حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

كارافاجيو .. وديستوفسكي

رفيق الصبان

لازالت موجة أفلام السيرة الذاتية تجتاح السينما في كل أركان الأرض.. ولازال جمهور السينما يطلب المزيد منها سواء كانت هذه الشخصيات من الشخصيات التي رحلت أو التي لازالت تشغل البال. فبعد أن نجحت الأفلام الملحمية التي قدمت عن غاندي ولورنس العرب وعمر المختار جاءت أفلام كثيرة أخري تحدثت مثلا عن شباب وكهولة الملكة اليزابيث الاولي..

ثم جاء فيلم آخر يتحدث عن اليزابيث الثانية التي لازالت حية ترزق.. جالسة بقوة علي عرشها المتين.. ثم جاءت هذه الافلام التي تروي حياة المغنين والمغنيات والكتاب الكبار فرأينا فيلما ممتازا يروي حياة »اديث بياف« ثم فيلمين يرويان حقبة مختلفة عن سيدة الموضة الباريزية »كوكو شاتيل« الاول يروي قصة صعودها وما عانته في حياتها حتي وصلت الي قمة شهرتها والثاني يستعرض حقبة من حياتها العاطفية والجنسية والعلاقة التي ربطتها بالموسيقار الكبير ايجورشرافنسكي.. وهناك فيلم آخر منتظر اخرجه كلينت ايستوود عن حياة الزعيم الافريقي »مانديلا« أثناء فترة سجنه.. وعلاقته بالضابط البريطاني الموكل بحراسته »فيلم مرشح لجائزة الجولدن جلوب وجوائز الاوسكار القادمة« وفيلم آخر عن حياة وشباب الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا وعهدها المتزمت.

والأمثلة كثيرة لا تحصي.. خصوصا خلال السنوات الأخيرة.. وأفلام السير الذاتية تتوالي.. وتحصد الاعجاب وتثير الفضول والنقاشات الحادة.

ولعل حياة الرسامين.. كانت أكثر المواد اثارة للسينمائيين نظرا لارتباط اللوحة بالصورة السينمائية ولان حياة هؤلاء الرسامين.. من عصر النهضة وحتي يومنا هذا كانت مليئة بالاحداث المثيرة المشوقة التي يمكنها ان تجذب انتباه المشاهد كما انها من جهة أخري تطلق علي بعض لوحات هؤلاء الرسامين الكبار والظروف التي دفعتهم الي رسمها.

وهكذا مثلا رأينا أفلاما عن ميكيل انجلو وروبنز وربرانت وفرير من العصور الذهبية كما رأنها أفلاما عن جوجان وفان كوخ وبيكاسو وموديلياني وفريدا كويليهو وتولوز لوتريك.. وسواهم.

بعض هذه الافلام اخرجها مخرجون كبار فجاءت كبيرة مدهشة علي مقاسهم والبعض الآخر جاء أقل قيمة مما كان يستحق الرسام.. ولكن مع ذلك القي ضوء علي حياة الفنان وعرف به جمهورا كبيرا.. لولا السينما ما كان عرفه.

من بين هؤلاء الرسامين رسام عصر النهضة »كارانا جير« الذي قدمته السينما الايطالية بفيلم من اخراج »انجيلو لونجوني« .. »كارافاجيو هو اسم البلدة التي ولد بها هذا الرسم.

الذي اشتهر بحياته العاتية.. التي قضي مظمها في الحانات الرخيصة من السكاري والعاهرات  والغلمان.. يستلهم من وجوههم لوحاته الشهيرة.. التي تزيف اليوم أكبر في متاحف الدنيا.

