حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مقعد بين الشاشتين

الزمن الباقي

بقلم : ماجدة موريس

* بمجرد إعلان الهدنة. باشر الإسرائيليون نقض وعودهم فوثبوا علي البيوت في الأحياء العربية. وبدعوي تفتيشها من السلاح حملوا محتوياتها ونهبوها ليضعها الجنود في سياراتهم العسكرية. وبدأ جمع كل من حمل السلاح في الحرب أمامهم عام 1948 قبل إعلان الهدنة. وإعلان بيان النكبة بقيام دولة إسرائيل.. كان من بين هؤلاء الشباب فؤاد الحداد الذي كان يصنع السلاح في ورشة صغيرة ليحارب بها هو وأقرانه ضد العصابات الصهيونية. هرب من هرب من الخائفين علي حياتهم من أحياء مدينة الناصرة.. وبقي من بقي وكان من بينهم "فؤاد سليمان" الذي تزوج وأنجب وشاهد بعينيه كيف يتم التعبير علي الطريقة الديمقراطية الإسرائيلية وحيث يجبر التلاميذ علي تعلم العبرية. وتجبر فرقة الموسيقي الطالبات علي الغناء لدولة إسرائيل حتي يرضي المفتش الذي أرسلته الحكومة عن مدرسة الاقلية العربية.. والاجبار هنا ليس له معني وأسلوباً واحداً وكل لبيب بالاشارة يفهم وإلا فمن الممكن اعتقاله بحجة وجود بارود تحت سريره. حتي لو كان هذا البارود في حقيقته "برغل" صناعة الكبة التي يجيدها الفلسطينيون! مشاهد كثيرة من الذاكرة تروي الحياة الفلسطينية المغتصبة يضعها فيلم "الزمن الباقي" أمامنا في رصده لرحلة بطله الأول "فؤاد سليمان" ثم الثاني "إيليا" ابنه ومخرج هذا الفيلم ومؤلفه أيضا.. الزمن الباقي كان هو الفيلم العربي الوحيد في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي هذا العام. وهو الثالث لمخرجه إيليا سليمان الذي عرفناه منذ عشر سنوات من خلال انطلاقه كسينمائي له ملامح مميزة في فيلمه الأول "سجل اختفاء" وحيث توقفنا كثيرا أمام حالة رجل وامرأة وصلا إلي الشيخوخة ولم يجدا الونس الذي وجده أسلافهما في صحبة الأهل والأقرباء والحياة علي طريقة الماضي. لم يجدا غير جهاز التليفزيون يتركانه مفتوحا حتي نهاية الارسال والسلام ونجمة إسرائيل ترفرف وهما نائمان.. في ندوة أقيمت مساء الأحد الماضي علي هامش "بانوراما السينما الأوروبية".

قال إيليا سليمان ان بطلي فيلمه الأول كانا أباه وأمه فعلا وانه لم يجد غيرهما ليحكي قصتهما وقصته هو وغيره من الفلسطينيين تجاه الوطن الذي ضاع والأحلام التي تم اغتيالها. وحكي كيف بدا أمر تدريبهما شاقا في البداية لكنهما تجاوبا كثيرا. فقد كان الهم واحداً والرغبة في سرد ما حدث دافعا ملحا لهما.

