حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

السينما 2009.. آلام وتمرد وحلم

أحمد دعدوش

السينما المصرية ارتفعت فيها نسبة العنف

ينتج العالم حسب بعض الإحصاءات أكثر من أربعة آلاف فيلم سينمائي كل عام، بينما لا يصل منها إلا أربعون فيلما فقط إلى المنافسات النهائية في أكبر عشرة مهرجانات عالمية، أي أن نسبة الجيد إلى الرديء "التجاري" تبلغ حوالي 1% فقط، وقد ترتفع لتصل إلى 5% في عاصمة السينما العالمية هوليود، وبالرغم من ذلك فقد لا تتحقق هذه النسبة في ظل ما يشهده العالم من أزمات هذا العام!

حذر في هوليود

يبدو أن أزمة هوليود تزداد تفاقما يوما بعد يوم، فبعد إضراب المؤلفين قبل أكثر من سنتين بدأت الأزمة المالية بوضع بصمتها على كبرى شركات الإنتاج في هوليود، فانخفض الإنتاج بنسبة 24,5% في النصف الأول من العام، مما دفع إحدى الشركات إلى بيع ما لديها من مجسمات ومركبات فضائية سبق استخدامها في التصوير قبل سنوات، كما أبدى المنتجون حذرهم قبل الإقدام على أي مغامرة إنتاجية، وربما التوجه نحو الأفلام التجارية بدرجة أكبر لضمان الربح، ولعل هذا ما يفسر ظاهرة إنتاج أجزاء جديدة من بعض الأفلام التي حققت نجاحا تجاريا كبيرا في السنوات السابقة، ومنها على سبيل المثال: Night At The Museum، Terminator، Star Trek، X-Men، Fast And Furious، Ice Age، Harry Potter، Transformers، Underworld،Twilight ، Saw.. وقد حققت كل منها بالفعل أرباحا مقنعة.

وبنظرة سريعة على قوائم منتجات هوليود في نهاية العام نجد أن عدد أفلام الحروب قد تراجع عما كان عليه في العام الماضي بنسبة الخُمس تقريبا، بينما تراجع عدد أفلام كل من التشويق، والرعب، والجريمة، والحركة، وحتى الكوميديا والرسوم المتحركة إلى النصف.

النصف الممتلئ من الكأس!

بالرغم من ذلك، فقد حققت هوليود نجاحات قياسية هذا العام على الصعيد التقني، بدءا من تحفة شركة "ديزني" في فيلم التحريك "UP" الذي تم اختياره كفيلم الافتتاح لفعاليات الدورة الثانية والستين لمهرجان "كان" السينمائي، وهو الفيلم الذي صفق له أكثر من ألفي ناقد حول العالم بعد أن أبهرتهم تقنيات التحريك ثلاثي الأبعاد التي نقلتهم إلى عالم خيالي عبر النظارات الخاصة التي توزع على جمهور صالات العرض.

نقلة نوعية أخرى حققها فيلم (حيث توجد الكائنات الوحشية) "Where the Wild Things Are" حيث استخدمت للمرة الأولى كاميرات جديدة تسمح بدمج الممثلين مع الشخصيات المرسومة بتقنية ثلاثية الأبعاد في لقطة واحدة، وذلك أثناء التصوير، بينما كانت التقنيات السابقة تفرض على المخرج تصوير مشاهد الممثلين ثم دمجها لاحقا،عام الماضي بنسبة الخُمس تقريباً بالمشاهد الرسومية على الكمبيوتر، وقد أتاحت هذه التقنية الجديدة لمخرج فيلم التايتانك "جيمس كاميرون" تحقيق حلمه الذي تأجل منذ عام 1994 حين كتب مسودة سيناريو فيلمه الجديد "أفاتار" "Avatar"، ووجد حينها أن الفيلم سيكلف حوالي نصف مليار دولار؛ مما أجبره على الانتظار أملا في ظهور تكنولوجيا أكثر تقدما وأقل كلفة، وهو ما تحقق بالفعل باستخدام هذه الكاميرات، والتي أتاحت له بدقتها العالية أيضا التقاط تفاصيل لم تكن متاحة من قبل، ليشكل الفيلمان بذلك نقلة نوعية في تاريخ السينما.

