حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

السينما العراقية والخروج من أقبية منسية

إنتصار الغريب

خضع العراق للديكتاتورية عقودا طويلة، كما عانى شعبه من ويلات الحروب المتلاحقة ولم يعرف طعم الإستقرار أبدا، لو أن فلسفة التشاؤم العراقية في أوجها اليوم، لكنه يبقى أكثر رفضا للموت والعنف وأكثر تقبلا للحياة، يتوق إلى سينما جديدة بعيدة عن التعصب، سينما تتمتع بخصائص الثقافة المرئية الحرة، وأيضا الجودة التي إفتقدها إبان حكم الطغاة .

إبن الشرق

إن تاريخ السينما العراقية يعكس واقع البلاد التي ظلت عقود طويلة تعاني كافة أنواع الرعب السياسي و الإستبداد بكافة أشكاله، أخيرا وليس آخرا العنف المتشظي، تلك السينما ظلت شاهدا على الكثير من المتغيرات السياسية والإجتماعية والإنسانية المختلفة في التاريخ العراقي، عام 1920 أنشأت بريطانيا أول سينما في بغداد، في ذلك الوقت كانت العديد من دور السينما تعرض فقط سلسلة من الأفلام الصامتة مثل أفلام شابلن، في زمن الملكية إزدهرت السينما لفترة وجيزة وإنشغل المخرجين بتطوير جيل جديد من السينما .

عام 1946 أنتج أول فيلم سينمائي " إبن الشرق" وعرض حينذاك في سينما غازي للمخرج والمنتج المصري إبراهيم حلمي وطاقم من الممثلين يتألف من عادل عبد الوهاب ومديحة يسري، هذا النوع من التعاون المشترك مع السينما المصرية أثمر عن أفلام عراقية جيدة مثل فيلم " القاهرة - بغداد" الذي عرض في سينما الحمراء ويعتبر واحدا من أفضل الأفلام في السينما العراقية من إخراج أحمد بدرخان، ومشاركة مجموعة من أشهر الممثلين في العراق مثل حقي الشبلي وعفيفة إسكندر .

تعتبر سنوات الخمسينات نقطة إنطلاقة السينما العراقية، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ظهر جيل جديد من المخرجين السينمائيين الواقعيين مع حضور قوي لمشاهير الكتاب في تلك الحقبة أمثال غائب طعمة فرمان، عبدالمالك نوري، فؤادالتكرلي وغيرهم . أول فيلم واقعي توج في تلك الحقبة " من المسؤول" الذي عرض معايشات إجتماعية مختلفة من الحياة العراقية اليومية، كما تم إنتاج أفلام كثيرة تختلف في مضامينها من الميلودراما السهلة الممتنعة، إلى المواضيع المباشرة، مثل فيلم " فتنة وحسن" للمخرج رايدر ألمار وفيلم " سعيد افندي" سنة 1958الذي يدور حول حياة موظف بسيط وتحدياته في مواجهة صعوبات الحياة وشظف العيش. أما فيلم "إرادة الشعب" 1959 للمخرج بورمان إلتن باسيم دار حول ثورة 14 و17 يوليو تموز 1958 والحوادث المهمة الأخرى التي جرت في العراق .

في عام 1955 أنتج حيدر عمر أول فيلم " غيداء وحسن" ويعتبر بمثابة روميو وجولييت العراق، للمخرج الفرنسي أندريه شوتان وحصل الفيلم على إهتمام النقاد عالميا في ذلك الحين، أيضا لعبت الحكومة دورا هاما في دعم تلك الفئة من الأفلام الإجتماعية. مع وصول حزب البعث ممثلا بشخص صدام حسين إلى سدة السلطة عام 1968 فرضت الحكومة سيطرتها على صناعة السينما وأصبحت معظم الأفلام تمجد شخص الرئيس و أدوات السلطة، بالإضافة لذلك ظهرت مجموعة من الأفلام الوثائقية حول صدام، في نفس الوقت حرص صانعو الأفلام على إظهار تفاصيل كثيرة من حياة الديكتاتور مع مساندة الشعب له بالهتافات والتهليل وفي نفس الوقت موسوما بالقلق والألم . كان يطيب للديكتاتور الثرثرة مع بسطاء الناس في زيارات مفاجئة للأحياء والمدن لكنها لم تمحو ذكرى تراجيديات الحرب التي إفتعلها بنفسه وأحرقته في نهاية المطاف .

في سنوات السبعينات من القرن الماضي رشح فيلمان هامان في مهرجان موسكو السنمائي الدولي للأفلام، الأول " الظامئون" 1973 والثاني " الأسوار" 1979 سيناريو صبري موسى ورواية عيدالرحمن الربيعي ومن إخراج محمد شكري جميل أحد عمالقة الإخراج والصناعة السينمائية المحترفة في العراق على مدى عقود طويلة.

ببساطة من المؤلم القول بأن شريحة كبيرة من الشعب كانت تئن تحت طائلة الفقر ومعاناة الحصار في حين كان القيصر يعيش مع عائلته في قصور فارهة وتم بناء شواهد تذكارية كثيرة حملت إسمه من منحوتات تشكيلية إلى جداريات عملاقة وشوارع لا تعد أو تحصى، رغم أنها محيت من الوجود بعد التحرير، كان عصرا مرعبا لم يوجد شيء يخيفه يعيش في الشوارع وبين الناس .

