تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

أول فيلم عربي طويل من نوعه اليوم في "بيروت متحركة" ومخرجته تتحدث الى "المستقبل"

رزام حجازي: تحريك الأطفال سلعة من الدرجة الثانية.. وتحريك الكبار لا سوق له

ريما المسمار

قام والت ديزني مراراً بعرض تقنياته على الجمهور، مفصلاً من خلال التقليب السريع لرسومه تقنية عمل الصور المتحركة. كان ذلك سهلاً في زمن اقتصر فيه عمل التحريك على القلم والورقة. اما اليوم، فكيف يمكن فنان تحريك ان يعرض اسلوب عمله على الكومبيوتر وهو نفسه لا يدرك كم الخيارات التي أمامه ولا الجديد الذي ستخترعه شركات الـ"سوفت-وير" في هذا المجال غداً؟ التحريك بمفهومه العريض يكاد لا يختلف عن اي سينما أخرى، محكومة بثنائيات الفن والجماهيرية، التبعية لنظام الانتاج والاستقلالية، الموازنات الضخمة والانتاجات المستقلة، الخيال والواقع، المنتج والمؤلف... الى آخر لائحة المفارقات التي تتحكم بالسينما أكثر من غيرها لكونها اكثر الفنون رواجاً وتواصلاً مع المتلقي وصلة بالحياة. وفي هذا الإطار الفضفاض نفسه، يشبه التحريك سينما الخيال العلمي التي تتطور بتطور أدواتها. صحيح ان الحكايات تتشابه في الحياة كما في السينما، ولكن ثمة حكايات لا يمكن لخيال ان يتصورها ما لم تكن لذلك الخيال ادواته لتجسيدها. على نطاق أضيق، لا يحظى التحريك، كما السينما، بنقاش تفصيلي الا عندما ينسحب من تحت مظلة الجماهيرية، لأنه عندها يتمرد على مواصفاته الجاهزة: الترفيه والخفة المقرونة غالباً بحجة توجهه الى الأطفال. مع بداية انتشار تجارب التحريك لغير جمهور الاطفال في العالم من خلال المهرجانات والتظاهرات الفنية، بدأ الضجيج يعلو حول التحريك والتساؤلات تكثر، على الرغم من ان معالجة موضوعات للراشدين في افلام التحريك اتجاه يوازي عمره عمر ظهور التحريك نفسه في بدايات القرن العشرين. حتى والت ديزني ابرز أباطرة هذا الفن، اقترنت بداياته مع أفلام حول المؤسسة العسكرية الاميركية. غالب الظن ان الأسئلة التي تكتنف التحريك لن تنجلي الا من خلال ايلاء هذه التجارب ومخرجيها حقهم من المتابعة والنقاش التي أتاح مساحة اولى فيها مهرجان "بيروت متحركة" الاول من نوعه في العالم العربي. شريط الافتتاح "سيتا تغني البلوز" للاميركية نينا بايلي، اثار الاهتمام بقدر ما حرك الاسئلة وشقلب المفاهيم. هل يمكن لأي موضوع ان يعالج من خلال التحريك؟ هل من خصوصية للتحريك في مقاربته موضوعات لا تقوى اساليب فنية اخرى عليها؟ هل يمكن التحريك ان يكون نافذاً الى عمق موضوعاته؟ هل خطر التقنية وتغلبها على ما سواها لا مفر منه في أفلام التحريك؟ هل التحريك فن مستقل ام نوع سينمائي ام مجرد تقنية؟ هذه الاسئلة وغيرها قد تكون الارضية الضرورية لفتح نقاش نأمل ان يتاح من خلال تظاهرات أخرى واستكمال لتجربة "بيروت متحركة".

عربياً، اقتصر التحريك على دبلجة مسلسلات باصوات ممثلين عرب وفي هذا المجال تبرز التجربة المصرية، وصناعة اسكتشات صغيرة للتلفزيونات. فيلمياً، بدأ التحريك مع الافلام القصيرة وإذا بالعام 2008 يشهد ولادة اول فيلم تحريك عربي طويل، أنجزته السورية رزام حجازي بانتاج مشترك بين القطاعين العام (مؤسسة السينما السورية) والخاص (شركة تايغر برودكشن). فيلم حجازي يخاطب جمهور الاطفال والاسرة وقد اختاره منظمو مهرجان "بيروت متحركة" ضمن البرنامج وسوف يعرض السادسة مساء اليوم في سينما متروبوليس امبير صوفيل بحضور المخرجة.

