حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

دراما مرئية..

ينقذ ست الحسن و الجمال صفاء الشاطر حسن المراغي يختار طريق المغامرة

بقلم : د. حسن عطية

في الحكايات التي كانت تحكيها لنا الجدات ونحن صغار، كانت تشغلني حكاية الشاطر »حسن« الذي كان عليه ان يخرج ذات صباح ليسترد »ست الحسن« التي سرقت منه، حيث كان عليه وهو في مفترق الطرق ان يختار السير فيما بين ثلاثة، طريق السلامة وطريق الندامة وطريق »اللي يروح فيه ما يرجعش«.. وكان انشغالي يبدأ بهذا الاختيار الصعب امام الفتي الصغير، والذي يحسمه برفض السير في طريق السلامة الذي أعتاد السير فيه كل من سبقه، ويتفادي طريق الندامة حتي لايبكي علي مسيرة لن تحقق له مايريد ، ويقرر ان يسير في الطريق الذي لن يتراجع عن المضي فيه، مدركا انه الطريق الصحيح الذي لن يعود منه قبل ان يحقق هدفه المنشود.

لحظة المواجهة

لقد أرادت المخيلة الشعبية صانعة هذه الحكاية ان تؤكد علي ان الانسان لا يتقدم في الحياة، ولا يتقدم بها، اذا ما فعل مثل الاخرين، وكرر مقولة »هكذا وجدنا اباءنا كذلك يفعلون« وانما حينما يؤمن بأن المغامرة واقتحام المجهول واجتياز الفيافي هو أفضل الطرق لطلب العلم حتي ولو في أقاصي الدنيا، والعثور علي المعرفة حتي ولو في بلاد تركب الافيال.

لهذا فالانسان هو الاختيار، والاعتياد هو أغتيال لقيمة هذا الانسان علي الارض، اذا ما قرر ان يكون ذاته، وليس صورة منسوخة عن الاخرين، والاختيار بالتالي مسئولية، فما يختاره الانسان عليه ان يتحمل مسئوليته، ولا يلقي بعبء ماسيحدث له علي كاهل الآخرين، آباء أو مسئولين او مجتمعا مجهلا، ويبدو ان هذه الفكرة هي التي كانت ماثلة في أذهان صناع مسلسل (الرجل والطريق) بداية من قصته التي كتبها »سعد مكاوي« (٦١- ٥٨٩١) مرورا بكاتب السيناريو والحوار »مصطفي ابراهيم« وصولا لمخرجه »إبراهيم الشوادي« ومجسد شخصيته الرئيسية محمد رياض فكل واحد منهم اختار طريقه نحو هذا العمل، وتحمل مسئولية ما اختاره.

فالكاتب سعد مكاوي قرر منذ البدء ان يمنح قصته عنوانها الدال: (الرجل والطريق)، محركا احداثها فيما بين الرجل أو الانسان الذي قرر في لحظة المواجهة مع الذات ان يغير طريقة الذي وافق عليه من قبل، ليسير في طريق مغاير، حيث عاش حسن المراغي حياته الأولي، حتي تجاوز الثلاثين من عمره، وهو أسير رغبة أبيه، فهجر الفن التشكيلي الذي كان يعشقه ويجد ذاته فيه، ليعمل بوظيفة حكومية في اربعينيات القرن الماضي، حيث كانت الوظيفة (الميري) هي أهم اهداف الشباب المتعلم، ومرتبها مضمون وكفيل بترتيب حياة عائلة بأكملها، كذلك أغلق قلبه علي عواطفه، وتزوج من امرأة اختارها له الأب، موفرا علي نفسه بذل الجهد في اعداد بيت الزوجية، حتي يرحل هذا الاب عن دنيانا، وبعده بعامين ترحل الزوجة وهي تلد أبنها، فيجد نفسه وحيدا في عالم لم يختره، وتساعده الظروف بملكيته لأرض زراعية له بقريته التي لا يعرف عنها شيئا، لانغماسة في حياة المدينة التي انتقل إليها الأب منذ سنوات طوال، فيقرر ترك وظيفته الحكومية، وهجر بيته العصري، والعودة لاحضان الطبيعة في القرية الطيبة، التي كان يعشقها الكثير من كتاب النصف الاول من القرن العشرين الرومانسيين، فيبكون تحت أشجار الزيزفون. ويحسدون الفلاح الذي يتمرغ علي أرض براح، »والخيمة الزرقا ستراه«.