حياة هذا الرسام كانت حياة مضطربة حافلة بالاحداث والمعارك الدموية والشجارات العصبية التي يؤدي اليها مزاجه الحاد.. ولكن أحد الكرادلة الكبار من أسرة مؤسس اسيغ عليه حمايته وألن بفنه.. لذلك استطاع أن يتابع طريقه المهني.. وان يخرج عن عادة رسامي القصور والكنائس.. فيرسم صورا لرجال ونساء من عامة الشعب.. أثارت حفيظة الكنيسة ودعتها الي مقاطعته.. خصوصا بعد ان زالت حماية الكردنال.. وبعد ان تورط »كاراناجيو« في رسم صورة للعذراء.. مستمدا وجهها من وجه احدي الفتيات الداعرات اللائي يقابلهن في الحانات التي يسهر فيها.. مما دعا الكنيسة الي مقاطعته وزادت الأمور سوء عندما تورط في جريمة قتل.. عوقب عليها بشدة ولم تنفع جميع الوساطات لانقاذ حياته.

الفيلم صوره المصور الشهير »شورارو« وجعله أشبه ما يكون باللوحات المتحركة ثم دفعه لان يطرح السؤال التالي.. هل يشفع الفن الكبير في تبرير حياة لاهية في شقة.. وهل نستطيع ان نضع هؤلاء الفنانين في حماية فنهم.. مهما كانت تظهر في حياتهم يبرر ذلك.. هذا العطاء الفني والثقافي والجمالي الذي يقدمونه لنا.

قد لا يرقي فيلم لونجوني الي مصاف الافلام الكبري التي قدمت حياة الرساميين كفيلم ننسفت بينللي عن فان كوخ أو الفيلم الذي مثلته سلمي حايك عن حياة فريدا كويلهو أو الذي اخرجه كارول ريد.. عن حياة ميكيال انجلو ولكنه يبقي مع ذلك »البوما« حيا رأينا من خلاله أروع وأجمل لوحات »كاراناجيو« وعرفنا مصادر المهمة وظروف رسمها.. بل ان الكثيرين اكتشفوا جمال وروعة هذا الرسام من خلال الفيلم.. ولم يعد فن »كاراناجيو« مقتصرا علي فئة الفنانين وعشاق الرسم الجميل الذين كانوا أكثر من عرفه واجهة وقدس لوحاته.

ولعل في هذه النقطة بالذات تكمن أهمية »فن السينما« الذي يتيح الثقافة والمعرفة للملايين من الناس.. من خلال احداث فيلم أو رسم شخصية أو تحليل ظاهرة وكما هو شأن الرساميين في السينما.. كان شأن الكتاب.. الذين اجتذبت حياتهم وابداعاتهم مخيلة المخرجين وكتاب السيناريو.. فمنذ ان نطقت السينما في أواخر العشرينات وجدنا عددا كبيرا من الافلام يتعرض لحياة المؤلفين والمشاكل السياسية أو العاطفية أو الاجتماعية التي واجهوها في حياتهم.

هناك فيلم مثلا عن حياة الاخوان برونتي اللاتي قدمن لنا روايات جين اير ومرتفعات وذرنج وهناك فيلم عن حياة اميل زولا وفيلم آخر عن حياة فلوبير وكيف تعرض للمحاكمة أثر كتابته قصته الشهيرة »مدام بوناري« وهناك فيلم رائع أخير عن حياة فرجينا وولف ووداعي انتحارها الترايجدي وفيلم فرنسي آخر عن حياة الكاتبة فرانسواز ساجان التي اقامت الدنيا واقعدتها عندما نشرت روايتها »مرحبا أيها الحزن« وهي لازالت في السابعة عشرة من عمرها وهناك فيلم عن حياة مؤلفنا الشهير طه حسين وعدة أفلام عن حياة ارنست همنجواي.. الحافلة بالمعارك والمأسي.. والمواقف العاطفية وفيلم عن حياة شاعر الالمان الاعظم »جوته« وفيلم آخر عن الكاتب المسرحي »فون كلانست« وآخر عن حياة »سمرنحت« العاطفية.

وها هو فيلم ايطالي جديد يأتينا هذه المرة عن حقبة من حياة الكاتب الكبير »فيدور ديستوفسكي« بعنوان »شياطين سان بطرسبرج« اخرجه المخرج الشهير جوليانو  مونتالدو.

فنحن نعرف أن ديسوفسكي تعرض في شبابه لعدة محن.. قاده بعضها الي السجن وإلي قضاء عشرة سنوات سجينا في سيبيريا لان القي بشكل علني.. مخطوطة كاتب يساري هاجم فيها الحكم القيصري.

