تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

كل شيء حول ايلي مهدد بالغرق ... والخبطة المسرحية للنهاية

دمشق - فجر يعقوب

يحلو للمخرج الإيراني أصغر فرهادي أن يقدم في فيلمه «عن ايلي»، الذي عرض في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في أبو ظبي أخيراً صورة نفسية مصغرة عن ايران المعاصرة. فرهادي يقترح بذكاء في الفيلم سيناريو بسيطاً ومجزأً إلى تفاصيل دقيقة عن أحوال بلاده من دون أن تشده أو تغرقه الكليشيات التي تطرأ على الخيال في مثل هذه الحالات، ولا هو ينشد اليها باعتبارها ملجأ أو حكماً أخيراً على قيم فنية.

«ايلي» هو تصغير للاسم الفارسي المؤنث ايليماز، وهو فيلم عنها ولها، أي عن الفتاة الإيرانية الشابة التي تحمل هذا الاسم، والتي تذهب مع مجموعة من الأصدقاء (أزواج وزوجات وأطفال) لقضاء عطلة على شواطىء بحر قزوين من دون مقدمات أو شروع في مقدمات ثقيلة قد تعيق تطور الفيلم من الداخل. كل شيء في الرحلة بدا مغرياً بالوصول الى البحر. اختيار البيت القريب من الشاطىء. تنظيفه جماعياً وترتيب أثاثه البسيط، والذريعة حكماً واحدة دائماً: قضاء عطلة عائلية فيها الكثير من الود والانسجام والاسترخاء، وهذا لا يمنعهم من التلميح إلى صاحبة البيت العجوز بأنهم يؤجرون البيت منها ارضاء للعروسين الشابين أحمد وإيلي.

بالطبع ذريعة قضاء العطلة هي محاولة الأصدقاء تأمين زوجة لصديقهم أحمد العائد حديثاً من ألمانيا في رحلة بحث عن عروس بعد أن مني زواجه من ألمانية بفشل ذريع، وهذا يفرض على سيبيدي زوجة أمير أن تسعى لتأمين لقائه بإيلي وتعرفه اليها، وهي معلمة ابنها في الحضانة وحسناء حلوة. ايلي بالطبع تعرف سبب قدومها، وتعرف بالتالي ما هو مطلوب منها، وهي لا تمانع في الذهاب مع أحمد بسيارته إلى السوق لشراء بعض الحاجيات، وفي الطريق يدور بينهما حوار طويل يقطعه رنين هاتف ايلي النقال فلا ترد عليه ما إن تقرأ الاسم على شاشته، وتتحجج بأنها ستتصل في ما بعد، ثم تتصل بأمها وتطمئنها.

كل شيء في السيناريو يسير بإحكام، وتبدو القصة ممعنة في جريان مقنع، ففي المساء يقومون بلعبة التعرف على الإشارات، كأن يقلد أحدهم شيئاً بحركات من أصابعه ووجهه، وعلى جميع الحاضرين محاولة معرفة ما الذي تعنيه هذه الإشارة أو تلك. حتى الصبي (آراش) سيكون له دور في اللعبة البديلة من التلفزيون ( ربما ) حيث لا يوجد في هذا البيت المعزول جهاز قد يعين الجميع على قضاء أمسياتهم الثلاث، وهو من سيمهد لانقلاب درامي في الفيلم كما سنرى.

إشارات

في صباح اليوم التالي تقوم ايلي باللعب مع الأطفال عند الشاطىء، وتطيّر معهم طائرة ورقية، فيما تذهب النسوة الأخريات إلى المدنية المجاورة للتسوق بعد أن يطلبن إلى ايلي الاهتمام بالصغار، فيما ينشغل الرجال بألعابهم. وتجرى الأمور عذبة وحلوة إلى أن ينال البحر للوهلة الأولى من آراش، فتركض الطفلة وتنبه الأزواج مانوشير وأمير وبيمان، فيهرعون بسرعة إلى البحر، وبعد مصارعة مع أمواجه يتمكنون من انقاذه وقد شرب كميات كبيرة من المياه المالحة. وتقع المصيبة عندما يكتشفون اختفاء ايلي، ويبدأون البحث عنها من دون أثر لها، وتبدأ حفلة استجواب سيبيدي لأنها هي من أوصت بحضورها وتتعلل بأن ايلي ربما تكون رحلت، فهي لا تستطيع الغياب لأكثر من يوم، وتكون المفاجأة أنها لا تعرف عنها أشياء أكثر من اسمها الأول عندما تستجوبهم الشرطة بخصوصها، وهو ما يثير ريبة لا يمكن وصفها بالبوليسية، لأنها ستتسلل فقط بين الأصدقاء، وكأن لاشغل لرجال الشرطة بالموضوع، فهم يستمرون بقضاء (كابوس العطلة) على الشاطئ، وما يثير أكثر هو اكتشافهم وجود حقيبة ايلي وفيها هاتفها النقال. ويقررون الاتصال بآخر رقم اتصلت به، فيظهر لهم على الخط الآخر صوت شاب يدعي أولاً أنه شقيقها، ثم سرعان ما يكتشف الجميع أنه خطيبها. وتصعق سيبيدي مثل الآخرين، لأنها لم تكن تعرف أنها مخطوبة، وأنها تصرفت وفقاً لذلك، ويتفق الجميع بعد مناقشة الموضوع بينهم ألا يقولوا شيئاً أمام خطيبها عن موضوعها مع أحمد، إلى أن تبلغ السلطات الأصدقاء بوجود جثة لشابة تنطبق عليها أوصاف ايلي في المشرحة، وتطلب التعرف اليها وقد لفظها البحر وتخلى عنها بعد أن هدأت أمواجه. ويدخل خطيبها وحيداً ويتعرف إلى جثة خطيبته، وتكاد تسير الأمور إلى نهاياتها المفترضة لولا ابداء العجوز صاحبة البيت الأسف على العروسين اللذين لم يهنأا بشهر العسل، وهنا يكتشف الخطيب السر الذي حاول الجميع اخفاءه عنه، فينهال على أحمد بالضرب.

إيقاع

يمكن القول إن ثلاثين دقيقة من الفيلم هيأت تفاصيل مغرية للوقوف على قصة محكمة أهم ما فيها الإيقاع الذي اشتغل عليه أصغر فرهادي بحذق الأمواج نفسها التي ضيعت ايلي، فصنع فيلماً منه، ولولاه لتداعت القصة وتصدعت تحت ضربات الأمواج ذاتها، والتي ما فتىء فرهادي يعيد صوغها على شكل متواليات ساهمت بإنضاج فكرة العطلة على شاطئ بحر قزوين حيث سيسقط في يد الجميع بعد ذلك، وبخاصة بعد أن أيقنوا برحيل ايليماز، وظلت السيارة التي أقلتهم تغوص في الرمل وهم يدفعونها من الخلف، بما يذكر بحالات أكبر تتجاذبها أمواج عاتية ربما تفرج عن آراش، ولكنها تنال من ايلي التي كانت تتوق إلى الحرية، أي حرية، ولو كانت مشروطة بالموت من خطيب لم تكن تهنأ له، أو حتى من عريس مرتقب قادم لا تعرف عنه شيئاً.

الحياة اللندنية في

13/11/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)