حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أكثر من مئة عام على أفلام الويسترن منذ "سرقة القطار الكبرى"

الصورة الأبلغ لأميركا المقسومة بين الخير والشر والواقع والأسطورة

ريما المسمار

مر أكثر من مئة عام على صناعة فيلم الويسترن. وعلى الرغم من ان بدايات النوع ظهرت بوادرها منذ نهاية العقد الاخير من القرن التاسع عشر، تحديداً العام بفيلم توماس اديسون CRIPPLE CREEK BARROOM، الا ان هناك اجماعاً على اعتبار فيلم ادوين س. بورتر "سرقة القطار الكبرى" THE GREAT TRAIN ROBBERY شريط الويسترن الاول في تاريخ السينما لأسباب عدة سنوردها لاحقاً. أُنجز الفيلم العام .

الويسترن

"الويسترن" أو "الغربيَّة"، بحسب الترجمة العربية، تسمية تُطلق على الروايات التي تصور الحياة في الاقاليم الغربية الاميركية. و"الغربي" هو الفيلم السينمائي أو التلفزيوني الذي يقدم هذه الصورة على الشاشة. اصطُلح على تسمية هذه الافلام "الويسترن" أو "أفلام الغرب القديم". يمكن اعتبار "الويسترن" النوع الاول والاساسي في صناعة الفيلم الاميركي، يقوم على مديح يشوبه حنين إلى الايام الخوالي لاميركا الشاسعة الشرسة. وهو أيضاً أكثر الانواع السينمائية استمرارية وتشعباً وتأصلاً بالتاريخ الاميركي بما هو مزيج من الواقع والخيال. تمحور حول "الغرب الاميركي" أو "الغرب القديم" وهو ما يُعرف بالمناطق الواقعة غربي نهر الميسيسيبي شمالي أميركا. وتناولت افلام الويسترن أحداثاً جرت بمعظمها في القسم الاخير من القرن التاسع عشر ( ـ ) في مناطق الغرب ذات الطبيعة الريفية والاراضي الشاسعة الممتدة. ولكن ثمة تعريفاً اشمل للغرب الاميركي هو مزيج الواقع والاسطورة للمنطقة الاميركية الممتدة غربي نهري الميسيسيبي وميزوري إبان القرن التاسع عشر وكل ما اتصل بها في الماضي والحاضر. انه ليس مكاناً أو زماناً محدداً بل حالة ذهنية عامة.

في كتابه "الارض العذراء: الغرب الاميركي كرمز وأسطورة" VIRGIN LAND: THE AMERICAN WEST AS SYMBOL AND MYTH الصادر عام ، يعتبر هنري ناش سميث ان الاسطورة تتجلى بقوتها العظمى في السينما. لعل واحداً من الاسباب التي أسهمت في تحول "الغرب القديم" اسطورة هو ان السينما غذتها من خلال مجموعة عناصر. ولكن السبب الاول هو ان بدايات أفلام الويسترن تقاطعت مع نهايات الغرب الاميركي. بمعنى آخر، توفرت عناصر الاسطورة منذ البداية حيث اصبحت السينما شاهدة في شكل ما على ذاكرة تتهاوى ومسؤولة عن تسجيلها وحفظها. بهذا المعنى، تبرز سينما الويسترن كنوع سينمائي فريد شهده القرن العشرون لاقترابه الزمني والجغرافي من التاريخ الذي يتحدث عنه. يعزز هذا الاحساس ان بدايات سينما الويسترن قامت على عنصر هام هو تمويه الحد الفاصل بين التاريخ والاسطورة من خلال استعانتها برعاة بقر حقيقيين لأدوار تمثيلية، وخارجين على القانون كمخرجين ومناظر طبيعية كديكورات للافلام. كان ذلك في السنوات الاولى من عمر سينما الويسترن، قبل دخول الصوت إلى السينما. من دون ان تقصد، تحولت السينما الصامتة الوسيط الأنسب لأفلام الويسترن لانه بغياب الصوت، كانت الغلبة للحركة التي تشكل الاساس في هذا النوع. ولكن يجمع مؤرخون ونقاد سينمائيون على ان توقيت ظهور هذه الافلام، أي العقد الاخير من القرن التاسع عشر، أسهم في شكل أساسي في تشكيل الاسطورة. فالجمهور الاميركي في تلك المرحلة كان في معظمه من المهاجرين الجدد المفتقدين التاريخ الذي يربطهم بأرضهم الجديدة. عن هذا، كتب الشاعر الاميركي فاتشل ليندساي العام محللاً علاقة المتفرج بأفلام الويسترن:

"هو يشاهد أناساً غرباء (على الشاشة) فيبدأ بملاحظة كيف يشبهونه؛ يرى شجاعة وطموحاً وصراعاً فيبدأ بفهم نفسه. يأتيه الاحساس بأنه شقيق (أولئك على الشاشة) في سلالة تقودها أحلام كبرى."

