حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

يوسف شاهين مات وفي نفسه شيء من هاملت

السينمائي الاشكالي تحت مجهر النقد

القاهرة ــ محمد شعير

المعلّم المصري يعود إلى الأضواء، بعد أكثر من عام على رحيله. ثلاثة كتب نقديّة لعصام زكريا وإبراهيم العريس ومصطفى محرم، تتقاطع عند سؤال واحد: كيف صنع صاحب «حدوتة مصرية» أسطورته الخاصة؟

إنه «صانع المرايا» حسب عصام زكريا، «الطفل المتمرد» في نظر إبراهيم العريس، «مخرج الجزيئات» وفق مصطفى محرم. في ذكرى رحيل يوسف شاهين (1927 _2008)، صدرت في أوقات متقاربة ثلاثة كتب نقديّة عن تجربته السينمائية تتقاطع عند سؤال واحد: كيف صنع السينمائي الراحل أسطورته؟ في «يوسف شاهين: نظرة الطفل قبضة المتمرد» (دار الشروق)، يعتبر ابراهيم العريس أنّ صاحب «حدوتة مصرية» خطا بموقع المخرج خطوة إلى أعلى، معلناً ولادة المخرج المؤلف «الذي يستقي مواضيعه من نظرته إلى العالم وهمومه الخاصة». فعل شاهين ذلك منذ باكورته «بابا امين» (1950) قبل عقد كامل من ولادة سينما المؤلف على يد الموجة الجديدة في فرنسا. شاهين إذاً كان النسخة العربية المبكرة لاتجاه حاسم في السينما الأوروبيّة، عبّر عنه لاحقاً بطرك الرواية الجديدة ألان روب غرييه حين قال إنّ المبدع ـ مهما كانت موضوعية كتاباته ـ لا يتحدث في نهاية الأمر إلا عن نفسه.

أتهم بالإستشراق بعد انجاز «القاهرة منوّرة بأهلها»، وطالب بعضهم بإسقاط جنسيّته المصريّة

وإذا كانت «ذاتية شاهين» نقطة قوته، كما يرى العريس، فهي ليست كذلك عند مصطفى محرم الذي يرى في «شاهين: أفلام السيرة الذاتية» (هيئة الكتاب المصرية)، أنّ الأفلام الأولى لشاهين مثل «صراع فى الوادي» و«باب الحديد» تجعل منه سينمائياً يتفوق على عمالقة المخرجين. لكن منذ اقتحمت رأس شاهين إلماحة خبيثة بأنه مفكر سياسي، دخل هذا العبقري متاهة فنية لم يخرج منها حتى الآن».

يضفي محرم ألقابا على صاحب «العصفور» تقترب من التمجيد، إلا أنه لا يوفّر آراءه السلبيّة والنقديّة القاسية. إذ رى أنّ الكثير مما قدمه لا يدخل ضمن «الفن الحقيقي»، خصوصاً بعد شريطه «الأرض» (1969). وهي المرحلة التي شهدت تحقيق رباعيّته الذاتية: «إسكندرية ليه؟»، «حدوتة مصرية»، «إسكندرية كمان وكمان»، «إسكندرية نيويورك». يعتبر محرم بأنّ الأفلام الأربعة أنجزها شاهين «عندما وضع نفسه في مصاف عباقرة الفن السينمائي في العالم، فكتب سيرته الذاتية كما فعل برغمان، وفيلليني، وكازان، وبوب فوس... غير أن كلاً من هؤلاء العظماء اكتفى بفيلم واحد». في هذه الأعمال، يجد محرم أن «طموح شاهين الفكري أكبر من قدراته الإبداعية»، ولذا «عندما يقحم نفسه في كتابة السيناريو، فإنه ينتقص من تلك الأفلام». كما أنه كمخرج «لا يحقق الوحدة العضوية للعمل الفني مثلما فعل مخرج كبير مثل صلاح أبو سيف».

أما عصام زكريا، فيرى في «صانع المرايا: الذات والعالم عند يوسف شاهين» (دار سمات) أن شاهين «لو أنّه اكتفى بإخراج الحواديت السينمائية، وتبنى الآراء السياسية الرسمية السائدة، لما سمعنا بأي اتهام أو انتقاد لشخصه، ولنصّبوه في مكانه الذي يستحقه كأفضل سينمائي عربي».

إنّ سرّ شاهين حسب عصام زكريا، يكمن في شخصية «هاملت» باعتبارها المحرك الأساسي في الاختيار والابتكار. كان شاهين يردّد: «هاملت حبي الأول والأخير موجود في كل أفلامي». استطاع السينمائي الراحل، وفق مؤلف «صانع المرايا...»، أن يحول «ألمه النفسي إلى إبداع، ويطابق بين رؤيته الشخصية المفزعة وبين العالم المريض والفاسد من حوله في لحظة واحدة. والأغرب أنه طابق بين هاملت وحياته العامة». يمكننا إذاً أن نفهم لماذا يظهر الرجل في أعماله دوماً، أباً طيباً مقهوراً أو عمّاً انتهازياً وقاتلاً، أو شاباً ساذجاً وعاشقاً فاشلاً يبحث عن الحقيقة... ولماذا تظهر المرأة في صورة الأمّ المتسلطة أو «اوفيليا» الطاهرة. ومن المنطلق نفسه، لا يمكن فهم النزعة الاستعراضية والنرجسية التي تلازم شاهين وأبطاله: حبهم للتمثيل والرقص والمونولوجات وإدعاء الجنون، وحركة الجسد المصممة مسبقاً وحب الاستعراض... إلا عبر فهم «مركّب هاملت».

