حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

جسور تواصل

السينما الخليجية في غزة.. بين دمعة وابتسامة

حذام خريّف

كغيرها من الفنون، تعتبر السينما، لغة عالمية تتخطى حدود الزمن والفوارق بين البشر، لها حضورها ولها كلمتها، تخترق الحواجز وتكسر الحصار لتنتزع ابتسامة من بين عيون دامعة، ولتمدّ جسور التواصل بين الأمل بالمستقبل والواقع البائس؛ ومن هنا جاءت فكرة "أيام السينما الخليجية في فلسطين".

ثلاثة وثلاثون فيلما طويلا، وقصيرا، روائيا، وتسجيليا، جاءت من دول التعاون الخليجي إلى غزة، "برغبة صادقة"، لتفتح أبواب التواصل بين الغزّاويين وبين الخليجيّين، عبر الشاشة الفضية، في خطوة، أولى من نوعها في الوطن العربي، تهدف إلى التعريف بالإنتاج السينمائي الخليجيّ، وتسلّط الأضواء على مُبدعيه، وفي الآن نفسه، تنشّط المشهد السينمائي المحليّ في فلسطين، وبالذاتّ في غزة التي تعيش حصارا على كلّ الأصعدة.

آلاف القصص حول معاناة غزة تحت الحصار يمكن أن تكون محور أفلام سينمائية تظهر بشاعة الاحتلال وعنصريته، وهذه الأفلام مثلما هي بحاجة إلى شركات الإنتاج ودعم مالي هي بحاجة أيضا إلى مهرجانات تعرض فيها، وإلى جمهور يشاهدها ويشارك سكّان الأراضي المحتّلة آلامهم حتى لو كانت مشاركة افتراضية.. وإذا كانت الحواجز المادية تعيق التواصل المتبادل بين الفلسطينيين وإخوانهم العرب، فإن الصورة السينمائية ستكون "الحمام الزاجل" الذي يتبادلون من خلاله أفكارهم ورؤاهم، حيث يؤكد رئيس الملتقى السينمائي الفلسطيني الكاتب رجب أبوسرية، أن هذه المشاركة السينمائية "تهدف إلى نشر ثقافة المشاهدة والقبض على أسرار الكاميرا حتى تكون سلاحا فعالا بيدنا في مقارعة عدونا...، فبقدر ما تدخل العروبة إلى فلسطين يخرج الاحتلال منها، وإننا نحتاج إلى عمقنا الثقافي العربي ونحن نفتح جبهة الثقافة ضمن حربنا الشاملة مع عدونا، حتى ننال حقوقنا الوطنية الكاملة".

إن مثل هذه المبادرة أمر إيجابي يحسب لـ"مهرجان دبي السينمائي الدولي"، الذي أثبت في دورته السادسة ما يؤكد أن المهرجانات السينمائية ليست مجرّد أضواء وبذخ ونجوم عالميين، بل إن المهرجانات الكبيرة تلك التي تشرّع أبوابها أمام قضايا الإنسانية وتقول إن السينما ليست مجرّد مشاهد تمثيلية بل هي الصوت الذي يختزل ملايين الأصوات.. هي صوت آلاف الضحايا الذين يقضون نحبهم باستمرار في أعماق البحار، فتكلّم عن مأساتهم الجزائري مرزاق علواش، وأثار أشجان المتابعين والنقّاد فمنحوه جائزة أفضل فيلم روائي عن حقوق الإنسان.

ولئن كان الجزائري مرزاق علواش قد نقل صوت الجزائريين والمغاربة إلى دبي، وباح مخرجون آخرون من مختلف دول العالم بمعاناتهم في أعمال عرضت في إطار المسابقة المخصصة لأفلام حقوق الإنسان والدفاع عنها، فإن عشرات المبدعين الفلسطينيين المحاصرين قد فُرض حظر على حياتهم وابداعهم وثقافتهم.

لقد منع الحصار المفروض على غزة خروج عدد من المخرجين الفلسطينيين إلى مهرجانات سينمائية عربية وعالمية، مما حال أيضا دون ايصال صورة غزة الجريحة إلى العالم، حتى جاء مهرجان دبي السينمائي بالحلّ؛ وإيمانا منه بأن السينما وسيلة فعّالة لفتح جسور التبادل والتواصل والتعاون على صعيد قضايا حقوق الإنسان، قرر أن يذهب بالسينما الخليجية إلى غزة، في خطوة، أكد الناقد السينمائي السوري صلاح السرميني، مُستشار "مهرجان الخليج السينمائي"، والمُنسّق العام لهذه التظاهرة، أنها تأتي في شكل "مؤازرة سينمائية متواضعة مع الشعب الفلسطيني، وفي الآن ذاته، تُعرفه على سينما عربية جديدة، تُثري ثقافته السينمائية، وتوسّع من آفاقه المعرفية".

"أيام السينما الخليجية في فلسطين"، التي شارك في تنظيمها "مهرجان دبي السينمائي" بالتعاون مع "المُلتقى السينمائيّ الفلسطينيّ"، أكدت أن الحرب ليست بندقية ورشاشا فقط، وإنما هي حرب إعلامية فنية أيضا، فحامل البندقية لن يكون بمقدروه مجرّد التفكير في اختراق الحصار، في حين أن الصورة الإعلامية، والفيلم والعمل الفني عموما، قادر على عبور بوابة الحصار، ثقافيا، واجتياز كلّ المعابر، افتراضيا، عبر "الشاشة التي تجمعنا"، حسب تعبير مسعود أمر الله آل علي، شاشة لا ينقل مشاهدها "الساتلايت" بل هي شاشة عرض منصوبة في قلب مدينة غزة، حيث "تحضر السينما بشكلها الأنيق، وتخترق الحصار، فهي لغة تواصل تمرّ عبر الصورة مباشرة إلى القلوب. وإن كانت هذه الأيام هي فريدة من حيث صيغتها، وتنظيمها؛ فإنها تربو لأن تكون سنوية، ودائمة".

يأتي هذا التواصل السينمائي الفلسطيني-الخليجي في وقت أصبحت فيه القضية الفلسطينية في أمسّ الحاجة إلى اختراق فني يربط الأراضي المحتلّة بالعالم الخارجي ويعرّف المواطن العربي بمجريات الحياة المعيشية التي يحياها الفلسطينيون تحت وطأة الاحتلال، بعد أن فشلت المبادرات السياسية في دفع ولو ثقل واحد من الأثقال الاسرائيلية الجاثمة على صدر غزة النازف.. ويبدو أنه ليس هناك أفضل من الفن والإعلام لتحقيق ذلك، وهما اليوم السلاح الأشد فتكا في هذا الصراع.. صحيح أن بعض المخرجين الفلسطيين، وأغلبهم يقيمون خارج الأراضي الفلسطينية، نجحوا في جعل الفيلم الفلسطيني سفيرا يطوف في المهرجانات السينمائية العربية والدولية، لكن فلسطين بحاجة أيضا إلى أن تكون نشطة في الداخل كما الخارج، وليس هناك مناسبة أفضل من اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية، لتفعيل الحراك الثقافي والفني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة، فرفض التطبيع مع اسرائيل لا يعني للعرب قطع شريان التواصل مع فلسطين.

العرب أنلاين في

23/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)