كان لا بد للقاء مع حجازي من ان يتوقف عند تفاصيل مرتبطة بالفهم السائد للتحريك بهدف إجلاء بعضها تمهيداً لنقاش مستقبلي جدي حول هذا الفن. والمخرجة التي أنجزت بعد "خيط الحياة" فيلماً طويلاً ثانياً لقناة "الجزيرة للأطفال" مقتبس عن حكايات "كليلة ودمنة"، ستبتعد في مشروعها المقبل عن عالم الاطفال من دون ان تستغني عن التحريك، ممزوجاً مع السينما الحية.

هنا نص الحوار.

[ ما الفرق بين الرسوم المتحركة الكلاسيكية التي نعرفها وفن التحريك الرائج اليوم؟

- هما مصطلحان لمعنى واحد. ولنكون أدق، الصور المتحركة هو مصطلح يخنزل الفن السينمائي عموماً. شريط السينما هو كناية عن صور متحركة، الثانية الواحدة مؤلفة من 24 صورة ثابتة اذا جاز التعبير. وحين تتحرك البكرة، تصبح الصور الثابتة متحركة. هذه ماهية التقنية السينمائي والصور المتحركة هي الفيلم.

[ ماذا عن التحريك وتقنياته؟

- لنبسط موضوع التحريك بمقارنته بالكتابة. فالكاتب كان يستخدم قديماً الريشة ومن ثم انتقل الى القلم وبعدها الى الآلة الكاتبة واليوم الى الكومبيوتر. ولكن تلك التقنيات لم تبدل في مضمون الكتابة. بالنسبة الى التحريك، كانت في البداية الرسوم ترسم على ورق. انها الطريقة الكلاسيكية التي لا تزال متبعة لدى كثيرين ممن لا يحبذون العمل على الكومبيوتر، تماماً كالكتاب الذين يفضلون الى اليوم الورقة والقلم. اذاً الطريقة الكلاسيكية الشائعة في التحريك كانت الرسم على ورق يشبه ورق الزبدة وفي مرسم خاص حيث توضع الورقة على طاولة مضاءة. تعتمد الرسوم المتحركة على رسم كل "فرايم" (frame) او "صورة" على ورقة منفصلة. فإذا أردنا مثلاً مشهد شخصية تشرب من كوب ماء، تُرسم حركة اليد منذ رفع الكاس وحتى وصولها الى الفم صورة جامدة تلو أخرى. ومن ثم نحصل على الحركة جراء تقليب الورق بسرعة معينة. مع بروز الكومبيوتر ولاحقاً البرامج المتخصصة المساعدة، انتقلت عملية الرسم من القلم الى "الديجيتايزر" ومن الورقة الى شاشة الكومبيوتر. هذا التطور سهّل العمل. فبدلاً مثلاً من تمزيق الورقة بسبب خطأ صغير في رسم العين، اصبح من الممكن محو العين فقط على شاشة الكومبيوتر. ولكن آلية التحريك هي نفسها: كاميرا تصور كل "فرايم" ومن ثم يجري عرض الصور متوالية فتخلق الحركة. التحريك بواسطة الكومبيوتر وبرامجه أتاح تحديد "نسبة" (ratio) الصورة قبل الرسم لتخريجها لاحقاً وطبعها على شريط سينمائي او رقمي بحسب رغبة المخرج تمهيداً لعرضها.

[ ما هي الأساليب الأكثر شيوعاً اليوم في التحريك؟

- إذا أردنا رسم خط بياني لفن التحريك، فهو من وجهة نظري كان ثمرة تزاوج بين الفنون الجميلة والسينما. وكما في الأولى، هناك أساليب كثيرة. ولا ننسى ان المجلات المصورة (comics) كانت ايضاً البذرة لفن التحريك لأنها أقرب الى فيلم على الورق، فيه القصة والشخصيات وكذلك بناء المشاهد وزاوية النظر التي تترجم في الفيلم من خلال حركة الكاميرا.