فيلم »شياطين سان بطرسبرج« لا يتعرض لحياة ديسوفسكي كاملة رغم انها حياة حافلة بالمغامرات المليئة بالتشويق فإلي جانب النشاط السياسي الذي قام به أشهر كتاب روسيا.. فقد كان مدمنا للقمار.. وادي  مع هذه الادمان الي أزمات كثيرة رواها هو نفسه في قصته »المقاصر« التي نقلت للسينما في الاربعينيات ومثلها »جريجوري بك الي جانب انا جاردنر« والي جانب عقده النفسية والجنسية التي حاول أيضا ان يرويها في قصصه من خلال شخصيات متخيلة ولكنها قريبة جدا من الأصل.

الفيلم الايطالي يتعرض لمؤامرة كانت تديرها فئة ثورية ضد حكم القيصر وتتلخص في الاعتداء علي احد أعضاء الاسرة القيصرية ويكتشف ديسوفسكي هذه المؤامرة من خلال علاقته بمريض نفسي تعرف عليه في احد المصحات.. وعرف انه واحد من تنظيم ارهابي يسعي الي جرائم قتل هدفها المسئولين الكبار في حكم القيصر الروسي.. وان هذا التنظيم تديره امرأة شديدة الذكاء والطموح تشتعل بحماس ثوري لاهبا.

ويحس ديسوفسكي بالخطر الذي يهدد هذه المجموعة وان عيون جواسيس القيصر قد أصبحت علي علم ببعض خيوط المؤامرة فيحاول بكل طاقته العثور علي هذه الزعيمة النازية.

واقناعها بتأهيل عملياتها الدموية التي بدزت تنكشف لجهاز البوليس السري.

ولكن كيف يمكن لديستوفسكي أن يتابع بحثه عن هذه الزعيمة التي تختفي كما تختفي ابرة في كل من القش« وهو الذي يعاني من نوبات الصرع المتلاحقة التي تهاجمه وملاحقة الناشرين له بتسليم أجزاء غير منتهية من قصصه التي تقاضي ثمن نشرها كاملا.. ولايزال يسعي الي اتهامها كاملا بلا انقطاع بمساعدة فتاة شابة احبته ووقفت الي جانبه العمل صباحا في عمله الادبي والسعي ليلا للبحث عن خيوط المؤامرة والعثور علي المسئولية الكبيرة فيها.. لكي تتوقف مؤقتا عن نشاطها قبل الوقوع في يد البوليس السري.

الفيلم يقدم لنا هذه الفترة من حياة ديستوفسكي من خلال كاميرا مدهشة وديكورات حقيقية عرف »مونتالدو« كيف يستغلها كما عرف كيف يدير ممثلين بقوة واقناع وكيف يرسم الاجواء الروسية في نهاية القرن التاسع عشر وقبل اندلاع الثورة البلشفية.

الفيلم يدخلنا الي أعماق الكاتب.. ورؤيته الاجتماعية والسياسية دون أن يغفل التركيز علي الحس الادبي الذي يميزه  ودون أن ينسي الانسان بذكاء ورقة الي جميع المعطيات والاحداث الجانبية التي سيقتنصها ديستوفسكي بعد ذلك ليضمنها في قصصه الشهيرة التي لا تنسي.. والتي اعطت للأدب الروسي مأمنته وقيمته العليا.

العلاقة بين الثورة والفن والعلاقة بين الدين والفن  هما العضوان اللذان بنيا عليهما هذين الفيلمين الايطالييين الكبيرين من خلال المخرج الشاب »لونجوني« والمخرج المخضرم »مونتالدو« واللذان اعاد للسينما الايطالية بريقها المعهود.

والذي استطاع المركز الثقافي الايطالي ان يقدمهما هدية للجمهور المصري المتعطش لمعرفة واكتشاف كنوز الثقافة العالمية في شتي عناصرها.. وفي أجمل صورها.

أخبار النجوم المصرية في

31/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)