في "الزمن الباقي" نحن أمام أجزاء ومشاهد أخري من الحياة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي. أصبح العرب أقلية داخل وطنهم. وتغيرت ملامح كثيرة للشوارع والبيوت. لم يعد الشاب العربي حراً في بلده لأن هناك من يوقفه في أية لحظة بسبب وبدون أسباب. جنود مسلحون يجوبون شوارع المدينة ليلاً ونهاراً لا يتركون شيئا. حتي الشواطيء المهجورة ليلا حيث كان فؤاد يذهب للصيد هو وجار له. ودائما ما يأتيه الجنود حتي لا ينسي لحظة القوة الغاضبة.. يحاول الأب التشبث بالحياة من أجل عائلته. الزوجة والابنة والابن ومن أجل حقه في وطنه برغم الدوريات المسلحة. يستعين علي المقاومة بالأغاني تحيطه بقدر من النشوة القديمة وهو يسمع أغنيات عبدالوهاب ونجاة وفيروز وعبدالغني السيد.. يسلم الروح علي صوت ليلي مراد ليتحول الابن إلي فؤاد آخر. بطريقته ولنري مشاهده بين التمسك بالوطن المحتل وناسه الباقين والذين أصبحوا يسمونهم "عرب إسرائيل" وبين الخروج إلي العالم. أمريكا. ونيويورك للدراسة والعودة لمراقبة الحياة.. كبر الابن وظهرت خصلة بيضاء في شعره ومازال غرامه بمراقبة ما يحدث في وطنه عارماً حاسماً. يظهر في بعض مشاهد الفيلم ككائن لا مادي. روح تسير علي قدميه بعيون مفتوحة وخطوات بلا صوت ونظرات تطرح الأسئلة وتترقب الاجابات في كل ما يحدث حولها. هل انتهت الحياة العربية في فلسطين المحتلة؟ أم مازالت موجودة؟ المشهد يوحي بأن كل شيء تغير واللافتات تكتب بالعبرية والجنود في حالة استعداد بملابسهم العسكرية لكن التفاصيل تقدم دلائل أخري كامرأة عربية تحمل طفلها ترفض طلب جندي إسرائيلي بالعودة إلي بيتها قائلة بصوت عال: أنت اللي ترجع مش أنا. وشاب فلسطيني صغير يخرج من كافتيريا ليجد مصفحة في وسط الشارع ومدفعها يتحرك نحوه. فإذا بالشاب يعود أدراجه بحجة الحديث في الموبايل رايح جاي في الشارع والمدفع يلهث وراءه والشاب يدرك ويصمم علي اظهار عدم خوفه من حالة الطواريء المفروضة هذه لتصل المشاهد للذروة في المساء حين يجتمع عدد كبير من الشباب العربي في ديسكو لسماع الموسيقي والرقص غير مبالين بالجيب التي وقفت علي الباب والجندي الذي يعلن في الميكروفون بوجود حالة طواريء وممنوع الغناء والرقص. تركوه يهاتي وأكملوا سهرتهم والكاميرا تنسحب لتترك لنا أسئلة متعددة. فهل نحن أمام واقع فلسطيني جديد في داخل إسرائيل أو أمام نهاية حلم بالوطن الضائع؟ وهل تستطيع تلك المقاومة "الناعمة" انجاز ما عجزت عنه المقاومة المسلحة؟.. أم ان هذا هو النموذج الملائم للزمن الباقي.

أسئلة كثيرة يطرحها علينا إيليا سليمان في فيلمه الجميل الذي يحمل معه الوطن في القلب.. برغم كل الحصار والقهر والاغتيال. والذي يأخذنا إلي حياة ومجتمع لابد من احيائهما في الذاكرة دائما ردا علي محاولات التهويد.. ويلفت النظر فيه أيضا هذه المجموعة من الممثلين. أغلبهم غير محترف باستثناء القليل ومنهم صالح بكري الذي قام بدور فؤاد وقدرته - أي المخرج - علي شحذ مهاراتهم الابداعية لتقديم مشاهد قليلة تبقي في الذاكرة سواء لكونها مشحونة بمشاعر وأفكار مكبوتة أو لخفة ظلها وهو ما يذكرنا من بعيد بأسلوب إميل حبيب الكاتب الفلسطيني الراحل الذي كتب روايته الشهيرة "سعيد أبوالنحس المتشاءل" وتدور حول حياة العرب تحت الاحتلال الإسرائيلي.. أخيرا.. فقد تمنيت أن يري الفيلم عدداً أكبر من جمهور "بانوراما السينما الأوروبية الثانية" التي أقامتها المخرجة والمنتجة ماريان خوري في مجمع سيتي ستارز و"الزمن الباقي" فيلم يستحق جمهوراً أكبر بكثير برغم ان القاعة كانت ممتلئة تماما.

magdamaurice1@yahoo.com

الجمهورية المصرية في

24/12/2009

 

ليل ونهار

ولاد العم القتلة!!

بقلم : محمد صلاح الدين 

حمدت الله أن الاسم مراوغ.. وهو دال علي السخرية مما يدعونه هم وليس نحن.. فليس لنا أولاد عم قتلة.. ولا حتي أقارب من بعيد.. وغير المعقول أن جدودنا الأوائل يرضون بأن يصحو قوم من نومهم ليتجرعوا دماء البشر.. ثم يقوموا بعد بل الريق بإخراج الناس من بيوتهم أو هدمها عليهم.. لا يفعل ذلك سوي أنجاس فجرة!!

وفيلم "ولاد العم" للمخرج المتميز شريف عرفة عمل يجمع بين الجدية والجماهيرية وهي المعادلة الصعبة التي يري بعض الأونطجية أو ضعاف الموهبة أنه استحالة الجمع بينهما في عصر يمارس بهلواناته التسطيح.. ويرون في الفوضي ملاذا للهيافة.. بينما الحقيقة غير ذلك.. فمازال هناك من يحترم قيمة الفن ويقدر رسالته.. ويعلي من شأن الدقة والاتقان.. وتهيئة الظروف والمناخ لإبراز المواهب الحقيقية في كافة أفرع الفن السينمائي من تصوير لمناظر لموسيقي لتمثيل.. إلخ!!