ميثولوجيا الإستبداد والأيام الطويلة

عندما أصبح صدام حسين رئيسا للجمهورية عام 1979 دخلت البلاد أعتاب سلسلة من الحروب المفتعلة، وتم تأطير السينما في زوايا مختلفة، أيضا إنشغلت مؤسسة السينما والمسرح في تشجيع الأهداف السياسة للنظام الجديد سواء بالوثائقيات أو الأفلام السينمائية، بالإضافة لقلة الدعم الممنوح للسينما في سنوات حرب الخليج الأولى، تلك العناصر مجتمعة خلقت وضعا متهتكا في بغداد، في حين يوجد بالعراق أهم وأقدم الحضارات في تاريخ الإنسانية، لم يتم إنتاج أفلام تمجد الميثولوجيا، الأساطير البابلية والسومرية أو الحضارات الأخرى في العراق . أما غالبية الأفلام كانت تحتفي بنظام صدام فقط، عام 1981 بطلب من حكومة بغداد تم تكليف صانع الأفلام والمخرج المصري صلاح أبو سيف بإنتاج فيلم القادسية الشهير، الذي يدور حول حقبة تاريخية تمثلت بإنتصار العرب على الفرس عام 636 بعد الميلاد، في نفس الوقت فيلم المخرج شكري جميل " المسألة الكبرى" حيث لعب النجم البريطاني أوليفر دور الجنرال الفظ جيرارد ليخمان، ونهايته مقتولا على أيدي عامة الناس في العراق بالعشرينات، ورشح كواحد من أهم الأفلام في مهرجان موسكو عام 1983 .

في سنوات الثمانينات أنتج فيلم الأيام الطويلة ومدته ست ساعات حول قصة مشاركة صدام عام 1958 في محاولة الإنقلاب الفاشلة ضد عبد الكريم قاسم ولاحقا هروبه الشهير سباحة إلى سوريا وعودته مجددا إلى تكريت موطن ولادته . المؤثر بالفيلم قيام المخرج تيرنسي يونج بإخراج بعض مقاطع الفيلم، وهو مخرج إنجليزي سبق له المشاركة في أفلام جيمس بوند السابقة مثل دكتور نو وفيلم دوندربال، لعب دور البطولة الرئيسية صدام كامل زوج إبنة صدام وقتل لاحقا عام 1996 بعد محاولة الهروب الفاشلة إلى عمان مع حسين كامل وعودته مجددا إلى العراق .

حصاد الحروب

بعد نهاية حرب الخليج الأولى تعرضت البنية التحتية للسينما لمتغيرات كثيرة وبدأت مرحلة جديدة من الأفلام هدفها الرئيسي الدعاية للحكومة، كما تعرض بعض صناع الأفلام لتهديدات سلطوية في حالة إخراج أفلام تحمل مضامينا مناهضة لأهداف حكومية أو تنتقد تراجيديات الحرب في العراق و مؤثراتها السلبية على الناس، فيلم " المهمة مستمرة" 1981 حاول مخرجه محمد شكري جميل إيجاد موازنة بين دعم الحكومة وحالة التخبط السائدة وفقدان الأمل لدى الناس في نفس الوقت تعرض الفيلم لمتغيرات إجتماعية كثيرة في المجتمع العراقي، المخرج صاحب طعمة كرر نفس التجربة في فيلم " الحدود الملتهبة" 1987 بالإضافة إلى التعاون المشترك مع خبراء في سينما الحرب من إسبانيا، بينما عرض فيلم " صخب البحر" الحياة الإجتماعية العراقية ومؤثرات الحرب التي لم تخلف سوى الأرامل، الأيتام والمعوقين وفي النهاية الحزن والسواد الأعظم، كما إن إنتاج أفلام الحرب تطلب أموالا طائلة ومعدات متطورة بالإضافة لرغبة مخرجي السينما التطرق للبنية التحتية الإجتماعية مما كان يتعارض مع السياسة الحكومية السائدة حينذاك .

بعد ذلك لم يتم إنتاج أفلام تعكس طبيعة التراجيديا المعاشة أو مأساة الحرب، مع فرار غالبة صناع السينما خارج البلاد في دياسبورا جماعية ليس لها مثيل في التاريخ المعاصر، كما أن الحكومة بدأت بتشجيع بعض المخرجين نحو إنتاج أفلام أجتماعية ذات صبغة كوميدية مثل " فايق يتزوج" للمخرج إبراهيم عادل جليل 1984 ، فيلم " حب في بغداد"عبد الهادي الراوي 1987 ، فيلم " اللعبة" شكري جميل 1989 وفيلم "العربة والحصان" لمحمد فنري 1989 وغيرها كثير.

بعد نهاية الحرب الخليج الثانية والعقوبات الدولية المفروضة أصبح إنتاج الأفلام غير ممكنا، كما ظهر جيل جديد من صناع الأفلام غير ناضج تماما للواقعية الإجتماعية والمتغيرات الهائلة في المجتمع العراقي، أيضا إنهارت صناعة الأفلام كاملة وكان ذلك عائدا للنقص الحاد بالتمويل و المعدات أيضا هجرة الكفاءات السينمائية خارج البلاد، على سبيل المثال فيلم " بغداد داخل وخارج" جذب إهتمام النقاد في أنحاء العالم ،وفي نفس الوقت داخل فرنسا، فيلم وثائقي يتحدث عن معاناة الناس تحت حكم الديكتاتور، أيضا سعد سالم صانع أفلام قضى حياته في فرنسا لثلاثين عاما أخرج فيلما حول مؤثرات حكم صدام وعمليات التعذيب، هناك فيلم " زمان" يدور حول فتى يتيم فقد والديه إبان الحرب الأولى، ويعتبر أ ول فيلم سينمائي وثائقي طويل يتم إنتاجه بعد حقبة صدام، قصة مفعمة بالمشاهد الإنسانية المؤثرة . أخيرا تظل السينما شاهدا على حقبة ولت بكل مؤثراتها على البشر .

أدب وفن في

03/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)