حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أيام السينما الأوروبية

«رسول» عن المسلمين والكورسيگيين والمجرمين

ماجدة موريس

من المهم أن نري أنفسنا في عيون الآخرين. وقد لا يكون هذا ممتعا خاصة حين تكون الرؤية مصحوبة بتحليل فيه قدر عال من الصراحة، مزعجة، أو جارحة في رأي البعض منا.. فالموضوع يخص العرب والمسلمين في فرنسا.. والمخرج هو جاك أوديار أحد أهم المخرجين في هذا البلد، والفيلم بعنوان (رسول) كان ضمن عدد قليل من الأفلام المختارة للمسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي لعام 2008 .

بطل الفيلم هو «طاهر رحيم» ومعه مجموعة من الممثلين العرب والفرنسيين والأوربيين والمكان هو أحد سجون فرنسا العامرة بكل نوعيات البشر، من أكثرهم اجراما إلي البرئ الذي لم يفعل شيئا سوي التشرد. مثل البطل هنا، واسمه مالك الجبنة، لا نعرف له هوية محددة ولكن لهجته وملامحه مغاربية سواء جاء من الجزائر أو المغرب أو تونس، وحين قبضوا عليه وأجروا عملية (الفيش والتشبيه) نعلم أنه خرج من المدرسة طفلا، ولم يدلل قط لأنه لم يعش أبدا مع أبيه وأمه، فارع الطول قوي البنية وصغير السن - 19 سنة- ولهذا التقطه بسرعة (لوتشيانو) العجوز الايطالي زعيم عصابة سجناء كورسيكا ليعهد إليه بمهمة قتل سجين يريدون التخلص منه، كان عربيا مثله، حاول مالك الرفض ، والحديث إلي المأمور، ولكن لم يمكنه أحد من هذا، بل تبين له أن كل حركة يقوم بها تصل للزعيم وعصابته، وهكذا سدوا كل طرق السجن أمامه حتي قتل لهم المطلوب في مشهد شديد البشاعة لم يشأ المخرج حذفه ربما ليهيئنا لما بعده. أو لنري الشاب الطيب وهو يتحول لقاتل داخل مكان أخذوه إليه من أجل الإصلاح والتهذيب، ثم يتحول لعبد للعصابة التي تسيطر علي السجن فعليا. وتفرض ما تشاء من قوانين بعد أن اخترقت كل حراس السجن فأصبحوا رهن أوامرها ولتدور الأيام بمالك وهو يتعلم كل يوم القانون الأهم، وهو ازدواجية الحياة والسلطة ما بين سلطات السجن الرسمية وحكامه الحقيقيين، يدفعه ذكاؤه إلي جمع التفاصيل وملاحظة الكثير ويستفيد من فرصة تعلم القراءة والكتابة المتاحة في السجن فيتفوق بسرعة ليصبح مطلوبا من جهتين، الأولي هي الكورسيكين الذين خرج نصفهم وبقي الزعيم مع الباقين، والثانية هي جبهة العرب والمسلمين الذي يتجمعون معا في عنبر واحد، رسميا، لأجل قيامهم بالصلاة وبعض الخصوصيات الأخري، والذين حين يخرجون للفسحة أيضا فهم لا يقتربون من الآخرين، وحين وجدوا (مالك) مع لوتشيانو اعتبروه ليس منهم، وأطلقوا عليه «الكورسيكي» وليصبح بطلنا هو ذلك الرسول بين هذه العوالم المتنافرة، الرافضة لبعضها وإن أتاح المخرج والكاتب مساحة أوسع لنقد العرب من خلال الكورسيكيين، كاشفا عن عنصرية فيهم كامنة تتعالي في مواقف عديدة هنا وهناك علي امتداد فيلم مدته ساعتان ونصف عرض ضمن (بانوراما الفيلم الأوروبي) في دورتها الثانية والتي أنتهت مساء أمس الثلاثاء بسينما سيتي ستارز في إحدي قاعاتها المليئة بالمشاهدين غالبا.

نشاط ماريان

وهي محاولة لإدخال الفيلم الأوربي ضمن اهتمامات المتفرج المصري تقوم بها شركة أفلام مصر العالمية وتتحمس لها تحديدا المنتجة المخرجة ماريان خوري بمساندة عدد كبير من المؤسسات المصرية والأوروبية علي رأسها وزارة الثقافة والمركز القومي للسينما في مصر ومؤسسة (اوروبا سينما) والمركز القومي للسينما في فرنسا وغيرها من الجهات، وفيلم (رسول) ضمن أربعة أفلام فرنسية تضمها أفلام البانوراما الاثني عشر، وبينها أيضا ثلاثة أفلام من هولندا وفيلمان أسبانيان وفيلم واحد من كل من ألمانيا وإيطاليا وانجلترا، واللافت للنظر هنا كونها أفلاماً حديثة جدا، فيلمان منها فقط ينتميان من حيث تاريخ الإنتاج لعام 2007 «الألماني (4 دقائق) والانجليزي (هذه انجلترا)» وسبعة أفلام تنتمي لعام 2008 وثلاثة للعام 2009 هي (كوكو قبل شانيل) و«الزمن الباقي) ويحملان الجنسية الفرنسية والفيلم الهولندي (أيام ايما بلانك الأخيرة)0

