حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

نجوم في الذاكرة..

مونتغمري كليفت.. لحظات عابرة من السعادة

أحمد فاضل

تلك العيون قد تكون مسكونة بسحر لاتميزه الا اذا لفك ظلام دامس فيبرق منها ذلك الضوء الذي تكاد تتلمسه وتعيشه باحاسيس مرهفة لهذا النجم الذي هوى وهو لم يكد يعيش عمره ال45 ، ومن المثير للإهتمام ان اليوم سيكون عيد ميلاده متزامنا مع الايام التي يستعد فيها العالم للإحتفال باعياد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية الجديدة ، الا اننا سنحاول ان نحتفل به وسط صمت طويل من النسيان عاشه " مونتغمري كليفت " واحيته تلك الباقة الخالدة من افلامه الرائعة التي قدمها في خمسينيات القرن الماضي والتي لايتذكرها احد الا من شهد البريق الساحر من عيني كليفت .

"روبرت لاغوارديا" الذي قدم لعشاق هذا الفنان سيرته الذاتية عام 1977 يروي لنا كيف عاش كليفت مع توأمين من اخوته وولادته بثمانية عشر شهرا بعد شقيقه " بروكس كليفت " ، فقد ولد في 17 اكتوبر / تشرين الاول عام 1920 في أوماها بنبراسكا بالولايات المتحدة الامريكية وكان والده يعمل في القطاع المصرفي الا ان حالتهم المعيشية ازدادت سوءا في فترة الكساد الاقتصادي الذي عصف بالبلاد ، بينما والدتهم " اثيل " كانت تتمنى لهم ان يعيشوا الحياة الارستقراطية لكنه كان حلما سرعان مابددته تلك الضائقة المالية التي ألمت بهم .

في شبابه كان عليه ان يواجه تلك المتاعب المالية فالتقى في وقت مبكر بعد بلوغه العشرين من عمره بنجمة برودواي الاستعراضية " ليبي " فعمل معها في نيويورك عام 1940والتقى فوق خشبة مسارحها بالمخنث " هولمان " الذي عانى من صحبته كثيرا وسبب له معاناة كبيرة في مطلع حياته العملية لكنه تخلص منه بعد ان عرف طريقه للسينما التي اجتذبته بعد ان تدرب طويلا في المسرح ، فظهر لأول مرة في الفيلم الشهير " النهر الأحمر " الذي جمعه مع " جون واين " وسرعان ماانتشر اسمه بين الاسماء اللامعة آنذاك فكان كليفت نجم اللحظة كما أسموه ونوعا جديدا من الرجال الذين يحملون وسامة متميزة ونظرات آسرة ، فتسابق المخرجون اليه عوضا على ترشحه لجائزة الأوسكار عن فيلمه اللاحق " مكان في الشمس " عام 1951 الذي استطاع فيه ان يكون معشوق الملايين ، وقال عن الفيلم انه لايصدق نفسه كيف مر طيفه أمام الكاميرا ولعب دورا من أجمل أدواره ، وهو مزيج نادر الحدوث بين نجم كان يخطوبخطوات وئيدة امام نجم عملاق " كمارلون براندو " الذي ارتبط معه بصداقة قوية فيما بعد .

في سيرته الذاتية يروي النجم الراحل " بيرت لانكستر " عن لقاءه كليفت وكيف شعر بالرعب لأنه سيقف امام ممثل غير عادي كان ذلك في فيلم " من هنا الى الخلود " عام 1953 وكيف انتابته حالة من العصبية خلال تصوير المشاهد الاولى من الفيلم بسبب الرهبة من هذا الممثل الذي يستفز الباقين من كادر العمل بهيمنته الواضحة وشخصيته ووسامته ، حتى اقسم لانكستر بعدم مشاركته لأي فيلم قادم لانه يخشى المنافسة على اسمه ومكانته بين الجمهور ، بينما قالت النجمة المعتزلة " اليزابيث تايلور " ان منتغمري كليفت بالرغم من الخوف الذي كان يلازمني طيلة تصوير مشاهد فيلم " مقاطعة رينتري " الذي جمعنا سوية ، الا انه رومانسي ومحموم في الحب وعندما عدنا سوية بعد سنوات لتمثيل فيلم " العين الذهبية " لم اكن اتصور انه سيرحل عنا بهذه السرعة ولم يكمل بقية مشاهد الفيلم .