البدايات

قبل افلام الويسترن، وُجدت رواية الويسترن إذا جاز التعبير التي سُميت "دايم" DIME اي "روايات عشر السنتات" في اشارة إلى قيمتها الادبية المعدومة وانما من دون ان تخلو من عنصر الاثارة. في بداياتها، كانت أفلام الويسترن امتداداً لهذه الروايات التي كانت في معظمها تصويراً رومنطيقياً لشخصيات واقعية مثل وايت ايرب ووايلد بيل هيكوك وبافالو بيل كودي وآخرين. اللافت ان اولئك شاركوا في صناعة النوع من قريب أو من بعيد حتى ان جون فورد كان يستعين بايرب مستشاراً في افلامه. برغم ان محاولات من طراز "عروض الغرب المتوحشة" و"رقصات الشبح الهندي" ظهرت في اواخر القرن التاسع عشر، الا ان "سرقة القطار الكبرى" الذي اطلق العام اعتُبر الويسترن الاول الذي فتح الباب امام نوع سينمائي قُدِّر له ان يعيش دائماً. السبب الرئيسي وراء ذلك هو تقديم شريط بورتر الاسلوب السردي للمرة الاولى في تاريخ السينما مما اكسبه لاحقاً لقب "أبو الفيلم القصصي". خلال عشر دقائق هي مدة الفيلم، قدم الفيلم العناصر الاساسية لسينما الويسترن: المناطق الغربية كمسرح للاحداث، الطيبين، الاشرار، السرقة، المطاردة... في المشهد الاخير من الفيلم، قدم بورتر اللقطة الكبيرة (CLOSE _ UP) للمرة الاولى لرجل (جورج بارنز) يحمل سلاحاً ويصوبه باتجاه الكاميرا، اي الجمهور، ويطلق النار. حقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً كبيراً ودخل بعض مشاهده فولكلور الويسترن كالرجل الذي يرقص بينما يُطلق الرصاص بين رجليه. لا بد هنا من الاشارة إلى أن التطوّر في الجانب التكنولوجي الذي شهدته صناعة السينما بين و تحديداً هو الذي سمح بظهور السرد في السينما. قبل هذا العام، لم يتجاوز طول الفيلم الخام الخمسين قدماً في حين ان المخرج كان يحتاج الف قدمٍ ليتمكن من تقديم خمس عشرة دقيقة من السرد. بالفعل، فإن العام شهد هذا التطور. شريط بورتر كان حجر أساس في السينما من نواحٍ عدة: استخدام بطاقات لتقديم اسماء العاملين في الفيلم، اللقطة المتحركة افقياً (PAN-SHOT)، المونتاج. حتى ان أحد ممثليه جيلبرت اندرسن اتخذ لنفسه في ما بعد اسم برونكو بيلي اندرسن وأصبح بطل الويسترن الاول جامعاً معادلة الطيب ـ الشرير في آنٍ معاً. تكرست أفلام الويسترن وتدافع
المنتجون لتبنيها فكان توماس اينس المنتج الاول الذي يحتضن النوع والمسؤول عن اكتشاف وتشجيع المنتج والمخرج ويليام س هارت من خلال افلام من نوع "مفاصل جهنم"
HELL'S HINGES () و"العربة الضيقة" THE NARROW TRAIL (). مع الانتقال إلى كاليفورنيا وبداية تشكل هوليوود، أفاد الويسترن ولقي دفعة إلى الامام. لم يكن ذلك بمستغرب إذ أن النجاح كان مقدراً له: يستعين بالاماكن الطبيعية، يقوم على حبكة بسيطة وحركة، يقدم شخصيات حقيقية وتاريخاً حديثاً. غير أن مساهمات د. دبليو غريفيث بافلام مثل "آخر قطرة ماء" () ولاحقاً "مولد أمة" () الذي تسبب بوضعه في خانة العنصرية إلى افلام سيسيل ب دو ميل سيما THE SQUAW MAN () ولاحقاً جايمس كروز بـTHE COVERED WAGON () وجون فورد بـTHE IRON HORSE ()، هذه الافلام هي التي عززت الويسترن وجعلته قبلة المخرجين وجواز دخولهم إلى السينما. من المفيد القول ان THE COVERED WAGON كان الفيلم الأغلى كلفة في فترة السينما الصامتة، بلغت موازنته ألف دولار ولكنه حقق أربعة ملايين على شباك التذاكر.