عالمياً، هناك اليوم "مدرستان"، اذا جاز التعبير، شائعتان في فن التحريك: المدرسة الاميركية والمدرسة اليابانية المسماة "مانغا". والمانغا طالعة من الرسوم الكاريكاتورية اليابانية وتتميز بحركة أقل وانطباع قوي. بمعنى آخر، الصورة في المانغا لا تتألف بالضرورة من 24 "فرايم". وللتوضيح نقول انه كلما ازداد عدد "الفرايمات" بدت الحركة ناعمة وانسيابية وأقرب الى الواقع. المانغا يعتمد على تقليل الحركة برسم 6 "فرايم" في الثانية وأخيراً "فرايم" واحد، وتركز على الانطباع. بهذا المعنى، قد تتألف ثانية العرض من رسمة واحدة لوجه عبوس مثلاً لا يتحرك ولكنه يترك انطباعاً شديد التأثير. تقنية المدرسة اليابانية اختصرت الزمن لذلك أصبحت اكثر انتشاراً وسرعة في الانتاج فضلاً عن ميلها الى الميلودراما. ولا بد هنا من الاشارة الى ان هذا التوصيف يسري على انتاجات التحريك في التلفزيون اذ ان الانتاج الياباني السينمائي مسألة أخرى تنتمي الى ابداع فائق الحرفة.

اما الاتجاه الاميركي في التحريك فهو العكس لجهة الحركة الناعمة جداً والتي تقوم على تفصيل مبالغ به وهو ما يعني انها تعتمد رسوماً أكثر وتحريكاً أكثر بعكس المانغا. وفي هذا النوع من الاعمال بعد كوميدي في الغالب. هناك بالطبع تنويعات كثيرة على هاتين المدرستين. في ما يخص التلفزيون، نرى اليوم ان الانتاج الياباني اكثر حضوراً لانه اكثر توافراً وأقل كلفة.

[ ماذا عن سينما التحريك؟ هل هي ايضاً وليدة مدارس محددة؟

- سينما التحريك مثل السينما الحية تنتمي الى تجربة مخرجها. هنا تنتفي المدارس والتصنيفات وتتداخل الاساليب القديمة وتُبتدع اخرى جديدة، كأن يتم اضافة عناصر من الحياة على التحريك مثل "الموشن كابتشر". والمنطق الذي تُحاكم به الأفلام الحية يمكن ايضاً ان تحاكم به أفلام التحريك لجهة تجديدها وابتكارها وابتعادها او قربها من السائد والتجاري... ولكن المؤكد ان الاحتمالات لا متناهية امام فن التحريك لأنه مبني على الخيال بامتياز وأدواته مستقلة عن اي التزام. يكفي ان تكون شخصياته مرسومة لندرك مدى تحررها من اي شرط او منطق مسبق او واقع.

[ بعد هذه اللمحة السريعة عن التحريك، أود أن اسألك عن خلفيتك في مجال التحريك. هل صحيح انك لا تجيدين الرسم؟!

- هذا صحيح. فأنا مخرجة ولست رسامة. وليس حكماً أن يكون مخرج التحريك رساماً. دراستي الاساسية كانت دراسات مسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق. وهذا تخصص شامل الى حد كبير للسينما والتلفزيون والمسرح والمدارس الفنية. ولكنه لحسن الحظ يركز على جوهر الدراما في تلك الميادين. من المعهد، خرجت الى ما هو متاح اي التلفزيون، واشتغلت في جميع المهمات الممكنة، فضلاً عن مشاركتي في ورش عمل ودورات تدريبية في دمشق والخارج. في تلك المرحلة، لم تكن لدي اية توجهات الى فن الاطفال. ولكنني بالصدفة، انضممت الى شركة "تايغر برودشن" قبل نحو تسع سنوات وهي متخصصة بميديا الاطفال. هناك تعلمت التحريك، فأخرجت مسلسلات وكليبات وحملات توعية كلها تحريك. وكان ان استقدمت الشركة خبراء تحريك أجانب لتعليم كوادرها من الرسامين كما قامت بترجمة كتب. هكذا انطلقت التجربة ونحن في قلبها. وعلى الرغم من عدم اتقاني الرسم، الا انني اصبحت ملمة بتقنيات الرسام. ففي السينما الحية، على المخرج ان يعرف تقنيات الممثل ليتواصل معه ويخرج منه ما يريد. في التحريك، يحل الرسام في مكان الممثل.

