حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ضوء

الكاميرا القلم

عدنان مدانات

يؤكد الباحث الفرنسي مارسيل مارتان في كتابه الشهير “اللغة السينمائية” الذي صدرت ترجمته إلى العربية للمرة الأولى قبل نحو أكثر من نصف قرن والمعاد إصداره في ترجمة جديدة ضمن منشورات المؤسسة العامة للسينما السورية، أن السينما تتشابه مع الرواية في أنها تروي قصة، وأن الحكاية المروية ببراعة، بالتالي، تبقي من الشروط المهمة لنجاح الفيلم السينمائي. يستشهد مارسيل مارتان برأي للباحث أندريه بازان، وهو الباحث الذي كان لنظرياته أثر ودور كبير في نشوء الموجة الجديدة في السينما الفرنسية، الذي قال: “إن معنى السينما اليوم هو رواية حكاية بلغة واضحة وكاملة الشفافية”.

ويتحدث ماراتان عن الألاعيب التقنية التي يمارسها المخرجون للتغطية على ضعف كتابة الحكاية فيقول: “إن السينما قد تجاوزت المرحلة التي كان الفن فيها يبدو شيئاً عجيباً ومذهلاً يعجز المخرجون عن منع أنفسهم من عرض مكاسبه الجديدة، فالتجديدات المدوية كالرعد قد تخلت عن مكانها شيئاً فشيئاً لاعتدال التعبير، ومع ذلك فإن كثيراً من الأفلام لا تزال تعتمد على خلط الإعجاب الفني أو التوليفي الذي لا هدف له إلا إغراق المتفرج لتضليل حكمه الناقد ومنعه من إدراك تفاهة السيناريو”.

هذا الرأي الذي ذكره بازان في زمن سابق لا يزال يحتفظ بطزاجته حتى يومنا هذا الذي نشهد فيه الكثير من الأفلام المشبعة بالإبهار التقني مقابل ضعف الحكاية. وفي الحقيقة فإن الأمر لا يقتصر على التغطية على الضعف الروائي بواسطة اللجوء إلى التقنيات، بل يمكن ملاحظة أن الكثير من الضعف الذي يشوب سرد الحكاية ينتج عن السعي لتشعيب الحكاية وتقسيمها إلى حكايات متجاورة أو متداخلة في محاولة من المؤلف لطرح عدة مواضيع متنوعة في آن وأن يعالج قضايا كثيرة، وكأن الفيلم الذي يكتبه هو الفيلم الأول والأخير، ويترافق هذا الوضع مع غياب الرؤية أو المفهوم الذي يعطي للنص معناه ووضوحه.

تنطبق هذه الملاحظة بخاصة على العديد من الأفلام العربية الحديثة، ومعظمها أفلام تقوم على نصوص يكتبها مخرجون طموحون وموهوبون، لكنهم لا يتمتعون بالخبرة الأدبية المطلوبة، الأمر الذي ينعكس سلباً على النتيجة النهائية للأفلام التي يصنعونها. لهذا، نجد أن السينما العربية الجديدة على ما فيها من مواهب، لم تستطع أن تحقق ما حققته السينما الإيرانية من انتشار ونجاح عالمي شارك في الوصول إليه مخرجون متعددون يمثلون أجيالاً متلاحقة، لكنهم كلهم يتمتعون بنفس الميزة: البراعة في سرد الحكاية، وليس فقط الحكاية، بل الحكاية المروية والمقنعة بذاتها من دون الاعتماد على التقنيات المبهرة، والتي تبدو أحداثها وشخصياتها عادية جداً وتعتمد على حبكة بسيطة وشخصيات قليلة، لكنها تثير الإعجاب وتؤثر ليس فقط محلياً بل وعالمياً، إضافة إلى تمتعها بعمق المعنى، بحيث ينطبق عليها القول الشائع: “البلاغة في الإيجاز” وكذلك “السهل الممتنع”.

ما السرد في هذه البراعة التي يتمتع بها المخرجون الإيرانيون والمتمثلة في القدرة على جعل حكاية بسيطة مؤثرة وعميقة المعنى؟ على هذه السؤال أجاب المخرج الإيراني الشاب أشكار فرهادي، مخرج فيلم “عن إيلي”، أثناء المؤتمر الصحافي الذي أقيم على هامش مهرجان أبوظبي السينمائي حول الأفلام الإيرانية المشاركة، مستخدماً كلمة واحدة هي: المفهوم أو “كونسيبت” بالإنجليزية. ويبدو لي أن غياب المفهوم الذي يقود عملية كتابة الفيلم ومن ثم إخراجه هو ما يسيء إلى الكثير من الأفلام التي يصنعها المخرجون الشباب في أرجاء كثيرة من العالم ومن ضمنه الوطن العربي، حيث يترافق غياب المفهوم مع ضعف القدرة على سرد الحكاية البسيطة بل وحتى الحكاية المتشعبة المتشابكة التي كان يمكن للمفهوم المسبق أن يجعلها واضحة المعنى خالية من التعقيد والغموض الضارين وغير الضروريين. ومن البديهي أن مصطلح “المفهوم” هنا لا يتعلق فقط بالجانب الفكري بل ويشمل المنهج الإبداعي في شقيه المتلازمين: الإبداعي الأدبي والإبداعي السينمائي.

تزداد أهمية اكتساب البراعة في سرد الحكاية من قبل المخرجين العرب بسبب من واقع أنهم يصنعون أفلامهم في العادة من دون أن تكون بحوزتهم الإمكانيات الإنتاجية التي تتيح لهم استخدام التقنيات المتطورة مثلما يستخدمها المخرجون الذين يعملون ضمن سينما ترتبط بصناعة سينمائية متطورة، هذا إضافة إلى النقص في الخبرات العملية لدى المخرجين وكذلك الفنيين والتقنيين العاملين معهم، وهو نقص يعكس نفسه بطبيعة الحال سلباً على المستوى التقني للفيلم، فتفقد التقنيات تأثيرها المبهر وتنضم بهذا إلى ضعف السرد فتصبح الأزمة مزدوجة.

براعة القدرة على السرد الحكائي هي الطريقة للوصول إلى تحقيق الشعار الذي أطلقه ذات يوم السينمائي الفرنسي  آستروك “الكاميرا القلم”.

الخليج الإماراتية في

12/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)