الويسترن الناطق

شهدت أواخر العشرينات انتاج أول فيلم ويسترن ناطق، أو ما اصطُلح على اعتباره أول فيلم ناطق أنتجه استديو كبير هو فوكس. انه "في اريزونا القديمة" () لراوول والش الذي جلب جائزة الاوسكار الاولى للويسترن ذهبت إلى بطله وارنر باكستر في دور "سيسكو كيد" وأفقد المخرج احدى عينيه. العام التالي شهد ويسترن آخر ناطق هو "الفيرجيني" THE VIRGINIAN () لفيكتور فليمينغ الذي قدم غاري كوبر. في العام نفسه، قدم والش THE BIG TRAIL الذي قدم جون واين في دور البطولة ولكن الفيلم لم يحقق نجاحاً يُذكر. في العام ، خرج CIMARRON لمخرجه ويزلي ريغلز مصوراً بأسلوب ملحمي التدفق السكاني الذي شهدته اوكلاهما وبإنتاج ضخم تطلب مئات الكومبارس. حاز الفيلم أوسكار افضل عمل وبقي الويسترن الأوحد الفائز بالاوسكار حتى التسعينات من القرن الماضي التي شهدت فوز فيلمي ويسترن معاصرين بالجائزة، "الرقص مع الذئاب" DANCES WITH WOLVES () لكيفن كوسنر وUNFORGIVEN () لكلينت ايستوود. كان من الطبيعي ان يشهد الويسترن تراجعاً في عقد الثلاثينات في فترة الكساد الاقتصادي وصعود الفاشية في أوروبا التي حولت الاهتمام إلى موضوعات اكثر آنية وجدية. تراجعت الانتاجات الضخمة مما أفسح المجال أمام أفلام الدرجة الثانية B _ MOVIES والتي بدورها شكلت مسرح تجارب لممثلين مبتدئين آنذاك مثل جون واين. لم يخلُ هذا العقد من الافلام الجيدة ومن افراز النجوم. والاس بيري كان واحداً من النجوم الذين ظهروا في تلك الآونة بفيلم VIVA VILLA () وباربرا ستانويك بفيلم جورج ستيفنز ANNIE OAKLEY () وراندولف سكوت في الاقتباس الاول لجايمس فانيمور كوبر THE LAST OF THE MOHICANS (). كذلك قدم دو ميل أفلاماً عدة أشهرها THE PLAINSMAN () مع غاري كوبر وUNION PACIFIC ().

ملامح عامة

اكتملت في هذه المرحلة الملامح العامة المشتركة لأفلام الويسترن وأبرزها:

@ في المكان: البراري الشاسعة الجرداء هي مسرح الاحداث.

@ في الموضوع: محاولة الابطال الاستيلاء على البراري وإخضاع الطبيعة باسم المدنية أو مصادرة أراضي السكان الاصليين المتاخمة للحدود

@ في الامكنة: تظهر في معظم افلام الويسترن بيوت المزارع، السجن، الحصن المهجور، شارع البلدة الصغير الرئيسي، شجرة الاعدام، المقامرون، المومسات...

@ في الحبكة: هناك دائماً في معظمها حبكة كلاسيكية تقوم على صراع الاضداد مثل: الطيب ضد الشرير، الفضيلة ضد الرذيلة، القبعة البيضاء ضد القبعة السوداء، الوافدون الجدد ضد السكان الاصليين، الانسانية في مواجهة الطبيعة، المدنية ضد التوحشية وغيرها.

@ في الاحداث: غالباً ما تتضمن القتل، المجازر، سرقة المصارف...

@ في الشخصيات: البطل في الويسترن هو رجل قانون أو شرطي أو مزارع أو راعي بقر أو عسكري أو مبارز محترف ومن صفاته الشجاعة والقوة والقسوة والتمسك بالمبادئ والمهارة في القتال والتفرد بطريقة اللبس والأكل والمشي والكلام . وهو يجد نقيضه في البطل الشرير.

