاقية تتمثل بحبه لامرأة وانجذابه جسدياً الى أخرى. بكلمات رومير، تمثل تلك الافلام الصراع الأزلي بين النبل الانساني والغريزة الحيوانية. الفيلم الرابع في هذه السلسلة، (Ma Nuit Chez Maud 1969)، حقق لمخرجه الاختراق. نال الفيلم استحسان النقاد في الداخل وحقق النجاح التجاري في الولايات المتحدة الاميركية، حيث حصل على ترشيحين لجوائزالأوسكار. كذلك حقق تاليه في السلسلة، Le Genou de Claire (1970)، شعبية واسعة.

في العام 1964، غادر رومير مجلة "دفاتر السينما" لتولي وظيفة في التلفزيون الفرنسي. على مدى السنوات القليلة المقبلة، أخرج أكثر من عشرة أفلام تلفزيونية، بما في ذلك الأفلام الوثائقية التي لاقت شعبية واسعة في سلسلة "مخرجو زمننا". بعد مرحلة سينمائية وجيزة، أطل فيها على الدراما التاريخية مع Die Marquise von O (1976) وPerceval le Gallois (1978)، بدأ رومير العمل على سلسلته الثانية "كوميديا وأمثال" Comedies and Proverbs التي شغلته طوال عقد الثمانينات. تناولت أفلام السلسلة الطبقة الوسطى في فرنسا الثمانينات، من خلال موضوعات الخيانة والانحلال الأخلاقي وبحث المرأة الشابة عن الحب. اشتهر من تلك السلسلة فيلمان: (Pauline a la Plage 1986) و(Le Rayon Vert 1986) الذي جلب لمخرجه جائزة الاسد الذهب في مهرجان البندقية السينمائي عام 1986.

في التسعينات، تركزت جهود اريك رومير على سلسلة أفلامه القادمة في عنوان "حكايات الفصول الاربعة" Tales of the Four Seasons، التي يعتبرها البعض الانجح بين سلسلاته. كل فيلم من هذه الأفلام الأربع تدور أحداثه في فصل معين من السنة وينطوي على شكل من أشكال العزلة العاطفية. تواجه الشخصية المحورية في كل فيلم أزمة مستجدة، ولكن الحكاية تنتهي بتفاؤل كأنها تردد تلك الدورة من الانبعاث والتجديد التي نقع عليها في الطبيعة.

في الأفلام الثلاثة الأخيرة، أظهر رومير تحولاً في تقنيته، على الرغم من حضور موضوعاته الاثيرة حول الحب والاخلاص. ففيلم (LAnglais et le Duc 2001)دراما تاريخية متحركة، تدور أحداثها في زمن الثورة الفرنسية وتستخدم أحدث التقنيات الرقمية لجعل الشخصيات جزءا لا يتجزأ من الخلفيات المرسومة. أما (Triple Agent 2004) فيقدم صورة مؤثرة عن امكانية ان تقوض لأحداث الخارجية الثقة بين زوجين. آخر أفلام رومير، Les (Amours dAstree et de Celadon 2007)، شريط غنائي، مؤسلب، تدور أحداثه في القرن الخامس وبقدر ما هو احتفال بجمال العالم الطبيعي، هو شهادة حميمة لشاعر حول قدرة الحب.
على الرغم من إنتاجيته العالية، كان إريك رومير رجلاً يقدس الخصوصية ويتجنب الدعاية في حياته الخاصة. وفاته اول من أمس خسارة فنية حقيقية. قد تواجه أفلامه صعوبة في العثور على جمهور عريض، ولكن بالنسبة إلى أولئك الذين يقدرون ذكاءه وشغفه للسينما، لن تتوقف أعماله عن ان تكون مصدر سعادة والهام لجيل مقبل من السينمائيين، ينظر الى السينما كفن وليس فقط كوظيفة مربحة. بتواضعها وبساطتها الظاهريين، ستتمكن أفلام رومير من أن تعمر طويلاً وان فقط بفضائل الحب والحكمة والذكاء التي صُنعت بها.

لائحة بأفلام إريك رومير

Journal dun scélérat (1950)

Présentation ou Charlotte et son steak (1951)

Bérénice (1954)
La Sonate à Kreutzer (1956)

Véronique et son cancre (1958)

Le Signe du lion (1959)

La Boulangère de Monceau (1963)

La Carrière de Suzanne (1963)

Nadja à Paris (1964)

Paris vu par... (1965)

Une étudiante daujourdhui (1966)

Fermière à Montfauçon (1967)

La Collectionneuse (1967)

Ma nuit chez Maud (1969)

Le Genou de Claire (1970)

LAmour laprès-midi (1972)

Die Marquise von O... (1976)

Perceval le Gallois (1978)

La Femme de laviateur (1980)

Le Beau mariage (1982)

Loup y es-tu? (1983)

Pauline à la plage (1983)

Les Nuits de la pleine lune (1984)

Le Rayon vert (1986)

LAmi de mon amie (1987)

Quatre aventures de Reinette et Mirabelle (1987)

Conte de printemps (1990)

Conte dhiver (1992)

Larbre, le maire et la médiathèque (1993)

Les Rendez-vous de Paris (1995)

Conte dété (1996)

Conte dautomne (1998)

LAnglaise et le duc (2001)

Triple agent (2004)

Les Amours dAstrée et de Céladon (2007)

المستقبل اللبنانية في

13/01/2010

 

إريك رومير سينمائي الشكّ والسحر والغواية

سناء الخوري 

إنّه شاعر السينما، وسينمائي المرأة، والأب المؤسّس لـ«الموجة الجديدة». انطفأ على أبواب التسعين، تاركاً علامات أساسيّة، غيّرت مسار الفنّ السابع