والفيلم بالتأكيد قد ساعده الموضوع الذي يمس الوطن والوطنية.. ورغم أنه نص خيالي كتبه مؤلف جديد عمرو سمير عاطف. إلا أنه يجسد حلقة من حلقات الصراع العربي الإسرائيلي الملتهب برغم كل المعاهدات والاتفاقيات التي يضرب بها الصهاينة عرض الحائط.. لأنهم لا عهد لهم ولا ذمة ولا وفاء.. وتاريخهم هو الذي يقول ذلك.. وما علينا إلا اليقظة المستمرة والأبدية لهذا الوباء العنصري الذي ابتلينا به.. وبدلا من التكاتف لمواجهته صرنا نسب بعضنا البعض في الميكروفونات وعلي أحبار الصحف والالكترونيات في وبال آخر يحتاج إلي دراسة!!

إن الجاسوس دانيال "شريف منير" الذي تم زرعه في سيرك العراق. انتقل إلي مصر مع زوجته "مني زكي" وولديه سارة ويوسف. ومن شواطئها اختطفها بعد أن خدرها وذهب بها إلي إسرائيل. ليعامل كبطل قومي لأنه مكلف بالاغتيالات وهذه حقيقة موثقة لكل أبطالهم من وجهة نظرهم.. القتلة والسفاحون ومعدومو القيمة يكرمون لمجرد أنهم يقتلون بني البشر من كل صنف ولون.. بل يزيدون ويضعونهم كمسئولين في قمة العمل السياسي في واحدة من أغرب المكافآت التي ينالها الأشرار والفجار!!

تفاجأ الزوجة بوضعها الجديد. فتحاول جاهدة الهروب بأولادها من هذا الفخ في أداء رفيع المستوي من مني زكي ينم عن تفهمها الدقيق لمشاعر المخدوعة.. من ناحية أخري يتم تكليف الضابط مصطفي "كريم عبدالعزيز" بإعادة الزوجة المصرية وأولادها في شيء من عدم المصداقية التي نتمني عكسها.. لأنه مازال المصريون في الخارج يحتاجون إلي رعاية أكثر بدون خطف ولا دياولو.. ويقوم مصطفي بالتسلل إلي الأراضي المحتلة ومنها إلي دولة صهيون.. وفيها تشتعل حرب الأعصاب. واللعب بعنصري الإثارة والتشويق التي برع فيها المخرج إلي درجة فائقة خاصة في مباراة المهارة والذكاء.. وبمزيد من الانتصارات والإخفاقات يصل الضابط إلي كشوف قائمة الاغتيالات ويبلغ بها قياداته. ولكنه يقع في الأسر والتعذيب. ثم محاولة تخليصه من قبضتهم ولكنه يأبي إلا أن يكمل مهمته ويعود بالزوجة وأولادها بعد صراع أكشن ومغامرات مثير مع دانيال الذي يصر علي موقفه حتي النهاية!!

الفيلم به مناطق قوة كثيرة. كما أن به مناطق ضعف قليلة مثل ارتباك بعض الأفكار والآراء المطروحة علي ألسنة الأبطال في الحوار.. من نوعية "إحنا مش كفار.. بل من أهل الكتاب" الذي جاء علي لسان دانيال لزوجته دون أن ترد عليه. ومن يكون إذن قتلة النساء والأطفال بغدر وخسة وتقطيع أطراف الشباب وهدم البيوت علي أصحابها وسرقة أراضيهم.. وكيف لا يكون كافرا ومجرد قتل نفس واحدة توجب نار جهنم خالدا فيها!.. ومثله كلمة النهاية التي وردت علي لسان البطل الرئيس "حانرجع بس مش دلوقت" التي تتضمن شيئاً من الانهزامية.. ومع ذلك تبرز الدراما يقظة العدو التي تحتاج إلي يقظة أعلي منها.. كما كانت مشاهد الحركة المتلاحقة متقنة وفي غاية التشويق والجاذبية ونجحت في أن تحبس أنفاس المشاهدين حتي مشهد النهاية.. وهي براعة مخرج حرك بلاغة الصورة السينمائية وتناغم محتوياتها لدعم قوة التشكيل العام وخدمة المحتوي.. كما برع أيضا في إدارة ممثليه مما جعل بطليه الرئيسيين "الضابط والجاسوس" في مباراة متساوية القوة والمهارة وهو ما مكن كريم وشريف من قدراتهما الأدائية الفائقة.. وكذلك إعادة اكتشاف انتصار وإيمان وجميل برسوم وحتي السورية كندة علوش التي لعبت دور الفدائية الفلسطينية!!

الفن الجميل يثبت دوما أنه لا يحتاج إلي تنازلات ولا خلع ملابس.. بل إلي إبداع واتقان!!

Salaheldin-g@hotmail.com

الجمهورية المصرية في

24/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)