من جهة أخرى، يحبس الجميع أنفاسهم الآن في هوليود ترقبا لإعلان قائمة المرشحين لجائزة الأوسكار في الثاني من فبراير، والتي ستتضمن عشرة مرشحين لجائزة أفضل فيلم بدلا من خمسة كما كان سابقا، وسيتم إعلان النتائج في أواخر شهر فبراير من العام الجديد، وبالرغم من قلة الإنتاج هذا العام فستكون المنافسة قوية بالفعل بين عدد لا بأس به من الأفلام التي فاقت التوقعات بإبداعها المتميز.

السينما المصرية.. عنف وفضائح

المنتجون العرب لم يكونوا بمنأى عن الأزمة التي أحاطت بعنق هوليود، فالإنتاج السينمائي والتلفزيوني كان أكثر تواضعا مما كان عليه في العام السابق، ولعل الحرص على الربح في ظل الأزمة هو السبب ذاته الذي دفع بالمنتجين العرب أيضا لإنتاج الأفلام التجارية حتى الهابطة.

شهدت السينما المصرية هذا العام موجة عنف غير مسبوقة، ويتفق الكثير من النقاد على أن فيلم "إبراهيم الأبيض" هو أكثرها دموية، والذي فاجأ فيه أحمد السقا جمهوره بشخصية "المجرم البطل" على الطريقة الأمريكية، بينما يبرر منتجو هذه الأفلام بشيوع ظاهرة العنف واهتمامهم المتزايد بقضايا المهمشين وسكان المناطق العشوائية، حيث يصبح العنف خبزا يوميا لدى هؤلاء.

أما المفاجأة الأكبر فكانت في زيادة جرعة التعري والإسفاف، خصوصا مع موضة انتقال عدد من مطربات "العري كليب" إلى الشاشة الكبيرة، وظهور بعض الفنانات "المحترمات" في مشاهد فاضحة غير مسبوقة في تاريخهن الفني، وتمكن بعض المخرجين من تمرير مشاهدهم الفاضحة فوق مقص الرقيب، ليبدأ بعض المحامين بتقديم الدعاوى القضائية كما هي العادة أملا في وقف عرض بعض الأفلام، ولكن دون جدوى.

لم تقتصر الجرأة على المشاهد الفاضحة، بل وصلت لدى البعض إلى تناول العديد من الموضوعات الحساسة كما هي العادة في السنوات الأخيرة، إذ ما تزال ستة أفلام عالقة بين المنتجين والجهات الرقابية أملا في الوصول إلى اتفاق يسمح لها بالخروج، وبنظرة سريعة على حيثيات الرفض نجد في أحدها مشاهد لعلاقات محرمة وزنى محارم، وفي فيلم آخر تدفع الأزمة الاقتصادية بالنساء المصريات وحتى المنتقبات منهن إلى امتهان الدعارة، كما تتكرر قصص الشذوذ الجنسي مرة أخرى في أحد الأفلام، ولكن بين طالبات الجامعة هذه المرة، بينما يكتفي فيلمان فقط بمعالجة قضايا سياسية جادة، حيث يطالب فيلم "أوباما" المشاهدين بالاعتماد على الذات في معالجة عقدنا السياسية العالقة دون انتظار الحل من البيت الأبيض، ويسخر فيلم "ابن الرئيس" من سياسة التوريث مما دفع بالرقابة لرفضه جملة وتفصيلا.

وكما هو حال المشاهير دائما، لم يسلم نجوم السينما العربية هذا العام من أخبار الفضائح وملاحقات المعارضين، ولعل تصريحات عادل إمام السياسية وموقفه المعارض لمظاهرات تأييد أهل غزة كانت من أكثرها بروزا وجذبا لاهتمام وسائل الإعلام منذ مطلع العام المنصرم، والتي فتحت الباب للنقاش الجاد حول مسئولية الفنان الاجتماعية والسياسية، وتأثير مواقفه تلك على نجاحه الفني، خصوصا بعد انتشار حملات المقاطعة لعادل إمام على شبكة الإنترنت.