على امتداد تاريخها، أثارت أفلام الويسترن نقاشاً حاداً بسبب الصورة السلبية التي قدمتها عن الهنود او ما يُعرف بالسكان الاصليين. يقول أحد النقاد: "ببساطة، احتاج الويسترن تهديداً ما ليشرّع وجوده." يبدو انه وجد هذا التهديد في الهندي الذي قُدم غالباً في صورة المتوحش المتعطش إلى الدماء. كان من اثر ذلك ان تم التغاضي عن المجازر التي ارتُكِبت في حق الهنود بتحولهم من خلال الويسترن رمزاً للشر يجب القضاء عليه. تبقى هذه الناحية مقلقة من دون اجابة بالنسبة إلى هواة الويسترن سيما ان أحد أبرز صناعه، جون فورد، غير بريء من التهمة. تغيرت النظرة قليلاً إلى الهنود في فترة الستينات الاكثر ليبرالية حيث تحولت العنصرية مادة نقاش لعدد من الافلام وحيث بدأت أسطورة الغرب تتفكك والشخصيات المنمطة تتغير. ولكن الفيلم الذي ضرب عرض الحائط بكل ما سبقه من حيث صورة الهنود كان شريط كيفن كوسنر DANCES WITH THE WOLVES () الذي اختار الهندي لدور البطل الطيب. وتجدر الاشارة إلى انه في المرحلة الاولى للويسترن، لعب ممثلون بيض أدوار الهنود بينما كان الاخيرون يظهرون ككومبارس في الافلام. ولكن حتى قبل ذلك، برزت محاولات قليلة خارج النمط منها فيلم سام فولر RUN OF THE ARROW () مع رود ستايغر في دور جندي سابق، يلتجئ إلى قبيلة هندية ويقع في حب احدى نسائها. حتى جون فورد حاول في آخر فيلم له CHEYENNE AUTUMN () ان يقدم نظرة متسامحة عن الهنود. إذا كان الهنود هم الاشرار الذين يتوجب على بطل الويسترن منازلتهم، فإن المرأة هي في معظم افلام الويسترن هي الدافع بما تمثله من تجسيد لمبادئ الحب والتسامح. بعض الافلام قدم المرأة كخلاص للبطل كما في "مفاصل الجحيم" (). ولكن السمة الغالبة للمرأة في الويسترن هي ربة المنزل، وان كانت بعض الافلام خرجت عن هذه الصورة بتقديمها المرأة شرطية مثلاً كما في daring days أو وزيرة كما في gallophng gallagher أو مقاتلة تخضع الاشرار كما في arizona cat claw. نادراً ما لعب الرجل والمرأة دورين متساويين في الويسترن. فالاخير هو في تعريفه الشامل تعبير عن علاقة الرجل بكل ما يحيط به من أرض وطبيعة وحيوانات ورجال ونساء بطبيعة الحال.