[ ولكن هناك اليوم تجارب عالمية في التحريك قائمة على شخص واحد هو المخرج والرسام.

- هذا صحيح ولكن الشائع ان يكون الرسام هو المخرج ايضاً اذا كان يمتلك الموهبة والمعرفة. ولكن هذا ليس شرطاً للابداع. في السينما، قد يكون المخرج هو الكاتب ايضاً او المصور او الممثل... ولكن ذلك ليس اضافة ولا نقصاً بالمطلق. فلكل تجربة خصوصيتها.

[ لنحدد اذاً المهام ومن يشغلها في فيلم التحريك.

- هناك اولاً المخرج الذي يرافق العمل منذ اللحظة الاولى لتشكل الفكرة وحتى جهوزيته للعرض. كاتب النص او السيناريو هو المعروف في السينما الحية ايضاً ولكن الكتابة للتحريك تمتلك خصوصية ولذلك غالباً ما تكون مسبوقة بالفكرة او بالمفهوم العام. فشكل الشخصيات يفتح مجالات في الكتابة قد لا تكون واضحة من دونه. بشكل عام، تساعد الفكرة او الرؤية الكاتب على الاستفادة من التفاصيل. ثم يأتي دور مصمم الشخصيات الذي يترجم رؤية المخرج والكاتب للشخصيات الى رسوم. وفي هذه المرحلة، يطلع المخرج مصمم الشخصيات على كافة تفاصيل كل شخصية حتى تلك التي لا تظهر في الفيلم. ويبدأ هو عمله بتحديد معالم الشخصية وملامحها وانطباعاتها اي كيف تحزن او تغضب او تفرح... وحركة يديها ولفظها الحروف... ثم هناك مصممون للخلفيات والمؤثرات والأجواء وقد يجتمعون في شخص واحد او اكثر. وهناك مصمم الحركة اي كيف تتحرك الشخصيات. بعد هذه المرحلة، ندخل مرحلة الانتاج مع "ستوري بورد" مفصل وهو تقطيع مرسوم للمشاهد (رسوم مبدئية)، يتضمن شكل الكادر وزاوية الكاميرا وحركتها، ومدة اللقطة. بل انه يجري ايضاً مونتاج هذا الستوري بورد واضافة الاصوات اليه والموسيقى وكافة المؤثرات الصوتية. وبعدها يتوزع العمل بين المصممين وفقاً للستوري بورد. فمصمم الخلفية مثلاً يدرك من خلال الستوري بورد ان هذه اللقطة المعينة تحتاج الى خلفية صغيرة او اخرى كبيرة بحسب ما اذا كانت حركة الكاميرا فيها ثابتة او "ترافيلينغ" او متحركة او غيرها. وكذلك يعتمد مصمم الشخصيات على الستوري بورد.

بعد انتهاء عمل المصممين، يجري تلوين الرسوم وبعدها تنتقل الى "المجمّع" او "المؤلف" composer الذي يجمع الرسوم بين الشخصيات والخلفيات والمؤثرات ليدخل العمل في المرحلة الاخيرة من المونتاج والدوبلاج وتصحيح الالوان وكل ذلك بالتعاون مع المشرف التقني الذي يشكل صلة الوصل بين العاملين كافة وبرامج الكومبيوتر التي تتيح العمل وتسهله. وأخيراً يتم سحب الفيلم على شريط سينمائي او رقمي او دي.في.دي.

[ كم من الوقت تستغرق هذه العملية؟

- بالنسبة الى "خيط الحياة"، استغرق العمل عليه سنة واشتغل عليه نحو مئة شخص. ولكن هذه مدة قصيرة جداً في حين ان الشركات الكبرى مثل ديزني مثلاً يستغرق العمل على الفيلم فيها بين سنتين واربع سنوات. أعتقد ان سنتين مدة معقولة لانجاز فيلم تحريك على مستوى جيد.