سينما تبحث عن جمهور

لم تكن السينما العربية خارج مصر أحسن حالا، فالمنتجون السوريون ما زالوا يحجمون عن الإنتاج السينمائي لعدم جدواه التجارية مقارنة بالدراما التلفزيونية السورية التي تتخطفها الفضائيات العربية، بينما تبقى أعمال المغاربة حبيسة حدودها كما هو حال العلاقات الثقافية شبه المقطوعة بين مشرق الوطن العربي ومغربه، أما السينما الخليجية فلم تحقق هذا العام ما تنبأ به الكثيرون من صعود متواتر في السنوات الأخيرة، وبين المشرق والمغرب يكاد المأزق نفسه يتكرر مع ضعف التمويل وإحجام الجمهور عن ارتياد دور العرض لتأثر الجميع بالأزمة الاقتصادية.

أما المهرجانات السينمائية العربية فتفاوت أداؤها بين تراجع وتقدم، فمن الثناء الذي حظي به كل من مهرجان الخليج السينمائي في دبي ومهرجان دمشق، والبذخ المفاجئ في مهرجان دبي السينمائي الذي يعد الأول عربيا والعاشر عالميا بالرغم مما يقال عن أزمة ديون دبي، إلى الجمود في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي بأبو ظبي في دورته الثالثة وقلة الحضور، وصولا إلى عجز مهرجان القاهرة السينمائي عن إقناع المخرجين المصريين بالمشاركة باستثناء المخرج مجدي علي الذي أنقذ المهرجان بالمشاركة في اللحظات الأخيرة، وتحول المهرجان إلى مظاهرة سياسية للاحتجاج على استضافة الجزائر في المهرجان بعد المواجهة الدامية بين فريقي البلدين لكرة القدم، وهو ما تجسد بمقاطعة الكثير من الفنانين المصريين للمهرجان وحضور البعض بالملابس السوداء، فضلا عن التصريحات الإعلامية المناوئة لكل ما هو جزائري!!

المهرجان الدولي للسينما الإسلامية "المنبر الذهبي" في قازان عاصمة تترستان لم يكن أفضل حظا، فبالرغم من عقد دورته للمرة الخامسة في شهر أكتوبر الماضي فإنه لم ينجح حتى الآن في إقناع النقاد بهويته الإسلامية، خصوصا مع احتفائه هذا العام بفيلم "إسرائيلي".

أما أسبوع الفيلم الإسلامي الذي عقد في شهر ديسمبر في كوالالمبور فلم يحظ بأي اهتمام إعلامي عربي، مما يشير إلى فشله في وصوله إلى الجمهور، بل يعزز تشاؤم الكثيرين من وجود سينما إسلامية حقيقية حتى مع نضج التجربة الإيرانية.

السينما السعودية شهدت هذا العام أحداثا تاريخية، حيث أعلنت شركة روتانا عن إنتاج أول فيلم سينمائي سعودي "مناحي"، وسعت إلى عرضه في صالات غير مخصصة للعرض السينمائي نظرا لغياب دُور السينما في المملكة، مما أحدث جدلا فكريا ودينيا انشغلت به وسائل الإعلام التي تشهد منذ أعوام صراعا مستمرا بين الإسلاميين والليبراليين، ولكن هذه الأزمة أخذت أبعادا أكبر من سابقاتها نظرا لمساسها باهتمامات الشارع، حيث شهدت حملات الإنترنت أكثر نزالاتها سخونة بين استفتاءات مؤيدة لإنشاء دور العرض وبين حملات المقاطعة من قبل الفريق الآخر.

ولم تحسم هذه المعركة إلا بتدخل رسمي مع إعلان وزارة الداخلية السعودية منع أي عرض سينمائي في المملكة، وذلك قبل ساعات فقط من افتتاح مهرجان جدة السينمائي الرابع بالرغم من وصول معظم المشاركين القادمين من الخارج، وعزا البعض هذا القرار إلى تبني "روتانا" لدورة هذا العام كجزء من خطتها للتطبيع مع ثقافة السينما عرضا وإنتاجا في المجتمع السعودي.