"المدرب": محطة

مع نهاية العقد الثالث من القرن العشرين، عاد الويسترن إلى الصدارة وكانت الفاتحة بفيلم جون فورد العلامة "المدرب" STAGECOACH العام الذي، إلى جانب فيلم هنري كينغ JESSE JAMES، اعاد احياء الويسترن وأصبح في ما بعد من كلاسيكيات سينما الويسترن. اعتُبر الفيلم عاملاً مؤثراً في سينما الويسترن على أصعدة عدة وكان الاول الناطق لمخرجه مع جون واين في الدور الاساسي. مع هذا الفيلم، عاد الويسترن إلى الدرجة الاولى. يُذكر الفيلم باعتماده نفساً ملحمياً وتركيزه على الشخصيات والمزاج العام واستخدامه جوارات ذكية بين الابطال وتقديم ديكورات متجددة وأكشن متقن في واحد من أبرز مناطق الغرب الاميركي "مونيومنت فالي". جعل الفيلم من واين نجماً على الرغم من انه استغرق عقداً آخر ليصل إلى النجومية المطلقة. في العام نفسه، أنجز فورد YOUNG MR. LINCOLN مع هنري فوندا وفي العام التالي DRUMS ALONG THE MOHAWK مع فوندا ايضاً وكلوديت كولبرت. إلى واين، برز نجم ايرول فلين من خلال ثلاثة أفلام لمايكل مورتيس: DODGE CITY ()، VIRGINIA CITY () وSANTA FE TRAIL () الذي ظهر فيه رونالد ريغن بدور الجنرال كاستر. شاركته البطولة النسائية في هذه الافلام أوليفيا دي هافيلاند. حتى الاربعينات، عكست أفلام الويسترن البراءة النسبية لتلك المرحلة وتعززت فيها الشخصيات المنمطة وجانب الاسطورة. غير أن الاربعينات دفعت بالويسترن إلى تخوم أكثر جدية. للمرة الاولى منذ بروز النوع، دخل الجنس عاملاً رئيسياً كما في فيلمي OUTLAW وDUEL IN THE SUN. أخرج الاول هاورد هيوز واشتهر الفيلم بتقديمه صوراً قريبة لصدر جاين راسل نصف العاري. اعتُبر الفيلم وقتذاك جريئاً وتأجل عرضه سنتين حتى العام ولكن بعد عشرة ايام سحبه المخرج ووضعه على الرف حتى العام حيث عُرض بعد حذف بعض المشاهد. اما الثاني فقد اخرجه كينغ فيدور العام وتناول قصة حب ثلاثية أبطالها جينيفر جونز وجوزيف كوتن وغريغوري بيك. إلى الجنس، وجدت عناصر الـ FILM-NOIR طريقها إلى الويسترن في أواخر الاربعينات والخمسينات. أبرز مثالين هما PURSUED () لراوول والش مع روبرت ميتشوم في دور شاب يبحث عن قتلة والده وBLOOD ON THE MOON () لروبرت وايز. خلال الخمسينات، برزت سلسلة افلام "ويسترن نوار" أخرجها انتوني مان ولعب بطولتها جايمس ستيوارت والتي اتخذت منحىً نفسياً تحليلياً لم يعهده النوع من قبل. ركز مان في هذه الافلام الثمانية على موضوعات الانتقام والوحدة والعذاب والضياع التي تجتمع في شخصية المنتقم. من هذه الافلام WINCHESTER '73 ()، BEND OF THE RIVER وTHE NAKED SPUR ()، THE FAR COUNTRY وTHE MAN FROM LARAMIE (). بقي جون فورد في مساحته الرومنسية مع أفلام من نوع MY DARLING CLEMENTINE ().

بين و، قُدِّمت أفلام ويسترن مميزة ناضجة: RED RIVER () لهاورد هوكس مع واين؛ THE GUNFIGHTER () مع غريغوري بيك؛ HIGH NOON () لفريد زينمان مع كوبر الذي تناول في الخلفية قصة نشاط الجمعية الاميركية ضد الاشتراكية؛ SHANE () لجورج ستيفنز مع آلان لاد؛ ثلاثية جون فورد الفروسية FORT APACHE، SHE WORE A YELLOW RIBBON وRIO GRANDE. اختتم جون فورد هذه الحقبة الذهبية بفيلمه THE SEARCHERS () الذي يعتبره بعضهم اعظم فيلم ويسترن مع واين في دور ايثان ادواردز الباحث عن ابنة اخيه التي خطفها الهنود. تجدر الاشارة إلى ان واين بهذا الفيلم اعاد الويسترن إلى سابق عهده إذ نُقل عنه انه كره ليبرالية HIGH NOON ولكنه مع ذلك قدم الاوسكار إلى غاري كوبر.

