تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

الشاعر والروائى الفلسطينى زكريا محمد يروى وقائع الزيارة إلى رام الله..

هند صبرى ويسرى نصر الله.. والتطبيع مع السجان الإسرائيلي

حضرنا الأسبوع الماضى الحفل الختامى لمهرجان القصبة السينمائى الدولي، شاكرين لمسرح القصبة تنظيم هذا المهرجان، لكننا فوجئنا بأن هذا الختام تحول إلى نافذة لتمرير قضايا سياسية مختلف عليها، وتمريرها على أنها تمثل الإجماع الثقافى الفلسطيني. فقد تليت فى الحفل رسالة باسم المثقفين الفلسطينيين، جميعا، تطالب بكسر الحصار الذى تتعرض له الثقافة الفلسطينية والشعب الفلسطيني. 

حسنا، كسر الحصار الإسرائيلى مطلبنا كلنا، هذا أمر لا شك فيه. لكن الغريب أنه إذ يتم الحديث عن كسر الحصار الإسرائيلي، فإن إصبع البيان تشير، فى الواقع، إلى موقف المثقفين العرب الذين يرفضون زيارة فلسطين (الضفة خصوصا) فى ظل الاحتلال. فموقف هؤلاء هو الحصار، وهو الحصار الذى ينبغى كسره.  

وهكذا، يتحول هؤلاء المثقفون إلى محاصرين للشعب الفلسطينى وثقافته! 

لقد ظن المثقفون العرب المعنيون المساكين أنهم يقدمون خدمة للشعب الفلسطينى وقضيته، فإذا بهم يتحولون، بجرة قلم، إلى محاصرين للشعب الفلسطيني، تتوجه الدعوات لشجب موقفهم، وكسر حصارهم! 

وحين يصل الأمر إلى هنا، يصير السكوت عيبا. 

لا يجوز السكوت على مثل هذا الخلط الغريب. فمن المحزن حقا أن يتم الحديث عن كسر الحصار على الشعب الفلسطينى وثقافته، ويكون المقصود بذلك موقف قطاع كبير من المثقفين العرب، لا الحصار الإسرائيلي. 

وكى يتضح الأمر، وحتى لا يحصل خلط، فإن علينا أن نوضح أن إسرائيل لا تمانع أبدا فى وصول أى مثقف عربى إلى رام الله. على العكس فهى ترحب بذلك، ما دام أنهم يأتون بموافقتها، وبأمرها، وما داموا سيعبرون الجسر الذى يسيطر عليه جيشها، وما داموا سيذلون ويهانون على الحواجز الإسرائيلية. بالتالي، فمن هذه الزاوية لا يوجد حصار إسرائيلى كى تكسره الممثلة التونسية هند صبري. كما أنه لا يوجد تحد لهذا الحصار فى ما لو حضر المخرج المصرى يسرى نصر الله إلى رام الله. 

إذن، فالحصار المعنى ببيان مهرجان القصبة هو موقف قطاع واسع من المثقفين العرب الذين يرفضون المجيء إلى الضفة الغربية بموافقة الاحتلال. هؤلاء هم من يحاصرون الثقافة الفلسطينية بناء على هذا البيان. وحصارهم هو الحصار الظالم الذى يشار إليه!  

وهكذا، فالمطلوب ليس مواجهة حصار إسرائيل، بل مواجهة حصار مفترض من العرب. 

أما مهرجان القصبة فيريد أن يشارك بنشاط فى كسر الحصار العربى المفترض. وهذا حقه، لكن شرط ألا يتحدث باسم المثقفين الفلسطينيين كلهم، فمن أصدر بيان هذا المهرجان هم مجرد أقلية فى الحياة الثقافية الفلسطينية. هم لا يشكلون الإجماع، ولا يمثلون الغالبية، بل إنهم لا يمثلون النصف. 

بناء على هذا البيان، فإننا نصبح ملزمين بطرح السؤال التالى على القصبة وعلى مهرجانها: هل أنتم مهرجان سينمائي، أم أنكم تتحولون إلى هيئة سياسية للدفاع عن موقف سياسى خلافى محدد؟ إذا كنتم تريدون أن تكونوا هيئة سياسية، فلكم الحق فى ذلك، لكن يكون لنا الحق حينها أن نعاملكم كجهة سياسية لا كمهرجان سينمائي. وفى هذه الحال، فإن المهرجان سيخسر بكل تأكيد، ونحن لا نريد له الخسارة. 