لا تبحث عن الحدث في أفلام إيريك رومير (1920 ـــــ 2010). المعلّم الفرنسي الذي انسحب بخفّة أول من أمس عن 89 عاماً، جعل النصّ حدثه الأثير والمطلق. خلال خمسة عقود من الحفر في أساسات السينما الرصينة والمرهفة، لعب رومير على الخيط الرفيع الفاصل بين الضجر والإثارة المطلقة... الصمت، والنظرات، وأبواق السيارات، والجلد العاري... كلّها أحداث كبيرة في أفلامه. أعماله ـــــ رغم وعورتها وما فيها من إشباع نصي يستلهم المسرح الكلاسيكي ـــــ قصص حب على طريقة «الموجة الجديدة». أليس هو من لخّص تجربته قائلاً: «أنا لا أحكي، بل أعرض...»؟ رومير يعدّ مؤسس «الموجة الجديدة»، وأبرز منظّري ذلك المنعطف الحاسم في السينما الأوروبيّة. أنجز أعماله المرجعيّة من دون أن يغادر موقع الناقد الذي تولّى منذ 1957 رئاسة تحرير «دفاتر السينما». بدأ جان ماري موريس شيرير (اسمه الأصلي) أستاذ أدب قبل أن يدير «نادي السينما» في الحي اللاتيني مطلع الخمسينيات، ذلك النادي الذي انطلق منه جان ـــــ لوك غودار وفرانسوا تروفو وكلود شابرول وأترابهم...

أعماله دارت حول تيمة الحب بتنويعاتها

باكورته «برج الأسد» (1959) لم تحقق أي نجاح، وكان لا بد من الانتظار عقداً كاملاً، كي يسجّل رائعته «ليلة عند مود». إنها قصّة رجل موزّع بين الوفاء لحبيبته، أو الارتماء في أحضان امرأة أخرى تثير مشاعره. ذلك هو رومير، جميع أعماله تنويعات على تيمة الحبّ.تميّزت مسيرته الحافلة بالاستقلاليّة. أسّس شركة إنتاجه Les Films du Losange، واخترع منظومة النجوم الخاصّة به، فكان مكتشف أسماء لامعة على الشاشة الفرنسيّة، مثل فابريس لوكيني، وأريال دومبال. رفض القوالب الجاهزة، واضعاً لبنات أساسيّة في ما عُرف بسينما المؤلف. وقامت سينماه على الإخراج الشفاف، وألعاب الإغواء المتبادلة، والمقاربات المختلفة لمفهوم الأخلاق المُبهم... في 2001، نال «الأسد الذهبي» في «مهرجان البندقيّة» (فينيسيا) عن مجمل أعماله، ووقع عام 2007 آخر أعماله Les amours d'Astrée et de Céladon، ثمّ قرر التقاعد. اليوم، نودّع مُخرجاً رفع السينما إلى أقصى درجات الشكّ والسحر.


كوميديا وأمثال...

مثل بالزاك وزولا، كتب رومير أعماله في سلاسل مترابطة، تعالج كلّ منها تيمة رآها ملحّة. أصرّ صاحب «ركبة كلير» (1970) على أنّه مؤلف، يكتب للسينما. هذا ما نستشفه من خلال سلاسله الأربع التي بدأها مع «ست قصص أخلاقيّة»، وهي مجموعة من فيلمين قصيرين، وأربعة أفلام صنعت شهرته أواخر الستينيات. أبرز أعمال تلك الحقبة «ليلتي عند مود» (1969)، و«ركبة كلير» (1970). في الثمانينيات، أنجز سلسلة «كوميديا وأمثال»، ارتكز فيها على أعمال أدبيّة لموسيه، ولافونيتن، ورامبو، وأشهر أفلامها «بولين على الشاطئ» (1983) الذي أطلق ممثلاً فتيّاً اسمه... فابريس لوكيني. في التسعينيات، أنجز رومير «قصص الفصول الأربعة»، قبل أن ينتقل مطلع الألفيّة الثالثة إلى الدراما التاريخيّة مع ثلاثة أعمال مقتبسة من أحداث تاريخيّة كان آخرها «قصص حبّ أستريه وسيلاد» (2007).


سينمائي المرأة

في La collectionneuse، يحاول البطل أدريان فهم هايدي، تلك الفتاة الجميلة التي جاءت تمضي العطلة في المنزل نفسه معه... ماذا يفعل بها؟ يحبها أم يكرهها؟ أيكتفي بصدقاتها أو يمارس الحب معها؟ أمّا بولين، بطلة «بولين على الشاطىء»، تلك المراهقة التي تبدأ باكتشاف عالم العواطف والجنس، فتعلن منذ اللحظة الأولى أنّها لا تفهم الرجال، أنها تخاف منهم، وأنّها لا تعرف كيف يصرِّفون رغباتهم. من جهتها تحتفظ كلير، صاحبة أشهر ركبة في الفن السابع، برهافتها وعشقها الصادق، رغم محاولات جيروم المستميتة للمس ركبتها... صوّر إريك رومير أحاسيس المرأة، نقل هواجسها وآلامها، وعقدها الصغيرة، وأحلامها. كان سينمائي المرأة بامتياز في مرحلة شهدت صعود حركات التحرر النسويّة. لكنّه، بعيداً عن الشعار الخارجي، أصغى إلى شخصيّاته النسائيّة إلى درجّة التماهي.

الأخبار اللبنانية في

13/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)