الافول

واجه الويسترن تحديات جديدة في مطلع الستينات. بدأ نجومه الكبار من أمثال واين وكوبر وستيوارت يشيخون وسرق التلفزيون الذي اجتذب افلام الدرجة الثانية وانتج سلسلات ويسترن عدداً كبيراً من جمهور الافلام. غير ان فيلماً واحداً استطاع ان يقلب المعادلة. انه THE MAGNIFICENT SEVEN لجون ستورجز المأخوذ عن THE SEVEN SAMURAI () للياباني اكيرا كوروساوا. جمع الفيلم يول برينر في دور البطولة إلى ستيف ماكوين، جايمس كوبورن، تشارلز برونسون، روبرن فون، هورست بولتشولز وبراد دكستر وحقق نجاحاً كبيراً في أوروبا مبرهناً ان بإمكان الويسترن ان يتوجه إلى جمهور عالمي. في هذا الوقت، كان سام بيكينباه ينعى الغرب الاميركي اولاً في RIDE THE HIGH COUNTRY () مع جويل ماكريا وراندولف سكوت الذي اعتُبر مشهده الاخير اعلاناً صريحاً لموت الغرب حيث يقول ماكريا: "كل ما اريده ان ادخل بيتي بريئاً." وثانياً وبشكل صريح في فيلمه الآخر THE WILD BUNCH (). بمشاهد المعارك المبطأة وبدمويته وعنفه، مهد الفيلم لأفلام الجرائم المدينية ومعارك السلاح في الازقة التي ظهرت في السبعينات. حتى ان بعضهم اعتبر فيلم بيكينباه رمزاً لحرب فييتنام. في هذه الاثناء، توجهت الانظار إلى ويسترن الايطالي سيرجيو ليوني التي أطلق عليها "سباغيتي ويسترن" مع كلينت ايستوود التي انجزت منتصف الستينات ولكنها لم تُعرض في أميركا حتى العام . أدخل ليوني بعض التعديلات على الويسترن أولها الاسلوب الاوروبي الاعنف والاقسى في تصويره الحياة في الغرب، ثم الموسيقى من اينيو موريكون وبالطبع النجم التلفزيوني كلينت ايستوود في هيئة البطل المغامر الساخر والمقاتل الذي يمضغ السيكار. على الرغم من ان هذه الافلام نزعت الهالة الاسطورية عن الويسترن، الا انها اعادت احياء النوع حتى اواخر الستينات. من هذه الافلام: A FISTFUL OF DOLLARS ()، FOR A FEW DOLLARS MORE ()، THE GOOD, THE BAD AND THE UGLY (). إلا أن أبرز أفلام ليوني هو بحكم كثيرين ONCE UPON A TIME IN THE WEST () مع هنري فوندا في دور البطل الشرير الذي لم يكن قد جسده من قبل. في العام نفسه، قدمت هوليوود BUTTCH CASSIDY AND THE SUNDANCE KID بمزيج من المديح للغرب والواقعية. إلا أن الدور الحقيقي لعبه ايستوود الذي بدا البديل لجون واين. بعد عمله في التلفزيون لسبع سنوات، انتقل إلى اميركا حيث لعب أدوار البطولة فيHANG THEM HIGH () لتيد بوست وفي COOGAN'S BLUFF () لدون سيغل قبل أن يصبح مخرج ويسترن بفيلم HIGH PLAINS DRIFTER () الذي أحيا فيه صورة البطل التي جسدها في الـ "سباغيتي ويسترن". افلام اخرى تبعت من ايستوود ابرزها THE OUTLAW JOSEY WALES () وBRONCHO BILLY () وPALE RIDER (). عند محاولة واين الاخيرة في الويسترن من خلال THE SHOOTIST، بدا ايستوود الوحيد القادر على حمل الويسترن حتى العام . بالطبع، لم يعد الويسترن على حاله حتى مع ايستوود سيما من حيث انتاجه بأعداد ضئيلة. ولكن يمكن الجزم بأنه لم يذوِ أبداً. فما ان بدا انه غاب تماماً، حتى جاءت التسعينات حاملة DANCES WITH WOLVES وUNFORGIVEN وكلاهما حاز أوسكاراً لأفضل فيلم. منذ ذلك الحين، غاب الويسترن من دون ان يختفي اثره من أفلام كثيرة مبرهناً انه متأصل في الروح الاميركية وفي التقليد السينمائي الاميركي فكان هناك MAVERICK () في اطار كوميدي وTHE WILD WILD WEST () وSHANGHAI NOON () مع جاكي شان في محاكاة ساخرة لجون واين.

 

أبرز مخرجي الويسترن

[ جون فورد:

من اكثر المخرجين الذين التصقت اسماؤهم بالويسترن. وكان يؤكد ذلك في كل مرة يعرّف عن نفسه إذ اشتهر بالقول: "اسمي جون فورد. اصنع الويسترن". اخرج فورد بعض افضل افلام الويسترن على الاطلاق إلى عدد من الدرامات الاجتماعية. من مميزاته انه امتلك نظرة شعرية وجمع بين اسطورة الغرب القديم وبين التاريخ الاميركي محتفياً بعظمة الاخير. من افلامه غير المذكورة في المقالة: "عناقيد الغضب"، "كم كان واديَّ اخضر"، "طريق التبغ"، "سيد العربة" وغيرها.