والحق، أن هناك ما يشير إلى أن بيان مهرجان القصبة، لم يأت مصادفة، بل أتى فى سياق فتح معركة خاصة لكسر موقف المثقفين العرب الذين يرفضون زيارتنا بإذن من الاحتلال. وهناك شبهة أنه تحت ستار هذه المعركة، وتحت غيمة غبارها، ربما أريد تمرير (تطبيع) محدد مع إسرائيل. ولعل وجود فيلم نادية كامل (سلاطة بلدي) فى المهرجان يكون دليلا على ذلك. فرغم تعاطفنا مع المخرجة ووالدتها فى مأساتهما الذاتيتين، فإن الفيلم يستخدم فى الواقع مأساة خاصة لتمرير أفكار سياسية خطرة حول مسألة عامة، هى مسألة الصراع العربى الإسرائيلي. أو قل، إنه يطمس مأساة عامة عبر مأساة خاصة. يطمس مأساة الفلسطينيين، عبر التركيز على مشهد ثانوي. أى يستخدم المشهد الثانوى لتعمية المشهد الأساسي. فحين يتحدث عن المهاجرين اليهود المصريين إلى إسرائيل ومآسيهم الشخصية يفشل فى أن يذكر واقعة أنهم ناموا فى بيوتنا التى سلبت منا، وعلى فراشنا الذى وجدوه ساخنا من دفء أجسادنا. 

وإذا جمعنا البيان إلى الإشارات الأخري، فإنه يصبح بإمكان المرء أن يشك فى أننا أمام محاولات لتمرير قضايا سياسية خطرة، أو مختلف عليها فى أقل تقدير، تحت غطاء السينما. 

ولأن الأمر كذلك، فقد كان علينا أن نواجه الخلط الذى حصل فى مسألة الحصار. فالبيان يتحدث عن الحصار الإسرائيلي، لكنه يصوب فى الواقع نحو موقف قطاع واسع من المثقفين العرب، بهدف كسره. 

لذا، لا بد لنا أن نقول إن هند صبرى لا تكسر الحصار الإسرائيلى حين تأتى إلى رام الله. هى لا تفعل شيئا يعاكس مصالح الاحتلال حين تأتى إلى رام الله. على العكس، فهى مرحب بها من قبل الإسرائيليين، ومرحب بغيرها. ولو كان هناك أى ضرر للاحتلال من وجودها، لما سمح لها بالعبور أصلا. 

وإذا كانت هند صبرى تريد أن تكسر الحصار الإسرائيلى فعلا، فقد كان عليها أن تكافح للذهاب إلى غزة. فهناك يكمن الحصار، الحصار المميت. 

كذلك، لن يكسر المخرج يسرى نصر الله الحصار لو أتى إلى رام الله، فهو سيأتى بإذن المحاصرين، بكسر الصاد، أى بإذن إسرائيل. ولن تمنحه إسرائيل إذنها كى يأتى ليكسر حصارها. سيأتى إلى هنا، فقط، كى يكسر موقف زملائه المصريين ممن يرفضون زيارة رام الله تحت الاحتلال وبإرادته. وإذا كان هدفه هو هذا فسينجح فيه. لكن عليه حينها ألا يصور الأمر ككسر لحصارنا.  

نحن مشتاقون لهند صبري، ومشتاقون ليسرى نصر الله، ومشتاقون لكل إخوتنا من المثقفين العرب. نودهم هنا بيننا، كى نعمل لهم (المسخن)، وكى نعزمهم على طبق (كنافة) نابلسية. لكننا نتحمل عدم مجيئهم كى لا يصبحوا مذلين مهانين مثلنا. نحن هنا مذلون مهانون. نرغم على عبور الحواجز الإسرائيلية، وعلى تقبل الإهانات كل يوم عليها. نحن مرغمون أن ندفع وثيقة سفرنا إلى جندى أو جندية إسرائيلية على الجسر لكى يختمها ويسمح لنا بمغادرة بلدنا مسافرين. هذا قدرنا. 