[ كيف بدأ العمل على مشروع "خيط الحياة"؟

- بالنسبة الي، كان المشروع تحقيقاً لحلم الاخراج الذي راودني منذ بداية عملي. اقترحت مؤسسة السينما في سوريا استعدادها لخوض اول تجربة تحريك طويلة بالتعاون مع الشركة التي أعمل فيها. النص اقترحته ايضاً المؤسسة وهو قصة عالمية قصيرة لم نتوصل الى معرفة هوية مؤلفها. ولكنني اكتشفت خلال بحثي انها بدورها مأخوذة من اسطورة يونانية قديمة.هكذا جرى اقتباسها والباسها بيئة محلية في سيناريو كتبته ديانا فارس، واشتغلت عليه درامياً وسينمائياً ليناسب التحريك. وكان الهدف انجاز فيلم للطفل والاسرة معاً.

[ لماذا اخترت ان تكون الحوارات بالفصحى؟

- كل افلام التحريك التي يشاهدها الاطفال على التلفزيون بالفصحى. وكذلك مجلات الكوميكس التي يقرأونها. وخلال فترة البحث، اكتشفت ان الاطفال في بيئتي حين يلعبون يتحدثون ايضاً بالفصحى متأثرين بالتلفزيون وبرامج الاطفال فيه. لذلك كانت الفصحى بمثابة العرف الموجود فلم أرد كسره.

[ في الفيلم توجه ديني اسلامي ان من خلال الحوارات او يعض الشخصيات. كيف تفسرين ذلك؟ هل هي رغبتك ام رغبة المنتجين تماشياً مع السوق المحلية؟

- انها المرة الثانية التي أُسأل فيها عن هذا الجانب وأعترف بأنه فاجأني لأنني لم اقم بذلك عن سابق تصميم. ولكن الحكاية تدور في زمن بعيد حين كانت الدراسة تتم في الكتاب عن طريق الشيخ. شخصية الشيخ هي شخصية تقليدية كانت موجودة في كل قرية. اما الأم فليست محجبة كما اعتقد كثيرون ولكنها تضع غطاء ملوناً بالكاد يغطي راسها هو ايضاً غطاء تقليدي ينتمي الى بيئتها وكذلك الحوارات.

[ ألم يكن وارداً خيار جعل القصة معاصرة؟

- لا أدري لم افكر فيه لأنني أحببت صيغة "كان يا ما كان" لأول فيلم أصنعه.

[ إذا أردنا توسيع دائرة النقاش قليلاً لتشمل برامج الاطفال في منطقتنا. فيكيف تنظرين اليها؟

- برامج الاطفال صعبة عموماً لأن هنالك محظورات لا يمكن تخطيها وفي الوقت عينه يجب اطلاق العنان للأطفال. التخصص في هذه النوعية من البرامج يكاد يكون مفقوداً في منطقتنا. اما التعامل معها فيجري على اساس انها سلعة من الدرجة الثانية.

[ ألا تعتقدين ان هنالك مشكلة كبرى ايضاً في كيفية مخاطبة الاطفال وفي وعظهم المباشر؟

- مسألة الترويج للقيم في برامج الاطفال اساسية برأيي ولكن يجب ان تعالج بذكاء كبير وخيال واسع. يعنيني الجانب التربوي والتثقيفي في برامج الاطفال لذلك مثلاً من كلاسيكيات التحريك "توم وجيري" ما هو غير تربوي البتة بل مضر بسبب العنف المجاني الكامن فيه. ولكن اسمحي لي أن أقول رأيي بصراحة: نحن في منطقة نامية فقيرة، قد لا نجد في بعض قراها غسالة ولكننا سنجد حتماً تلفزيون وساتيلايت. وعليه فإنني اشعر بمسؤولية كبرى عند مخاطبة اطفال هذه البيئة. لا أملك حرية كبرى في تقديم اية شخصية أريد. شخصية طفل متمرد يرفض الذهاب الى المدرسة لن تكون ذات تأثير ايجابي على طفل في بيئة أمية، أريده ان يطلع من الجهل وأن يتشجع على الذهاب الى المدرسة! كذلك لا أجد نفسي قادرة على تقديم شخصية طفل في فيلم تحريك يأكل من النفايات مثلاً-مهما كانت شخصية ايجابية- وأقدمها الى أطفال يعيشون بين النفايات بالفعل! انها مسألة شائكة ولا بد من أن تأخذ في الاعتبار وضع الطفل في منطقتنا.