الفيلم الوثائقي.. الخاسر الأكبر

الأزمة العالمية تركت بصمتها بصورة أوضح على صناعة الفيلم الوثائقي هذا العام، وهو أمر يمكن فهمه بسهولة؛ نظرا لطبيعته الثقافية وغير الترفيهية، وبالرغم من تنوع تصنيفات الفيلم الوثائقي فإنه يمكننا الفصل بين صنفين رئيسيين هما السينمائي والتلفزيوني، حيث يميل الأول إلى النخبوية بينما يقترب الثاني من التقارير التلفزيونية، ولا شك في أن كلا منهما أبعد ما يكون عن تحقيق شروط العمل التجاري القادر على الصمود في ظل الأزمات الاقتصادية.

بالرغم من ذلك فقد أبدع المخرجون هذا العام عددا لا بأس به من الأفلام الوثائقية التي لن تنسى، وقد تأتي في مقدمتها السلسلة الوثائقية (كوكب الأرض) "Planet Earth"  بأجزائها الخمسة، وهي من إنتاج مشترك لكل من "ديزني"، "BBC" وقناة "ديسكفري"، وتعد العمل الوثائقي الأضخم عن كوكبنا، حيث تكلف إنتاجها أكثر من 32 مليون دولار، واستُخدمت في تصوير مشاهدها النادرة تقنيات حديثة للتصوير الجوي والتصوير عن بعد للحصول على لقطات واقعية بأقل قدر ممكن من التدخل البشري.

هناك أيضا أفلام وثائقية قيمة مثل فيلم (طعام) "Food" الذي تكلف إنتاجه حوالي 4,4 ملايين دولار، ويكشف كواليس شركات إنتاج المواد الغذائية في الولايات المتحدة التي تقوم بتسليع الغذاء كأي سلعة أخرى بحثا عن أكبر وأسرع ربح ممكن، كما يتعرض الفيلم للتغطية السياسية التي تحتاج إليها هذه الصناعة.

أما الفيلم الوثائقي الوحيد الذي تمكن هذا العام من منافسة الأفلام الروائية في دور السينما فلم يكن سوى فيلم ترفيهي يوثق التجربة الفنية لنجم البوب "مايكل جاكسون" ويحمل اسم "This Is It"، والذي تكلف إنتاجه أكثر من 72 مليون دولار، وحقق أرباحا تزيد على 250 مليون دولار، وذلك قبل إطلاقه على أقراص DVD، وهي أرقام لا تحتاج إلى تعليق!

على الصعيد العربي، ما زال الفيلم الوثائقي يسعى جاهدا للبحث عن جمهور، وما أصعبها من مهمة في مجتمعات تقترب نسبة الأمية لدى سكانها من النصف، فالمهرجانات الوثائقية العربية لا تكاد تستقطب أي اهتمام جماهيري يذكر، ولولا اهتمام القنوات الفضائية الإخبارية بهذا النوع من الأفلام -والتي غالبا ما تقترب من التقرير التلفزيوني- لبقيت حبيسة المهرجانات النخبوية.

ولعل أبرز أحداث الإنتاج الوثائقي لعام 2009 تدشين موقع قناة الجزيرة الوثائقية مع مطلع هذا العام، والذي يتضمن مجلة فصلية ومقالات وتغطيات إخبارية تهتم بالإنتاج الوثائقي في العالم كله، ويسد فراغا مهما في الصحافة العربية المتخصصة والمعنية بهذا الفن الراقي.

ختاما.. قد يكون عام 2009 عاما تذكاريا لعشاق السينما في العالم، فمن الأزمة الاقتصادية وإفلاس المنتجين إلى ارتفاع مبيعات التذاكر هربا من واقع الديون والإفلاس، ومن تراجع الترفيه إلى صعود أفلام الكوارث ونهاية العالم، ومن تكرار هوليود لنفسها بإعادة إنتاج الأفلام القديمة وإصدار أجزاء لسلاسل متلاحقة، إلى تمرد السينمائيين العرب على الواقع والمقدس، ومن سقوط هوليود في سوداوية الشك والتشاؤم إلى تململها من النقد التقليدي للإرهاب والإسلام وكل ما يمت إلى حقبة بوش الدامية بصلة.. بين هذا وذاك تنوس الشاشة الكبيرة بين مرآة لواقع مؤلم وبين حلم افتراضي تُخدر فيه العقول والمشاعر بحثا عن لحظة سعادة عابرة.

صحفي سوري مهتم بالشأن الثقافي

إسلام أنلاين في

03/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)