كليفت بالرغم من الكلام الذي قيل عنه ، كان يسعى دائما لمساعدة الفنانين ومؤازرتهم خاصة في الافلام التي جمعتهم معه سوية ، فعلى سبيل المثال يروي النجم " دين مارتن " كيف ان كليفت قد ساعده في بداية مشواره الفني وكان يدفعه دائما ان يمزج اداؤه لادواره الكوميدية الخفيفة بغناء احبه الجمهور من خلاله ، ولولاه لما كان له شأن يذكر في عالم التمثيل .

أما على صعيد الاداء فقد قدم مونتغمري كليفت ادوارا خالدة لن تنسى كدوره في " من هنا الى الابد " وهو من اجمل افلام الخمسينيات فقد جسد بروعة لحظات التأمل والكآبة وعكس الانفعالات الانسانية في لحظات الغضب ( 1 ) والفيلم يعتبر من كلاسيكيات هوليود والتي لن تجود السينما العالمية بمثله ، تدور احداثه في ثكنات " شوفيلد " العسكرية بهنولولو في ايام الهدوء التي سبقت الهجوم على ميناء بيرل هاربور الشهير اثناء الحرب العالمية الثانية ، حيث تسلط رواية " جيمس جونز " الحربية الشهيرة الضوء على طموحات واحباطات العديد من الاشخاص كالرقيب واردن " بيرت لانكستر " الذي يقع في علاقة غرامية مع كارين " ديبورا كير " زوجة رئيسه بينما يكون المجند روبرت إي . لي برو " مونتغمري كليفت " شابا انعزاليا يعيش وفقا لمعتقداته الدينية الخاصة به ويبدو انه يستطيع التعبير عن نفسه بواسطة بوقه اكثر مما تفعله كلماته ، اما صديق برو الحميم ماغيو " فرانك سيناترا " الذي نال جائزة الاوسكار عن ادائه لهذه الشخصية فيصبح عرضة لاضطهاد الرقيب السادي فاتسو جودسون " إرنست بورغناين " وهناك ألما لورين " دونا ريد " صاحبة بيت الدعارة الذي يُطلق عليه اسم " نادي الكونغرس الجديد " من باب السخرية ، لكن جميع هذه الافراح والاتراح الميلودرامية يكتسحها الهجوم الياباني المباغت في صباح 7 كانون الاول من عام 1941 ، ولعل الكلمات لن تنصف روعة أشهر مشهد في الفيلم المتمثل في اللقاء العاطفي الذي يجري ليلا على شاطئ البحر بين بيرت لانكستر وديبورا كير حين يلتحم جسديهما حبا وشوقا تحت الامواج المتلاطمة ، وقد حصد الفيلم ثمانية اوسكارات بما فيها جوائز احسن فيلم واحسن مخرج واحسن سيناريو مقتبس واحسن دورين مساعدين من اداء فرانك سيناترا وديبورا كير ولولا ان تكون سابقة في توزيع جوائز الاوسكار لمنح كليفت اوسكارين بدل واحد لدوره الرائع .

ومع رحلته القصيرة في عالم السينما فقد مثل كليفت اكثر من عشرين فيلما من بينها " الحكم في نورمبرغ"، و"التبيان"، و"أنا اعترف"، و"فجأة في الصيف الماضي"، و"الوريثة"، و"الليونز ويونغ"، و"البحث والبرية ريفز وتيرميني"، و"الهارب"، ومع كل هذا المجد والشهرة فقد عانى مشاكل نفسية منعته من البقاء في القمة فراح يعب من المخدرات حتى وقع له حادث سير اثناء تصوير أحد افلامه ووصف الحادث في وقته بأنه انتحار ، هذه المشاكل الصحية باتت تؤثر على اعماله الفنية فاضافة لما يعانيه من الإسهال والتهاب القولون في معظم فترات حياته فقد كان كليفت روحا معذبة كما يصفه صديقه مارلون براندو ، وكان من المدمنين على الكحول ومتناولا شرها للكثير من المهدئات والمسكنات التي انهت حياته عام 1966 في مدينة نيويورك وكان تقرير الطبيب الشرعي يؤشر بإنسداد الشريان التاجي للقلب ، وهكذا رحل عن عالمنا من كان سببا في منحنا لحظات عابرة من السعادة ولولا أجله المحتوم لكان معنا يطفأ شمعته التاسعة والثمانون من العمر ، الا ان القدر اراد ان يكون وداعه آخر مشهد له في حياته نظرة من عينيه تزيح ظلمة الروح . (2 )

هوامش

( 1 ) فراس الشاروط / صحيفة الصباح البغدادية

( 2 ) كيم مورغان / مجلة انترتيمنت الامريكية

أدب وفن في

22/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)