[ بهذا المعنى أنت أنجزت "خيط الحياة" ليكون توجيهياً تعليمياً؟

- أتمنى أن يلعب مثل هذا الدور ولكنني اشدد على انه لا ينقصه الخيال والذكاء في التوجه الى الطفل مباشرة.

[ هل ستكملين في هذا الخط؟ أقصد التحريك عموماً والتحريك الموجه الى الاطفال خصوصاً؟

- لن أترك أياً منهما ولكنني لن ألتزم بهما فقط. فبعد ثماني سنوات من العمل في التحريك، أقولها بصراحة شديدة انني اشتقت الى الممثل. لذلك أحضر لمشروع جديد سيكون مزيجاً من التحريك والحي.

[ الى أي مدى يعبر فيلم تحريك الاطفال عن المخرج؟ هل يستدعي من خلاله طفولته حكماً؟

- بالنسبة الي هذا أكيد. النفق في فيلم "خيط الحياة" هو طفولتي. عندما كنت طفلة، كنت أقول لأخي الذي يصغرني بعامين انني عندما ينام الجميع أنزل تحت الأرض حيث مملكتي. رافقني حلم اليقظة هذا لوقت طويل ووجدته يتسرب الى فيلمي الاول.

[أود مشاركتك وجهة نظري الأولية وربما المتسرعة في موضوع افلام التحريك الموجهة للكبار. لمست في ثلاثة افلام شاهدتها من هذا النوع ان ثمة تصادماً بين تقنية التحريك والتعمق في الموضوع. بمعنى آخر، التقنية غالبة وبعد مرور بعض الوقت وهدأة سحر التحريك، تنبسط الاشياء من دون عمق.

- لا أوافقك الرأي في ان هذا يخص سينما التحريك حصراً. ولكن ربما لأن سينما التحريك قائمة على خيارات لا حصر لها وعلى تقنية متحولة باستمرار وتجارب قليلة فإن هناك شيئاً من الاستعراض في العمل، قد يهدد بابتلاع العمل في لحظة. ولكن بصرف النظر عن تقنية اي فيلم، فإن العبرة في النهاية في المنتوج النهائي. وهنا علينا ان نكف عن التفكير في كيف انجز الفيلم وننظر الى العمل الفني بكل عناصره السينمائية اي الكاميرا والاخراج والاداء والقصة وتطورها ونحكم عليه على هذا الاساس.

[ ما هي برأيك آفاق فن التحريك في العالم العربي؟

- أظن ان الانطلاقة يجب ان تكون من وضع اسس لتعليم هذا الفن. المواهب موجودة حتماً كما هي الحال في فنون اخرى وبلدان اخرى. ثم يأتي دور الانتاج الذي يتوجب عليه اعادة تقويم الامور. فالسائد اليوم ان تشتري محطات التلفزة حلقات تحريك مدبلجة باسعار زهيدة مقابل الكلفة العالية لانتاج شيء محلي او حتى مجرد شرائه من فنانين ليسوا جزءاً من تيار انتاجي كبير كما هي الحال في اليابان او الولايات المتحدة. اما الانتاج السينمائي فمسألة أعقد ويعيدنا الى نقاش سينمائي قائم بين السائد والفني.

[ إذا أردنا ان نعرف بكلمات قليلة بالتحريك، هل نقول انه نوع الى جانب الروائي و الوثائقي؟ ام هو تقنية مختلفة ام ماذا؟

- هو ليس نوعاً من حيث ان الروائي قد يكون تحريكاً وكذلك الوثائقي وكذلك القصير والفيديو. هو أداة تعبير مختلفة، تعبر عن ذاتها. البعض يسمونه الفن الثامن وتعجبني هذه التسمية.