[ انتوني مان:

يعتبره النقاد مخرج الويسترن المغبون الذي لم ينل حقه من الاعتراف. شكل ثنائياً مع الممثل جايمس ستيوارت في سلسلة افلام ويسترن قدمت البطل في صورة مغايرة أكثر حدة وسوداوية، يسكنه هاجس من ماضيه. إلا أنه كان يجد الخلاص في النهاية. من أعماله: "المشادات"، "المدينة البعيدة"، "رجال في الحرب"، "رجل الغرب".

[ سام بيكينباه:

ولد الويسترن المشاغب كما لُقِّب. بدأ عمله في التلفزيون في سلسلات الويسترن قبل ان ينتقل إلى السينما بفيلمه الناجح ride the high country العام . كان موضع نقاش بين مخرجي جيله والنقاد بسبب أفلامه التي لمّحت إلى موت الغرب. وكان إلى جانب سيرجيو ليوني الرجل الذي أحيا الويسترن في أواخر الستينات. برغم ان أفلامه الاخيرة قدمت العنف، إلا أنه في الصميم اعتُبر خلف جون فورد. من أفلامه: "اجلب لي رأس الفريدو غارسيا"، "كلاب تائهة"، بات غارنيت وبيلي الولد".

[ سيرجيو ليوني:

اعاد احياء الويسترن منتصف الستينات وقدم رمزاً جديداً بعد موت القدامى أو تقدمهم في السن هو كلينت ايستوود. تأثر بجون ستورجز، سيما بفيلمه "السبعة الرائعون". ألهمته موسيقى اينيو موريكون وحققت افلامه جماهيرية كبرى. هواة النوع التقليديون كانوا أقل تأثراً بأفلامه إلى أن قدم "حدث ذات مرة في الغرب" مع هنري فوندا، تشارلز برونسون وكلوديا كاردينالي الذي صوره في مونيومنت فالي. في تحليل كثيرين، وضعه هذا الفيلم على طريق جون فورد الذي كان على أي مخرج ويسترن ان يسلكه.

 

.. وأبرز نجومه

[ جون واين:

ممثل حاز شهرة بمقاييس خرافية وساهم في بلورة الويسترن بشكل حقيقي وفاعل. مع stagecoach، أُعلنت ولادته كنجم إلا أن تكريس النجومية استغرقه عشر سنوات أخرى. بعدها، لم يكن شيء ليوقفه أبداً. حتى جون فورد صاح بعد مشاهدته "النهر الاحمر" لهاورد هوكس الذي لعب واين بطولته: "لم أكن أتصور ان ابن السافلة قادر على مثل هذا الاداء!"

[ غاري كوبر:

من ممثلي الويسترن الاوائل، انطلق بفيلم the virginian من اخراج فيكتور فليمينغ وجسد لثلاثة عقود متتالية شخصية البطل النزيه بمشيته البطيئة ولكنه قدم أيضاً أدواراً في أفلام كوميدية. أبرز أفلامه high noon الذي قدمه في شخصية أعمق.

[ جايمس ستيوارت:

قبل العام ، كان ستيوارت قد ظهر في فيلم ويسترن يتيم هو destry rides again. بعيد الحرب العالمية الثانية، قرر ان يغير صورته. وجد ضالته في أفلام المخرج انتوني مان الذي منحه فرصة ان يتحول من البطل اللطيف إلى هستيري عنيف. إلا أنه نضج تماماً مع أفلام فورد في الستينات.

[ هنري فوندا:

استطاع ان يقدم النقيضين: البطل النزيه الطيب والشرير القاسي. برع في الاثنين وكلا الدورين بقي في ذاكرة السينما. دوره كراعي البقر في the ox-bow incident، أعاد إلى الاذهان حادثة من طفولته حيث شهد بالفعل اعدام أحدهم. دور القاتل في "حدث ذات مرة في الغرب" لا يقل أهمية.

[كلينت ايستوود:

آخر رموز الويسترن من دون شك، حمل على كاهله إعادة إحياء النوع في أواخر الستينات والسبعينات واعتُبر الخلف لفورد وواين في جمعه الاخراج والتمثيل في آنٍ معاً. نال شهرته الاولى من عمله مع سيرجير ليوني، قبل ان ينتقل إلى أميركا ومن ثم ينجز افلامه الخاصة. فيلمه الويسترن الاخير unforgiven يُعتَبر خاتمة الويسترن وآخر افلامه الكبيرة في القرن العشرين. حتى فيلمه قبل الاخير space cowboys لم يخلُ من تأثير الويسترن.

المستقبل اللبنانية في

02/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)