بين عالمين

والبانوراما في مجملها موجة ثقافية منعشة تأتي سريعا وتنحسر أسرع لتتركنا بين عالمين لا فكاك منهما، عالم الفيلم المصري الذي نطلق عليه العربي مجازا، وعالم الفيلم الأمريكي، واللذان يتقاسمان سوق التوزيع والعرض في مصر، ومن هنا يصعب علينا التعامل مع موضوعات أخري غير المتاحة والمسيطرة علي التوعية، وأهمية هذا هنا أننا نتجاهل غالبية العالم السينمائي، وثقافات أوربا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وبالطبع سينما إفريقيا. سوق السينما في مصر يجعلنا مشاهدين مهمشين بالنسبة لسينما العالم ولا شيء من التوازن مثلا في قنوات التليفزيون السينمائية ولهذا يصبح من النادر أن نري هذه النوعيات من الأفلام إلا بالمصادفة.. أو البال الطويل، فبين البانوراما الأولي عام 2003 والثانية هذه الأيام ست سنوات كاملة كافية تطرد أي تأثير ثقافي لهذه الأفلام بالنسبة للجمهور الذي يتعرف عليها لأول مرة..وهو موضوع اتصوره مهما، وأن هذه البانوراما لابد أن تقام سنويا في مصر كما يحدث في بيروت مثلا.

ترقية للسجين

في الجزء الثاني من الفيلم، يدخل مالك إلي عالم اللعب المحظور بكل أنواعه بعد أن تعلم جيدا قواعده من الكورسيكي الذي رقاه وجعله مساعده بعد أن كان خادمه، وأمر الحراس بنقله لزنزانة مجاورة له وتشغيله موزعا للوجبات وطالبه بأن يكون عينه ولسانه.. وأحيانا مسامرا له لأن (لوتشيانو) يمتلك نوادي للقمار وشركات ومالك (الذي رباه في السجن) صالح لمهمات خاصة خارج المكان ولهذا بدأ حديث (الحقوق) الخاصة بالسجناء المطيعين، مثل اجازات اليوم الواحد وطلبات الافراج قبل المدة (لحسن السير والسلوك) غير أن الفريق الآخر، العرب والمسلمين ، لم يسكت ، ففي مدرسة السجن تتوثق علاقة (مالك) برياض، الذي يأخذه إلي آخرين، ويطرح عليه أفكارا مختلفة، مثل الانضمام لمجموعة الشيخ (مصعب)، وايضا يباغته قحوان الغجري بعلاقة هدفها الاستفادة المتبادلة من توصيل شحنة مخدرات، وهو في طريقة لرحلة لمدة يوم واحد خارج السجن بتدبير (لوتشيانو) من أجل استعادة (سانتي) رجل العصابة من عصابة أخري، ليدخلنا الفيلم في حلقات من التشابكات وعلاقات الصراع والغدر المتبادل بين العصابات، وهي وأن كانت عصابات مهاجرة مثل الكورسيكيين والعرب (عصابة إبراهيم الأطرش) و«لطيف المصري) إلا أنها تعمل برعاية وترتيب من فرنسيين، داخل السجن وخارجه، وتتولي تصفية نفسها بنفسها، ولا بأس، مع كل هذه الالعاب القذرة، من أن يتبادل الطرفان الازدراء وتحقير بعضهما، فيقول الكورسيكيون علي لسان زعيمهم في لحظة تجلي أنه لو لم ينشغل العرب باعضائهم التناسلية لتطوروا كثيرا ، ببينما يقول الزعيم الأطرش «أن هؤلاء الكلاب كالخنازير إلخ»..

السجن داخلنا

أما مالك الجبنة. الذي شاب مبكرا في السجن، فقد أدرك ما يريده أخيرا بعد أن تحرر من سيطرة الطرفين معا في نهاية أيام سجنه، وهو أن يمضي في سلام بعيدا عن الطرفين، برفقة (جميلة) ارملة رياض، وطفلته (فاطمة) الذي أوصاه بهما في حال موته، وليشعر الشاب لأول مرة وهو يحتضن طفلة التي سوف يصبح أباها بمشاعر تملؤه سعادة وتصلنا منه عبر الشاشة وهو يمضي مبتعدا عن السجن، وكل الطرق المؤدية إليه.. تتفوق في الفيلم عناصر التصوير والاضاءة والتمثيل الذي يدهشك لقدرة فريق عمل لفيلم يدور في السجون بأداء علي مستوي رفيع، خاصة البطل طاهر رحيم، ممثل دور لوتشيانو نيلز ارسكرب بل غالبية الممثلين الذين اختارهم المخرج جيدا وأدارهم ببراعة ليصل بنا إلي رؤية واضحة المعالم في النهاية وهي أن السجن داخلنا قبل أن نكون نحن بداخله. وأن سجن الذات المهمشة المستعبدة أكثر وطأة.. وهو ما يتحرر منه مالك الجبنة في النهاية.

الأهالي المصرية في

22/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)