يحاول إبراهيم العريس وعصام زكريا تقديم رؤية شاملة لتطور أسلوب شاهين، على صعيد الصورة وأدواته التعبيرية، حتى وصل إلى اقتناعه بأن دور السينما لم يعد فهم العالم ولا تغييره بل «عيش الحياة». أما محرم، فينشغل في استعادة خلفيّات التجربة ومؤثراتها. لكنّه يذهب إلى استنتاجات افتراضيّة وأحكام سلبيّة، تتسم بالمبالغة والتعميم تارةً، وتفتقر إلى الدقّة طوراً. يرى مثلاً أن تجاهل أميركا لسينما شاهين، وعدم اهتمام هوليوود به، جعلاه يلجأ إلى فرنسا. و«اتخذ من التونسيين والجزائريين والمغاربة وسيلة للتقرب إلى المسؤولين عن الثقافة في فرنسا، وأبدى استعداده للمتاجرة فى مظاهر التخلف في بلادنا، وفتح له جاك لانغ وزير الثقافة الفرنسي حينها صدره، وقام شاهين وبعض تلاميذه بمد القناة الخامسة في التلفزيون الفرنسي بأفلام عن مظاهر التخلف عندنا».

هل يقصد محرم في مرافعته الظالمة فيلم «القاهرة منوّرة بأهلها» (1991) الذي جلب على صاحبه غضب وسائل الإعلام الحكومية، فاتهمته بأنه «مستشرق»، بل ان هناك من طالب باسقاط الجنسية المصرية عنه! كان ردّ شاهين يومها بأن عرض فيلمه في نقابة الصحافيين، بحضور النقاد المصريين. وبعدما انتهى الشريط، قال: «إللي قالوا لي لو مش عاجبك البلد سيبها، باقول لهم أنا قاعد في بلدي، وحاعمل أعمال حرة زي ما أنا شايفها». وهذا ايضاً سر من أسرار إبداع شاهين!

الأخبار اللبنانية في

04/01/2010

 

دروز فلسطين: رحلة العودة إلى الذات

نجوان درويش

يقوم فيلم «العودة إلى الذات» (شريط وثائقي ــــ 54 دقيقة ــــ إخراج بلال يوسف وإنتاج نزار حسن ـــــ قناة «الجزيرة الوثائقية») على نكء أحد أقسى جراح الذات الفلسطينية، وأكثرها إشكاليّة والتباساً: إنّه جرح اختطاف المشروع الصهيوني للطائفة الدرزية الفلسطينية، وفرض التجنيد في جيش الاحتلال على أبنائها. بالطبع، إنّ القصة ــــ كما يقدمها الشريط ــــ أكثر تركيباً من ثنائية الجلاد والضحية. (ليس صعباً ملاحظة بصمات المخرج نزار حسن ــــ منتج الفيلم ــــ على العمل).

يقدّم شريط «العودة إلى الذات» القصة بكل تناقضاتها، ولا تذهب الكاميرا بخلاصة مسبقة. كلام الشخصيات ــــ وأكثرها شخصيات فطرية ــــ يبرز المأزق الذي تعيشه، واللغة المرتبكة تصير أكثر وضوحاً مع أفراد من الجيل الجديد الذي يُظهر الشريط، من دون تبشير، بوادر وعيها المتجاوِز الذي ما عادت تنطلي عليه خديعة الأسرلة. إنها إذاً محاولة لكسر المصيدة.

المشروع الصهيوني اختطف جزءاً من أبناء فلسطين

يتناول الشريط قصة الشاب يامن زيدان، السجان السابق في سجون الاحتلال الذي قُتل شقيقاه المجندان في جيش الاحتلال الإسرائيلي، أحدهما قتل في جنوب لبنان والآخر في بيت لحم. ويحكي كيفية «عودته إلى ذاته»، بتأثير بعض الأسرى كسمير القنطار، ليصبح محامي دفاع عن الأسرى الفلسطينيين. ويرصد ردّة فعل محيطه، وخصوصاً العائلة، على هذه العودة التي لا تبدو أمراً سهلاً في مجتمع ما زال واقعاً في شباك التجنيد الإجباري في جيش الاحتلال.

على رغم هذا الخط العريض الإيجابي للقصة، ينقل الشريط المأزق الذي تعيشه الشخصيات، بين قتامة الواقع وتفاؤل الإرادة. وإن كان الشريط يدور في قرية في الجليل الفلسطيني المحتل مع أبناء الطائفة الدرزية، فإنه يشير إلى مأزق أوسع يتعدى الطائفة الدرزية إلى شعب شوّهت ستون سنة من الاحتلال بعض قسماته وملامحه، حيث آثار العنف الاستعماري الرهيب والسلخ الذي مارسته مؤسسة الاحتلال الإسرائيلي على هذا المجتمع.

لا نعرف إن كان عنوان كتاب أنور السادات الدعائي «البحث عن الذات» قد خطر في بال صنّاع الفيلم. لا علاقة طبعاً بين شريط بلال يوسف وموضوع الكتاب (سيرة حياة السادات، كما دبّجها في كتاب يقدّم لوصوله كبطل على «طريق السلام»)، لكنّ ثمة نوعاً من المقولة المقلوبة. إن كان كتاب السادات، في الحقيقة، إمعاناً في الهرب من الذات؛ فهذا الشريط يندرج في أكثر المواجهات ضراوةً مع الذات، وأكثرها شجاعة أيضاً، أي مواجهة التشوّهات التي صنعها العنف الاستعماري.

الأخبار اللبنانية في

04/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)