[ أخيراً هل تعتقدين انه من السهل ان تسهم نهضة التحريك العالمية والعربية الحالية في تصحيح النظرة التقليدية عند الجمهور المحلي العريض للتحريك وتدفعه الى النظر اليه كفن ليس حكراً على الأطفال؟

- هذه النظرة لا تخص الجمهور المحلي فقط وان كانت في أماكن أخرى ربما أقل حدة. لا أستطيع أن أتكهن الآن الى ماذا ستؤول هذه الحركة، ولكنني أكيدة من ان مهرجاناً متخصصاً للتحريك كالذي يقام في بيروت اليوم هو حتماً خطوة اساسية لتشجيع الجمهور كما صناع هذه الافلام على المضي في فن التحريك. المهرجان هو المنبر للجميع للخوض في نقاش جاد حول التحريك ولمشاهدة انتاجات عالمية لا منبر آخر لها في منطقتنا.

 

مسلسل الرقابة: مفاجآت وتشويق.. ولكن ماذا عن النهاية؟

ريما المسمار

في الماضي القريب، كان عمل الرقابة في لبنان يشبه الى حد بعيد "الخبطات" او "الخضات" السنوية. وأحياناً كان "الانجاز" الرقابي يغيب لأكثر من سنة قبل أن يعود ليذكر بحضوره وسطوته. ولكن الحال تبدلت خلال السنة الفائتة، إذ غدا الفعل الرقابي أقرب الى عمل دؤوب، تُراد له الاستمرارية والتأثير والسيطرة، بما يدفع المتابع الى افتراض ارتفاع منسوب القلق والتوتر لدى الجهة المراقبة اللذين يفرضان اثبات الذات مرة بعد أخرى وان بقبضة من حديد. فتُنتدب للمهمة خلية متأهبة دوماً (مقرها الامن العام) للاقتصاص من كل ما من شأنه أن يهدد "الاخلاق" و"الأمن" والأحاسيس الطائفية "المرهفة" وغيرها من الاعتبارات المطاطة. منذ أكثر من سنة، تعرض الرقابة في لبنان منجزاتها في حلقات متقاربة، تشبه المسلسلات التلفزيونية. بل انها تتقارب أكثر فأكثر مع مرور الوقت. وهذا التقارب والتسارع في وتيرة البث يتعارض مع منطق الأشياء في التلفزيون حيث ان التسارع يعني اقتراب النهاية. فهل بدأت الرقابة تحفر قبرها بنفسها بتعمدها استفزاز الوسط السينمائي والعاملين فيه؟ فبعد سلسلة منع وحذف طاولت أربعة أفلام ايطالية في مهرجان بيروت السينمائي الدولي في تشرين الاول/أكتوبر الماضي وأكثر من ست دقائق من فيلم سيمون الهبر الوثائقي "سمعان بالضيعة" تزامناً، فضلاً عن "بصمتها" في المسرح، فوجئت أول من أمس هانيا مروة مديرة صالة متروبوليس ومنظمة مهرجان "بيروت متحركة" لأفلام التحريك، بحذف مشهد من ثانيتين في فيلم "لعبة الذهن"Mind Game الذي كان عرضه مقرراً مساء أمس، للمخرج الياباني ماساكي يواسا، يتضمن لقطة للوحة داخل كنيسة تجسد "المطهر". ولدى سؤالها عن السبب أجابها أحدهم انها "صور شيطانية"! والمعروف ان المطهر أو "اليمبوس" (بالانكليزية Limbo (هي فكرة من الأفكار المسيحية الكاثوليكية تعود الى القرون الوسطى. وتقوم على وجود حيز يقع على مشارف السماء تسكنه أرواح البررة من غير المؤمنين، وأرواح الخيرين الذين نشأوا في أزمنة الكفر، حيث يتطهرون من خطاياهم قبل أن يصعدوا الى السماء.

على الرغم من تجسد هذه الفكرة في أعمال فنية عديدة وخضوعها للكثير من النقاشات والتأويلات، لم يجد موظف الرقابة إجراءً أسهل من حذفها مادام المعيار غائباً وكذلك المحاسبة. فإلى اللقاء في الحلقة المقبلة من مسلسل الرقابة الذي ما فتىء يعد بالمزيد من المفاجآت والتشويق، الأمر الذي بات يستوجب عملاً مضاداً بدأت نواته منذ بعض الوقت، ويطمح الى كتابة النهاية المحتملة لهذا المسلسل.

المستقبل اللبنانية في

20/11/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)