لكن ما الذى يرغم يسرى نصر الله على أن يذل على الجسر؟ ما الذى يرغمه على أن يلوث جواز سفره المصرى بالختم الإسرائيلي؟ جواز سفره رمز لمصر، فلماذا عليه أن يهين هذا الجواز؟ أمن أجل أن يحضننى فى رام الله، ويأكل صحن كنافة معي؟ لا، أنا لا أبيع كرامة مصر والجواز المصرى بقعدة على صحن كنافة. لا، أنا لا أحب لمواطن مصرى أن يهين نفسه بان يطلب موافقة الإسرائيليين على الدخول إلى رام الله. 

نحن لا نريد إخوتنا المثقفين العرب هنا، لأننا لا نريد لهم أن يكونوا مذلين مهانين مثلنا. نريد لهم أن يظلوا أعزة. أهذا مطلب ظالم؟ أهذا مطلب سيئ؟  

أما إذا كانوا يريدون أن يتذوقوا طعم المذلة مثلنا، فلا مشكلة لدينا. يستطيعون ان يأتوا إلى رام الله متى شاءوا، لكن شرط ألا يتحدثوا وقتها عن كسر الحصار. فلا علاقة لمجيئهم بكسر الحصار. حكاية كسر الحصار لعبة من البعض كى يأتوا مذلين مهانين إلى المذلين المهانين هنا. 

حين تأتون ستتحولون، فورا، إلى مذلين مهانين يعانقون مذلين مهانين. ونظن أننا لسنا بحاجة إلى أن نزيد طابور المذلين المهانين من العرب. 

أما من يريد أن يكسر الحصار فليذهب إلى غزة. من يريد أن يكسر الحصار فليذهب إلى الجانب الأردنى من الجسر، ويقول: سأعبر إلى فلسطين من دون التنسيق مع إسرائيل، ومن دون إذنها، وغصبا عنها. وهذا غير ممكن الآن.  

وثمة عبارة بريئة يتم تداولها، وتكاد تتحول إلى طوطم عند (كاسرى الحصار الجدد!) وهي: (زيارة السجين ليست تطبيعا مع السجان)!! 

لا.. زيارة السجين هنا تطبيع مع السجان. دليل ذلك أن السجان يشجع عليها. هو يضع العقبات أمام أهل المعتقلين الذين يرغبون فى زيارة أبنائهم فى سجن النقب مثلا، لكنه لا يضع العقبات أمام مجيء المثقفين العرب إلى رام الله، لأنه يدرك أنه يكسب فى نهاية الأمر من مجيئهم، إذ هم يجيئون بأمره وإذنه. 

لا هذه ليست زيارة لسجين، إنها فى الواقع إقرار بأن السجان على حق، بشكل ما. لذا، فإن وفود التطبيع الرسمية العربية كثيرا ما تستشهد بهذه المقولة. يأتون للتطبيع مع إسرائيل، ولتثبيت التطبيع معها، تحت حجة زيارة السجناء. يستخدمون مقولة طيبة من أجل تغطية سياساتهم غير الطيبة. 

وحين يأتى يسرى نصر الله، الذى يريد أن يزرو السجين فعلا، فهو من حيث لا يدرى يثبت موقف هؤلاء ويدعمه. 

عزيزنا يسري، سمعنا صوتك فى مهرجان القصبة، وأحسسنا برعشة الحب فيه. رعشة الحب لفلسطين وأهلها. لكننا ربما نعرف أكثر منك ما يجرى هنا. لا نحب لك أن تتعرض لابتزاز من يدعى أنه سجين، وانه يريد زيارتك. إذا جئت ستزور السجين ربما، لكن بثمن غال: أن تضيف مذلا مهانا إلى صف المذلين والمهانين العرب. 

وإذا كنت راغبا فى أن تصبح مذلا مهانا مثلنا، فأهلا بك فى رام الله. وسوف نشرب نخب مذلتك ومذلتنا.. سوف نشربها ونبكي. 

العربي المصرية في

03/11/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)