العودة للطبيعة

العودة إلي القرية تزامنت مع العودة إلي الرسم عند »حسن المراغي«.. وبهما يصوغ مصطفي ابراهيم سيناريو وحوار مسلسله، عاملا علي الكشف عن جوهر شخصية بطله، الذي عاش سنوات في الظاهر كشخصية مسالمة تابعة لرغبات الاخرين، بينما باطنها يكاد ان يتفجر بأفكار مختلفة، حرص المخرج ابراهيم الشوادي علي اظهار الاختلاف الكبير بين بيت حسن في المدينة كصورة محافظة علي نفسها من رياح الخارج، وبيت حسن ذاته في القرية المفتوحة علي حدائق الفواكة التي يملكها والسماء المفتوحة دون خدش معماري او تكنولوجي، وعلي عالم القرية المتخم بالصراعات السياسية والاجتماعية بل والعرقية بوجود جماعة الغجر الدخلاء علي ارضه، الذي صاغة عبر صور ليلية شديدة الغموض، تغلفها الادخنة، وتجتاحها الخيول.

واختار »محمد رياض« تجسيد شخصية حسن بهدوء وتؤده، معبرا بصوته وصفاء عينيه ولفتات وجهه وحركة جسده عن رومانسية الشخصية، التي عادت الي القرية مختارة ان تعيش في أجواء هادئة، معتقدة انه يكفيها ان تحول احدي قاعات البيت الريفي لمرسم، يشحذ بهدوء القرية الخيال، ويفجر المشاعر، ويمنح الفنان مساحة وقت كافية لاتمام لوحاته، التي يأمل ان يقيم بها معرضا بالمدينة حينما يعود إليها.

التأرجح الدرامي

غير ان الرياح لا تأتي بما تشتهي السفن، والقرية الوادعة لم تعد حياتها كذلك، وصومعة حسن الفنية غير قادرة علي منعه من الانغماس في حياة القرية ومشاكلها، بعد ان اقتحمت بيته الفتاة » الغجرية وهيبة« ، هاربة من مطاردة بعض رجال عصابة »هارون« (أحمد فؤاد سليم) التي تهدد القرية وتنهب محاصيلها، فيجيرها ويخبئها في بيته مع مربيته الطيبة »سعيدة« (سميرة عبدالعزيز) مما يدخله في صراع مع الغجر أهل »وهيبة« من جهة، والعصابة المهيمنة علي مقدرات القرية من جهة اخري، والعمدة المتعاون معها ومع السادة لاقرار النظام من وجهة نظره بالقرية من جهة ثالثة، ثم ضد الذين استأثروا بمقعد القرية في البرلمان، وقوفا إلي جانب الرجل الشريف »رشيد الزيني« (طارق الدسوقي) للوصول إلي البرلمان من جهة رابعة، كما تتشابك علاقاته العاطفية مع الغجرية وهيبة المقيمة ببيته والمتعلق قلبها به، والفتاة عليلة النفس والجسد »صفاء« ابنة جليلة زوجة زعيم العصابة والتي تحل محله بعد اغتياله، معتمدة علي تابعة ورجلها هي المفضل الذي سيصير فيما بعد محرك امور العصابة مصطفي (احمد وفيق) غير ان ابنتها صفاء التي لاتعرف شيئاً عن دور امها وأبيها، تميل بعواطفها تجاه »حسن المراغي« بعد ان نشأت بينهما علاقة صافية قائمة علي تبادل الكتب وحب المعرفة.

بقوة وايمان بالنفس يواجه حسن هذه المشاكل المتداخلة ، ويقف معه صديقيه القديمين الطبيب »شعبان« والموظف »ابوالعهد« حتي ينتصر علي كل اعدائه، الامر الذي دفع »حسن« للتأرجح دراميا بين كونه الشخصية القادمة من خارج القرية لمساعدتها في الانتصار علي ناهبي خيراتها، وتحويل أشرارها إلي اخيار، وشفاء مرضاها، والعودة في النهاية الي المدينة التي جاءت منها، والشخصية اللاجئة إلي القرية لكي تغير من نفسها، فتقع في هواها وتبقي فيها بعد ان عثرت علي حقيقتها علي أرضها بعيدا عن مشاكل المدينة، وقد فضل »محمد رياض« ان يرتكز في أدائه علي الوجه الأول للشخصية، مقدما ذاته طوال المسلسل باعتباره المخلص القادم من خارج المكان لازالة الشر من القرية، التي هيمن عليها طوال الوقت حس اخلاقي، متسلل من قصة »سعد مكاوي« ومتجلي في عودة »جليلة« الي رشدها، وجسدته بقوة »صفية العمري« في حدود المرسوم لها، وفي شفاء »صفاء« وارتباطها بحسن والذي قدمته بشاعرية »شيرين عادل« فقللت من درجة تهافتها الجسدي، وفي موت »وهيبة« الذي قدمته بصورة متميزة داليا مصطفي معبرة بعينيها وتوتر صوتها عن تمزق الشخصية بين ميل عاطفي نحو »حسن« وامتنان عقلي بحمايتها ببيته.

النظرة الاخلاقية تنهي الشر في ساحة الدراما، بينما يظل ساريا بطرقات الواقع، مما يتطلب نظرة أعمق اجتماعيا، ولكنها القصة التي حرص كاتب السيناريو علي رؤيتها الكلية للحياة.

أخبار النجوم المصرية في

03/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)