أشعر بحزن عميق في
قلبي، وغضب شديد مكتوم في صدري، من حالة اللهاث المضني وراء الإثارة،
والشغف
الهائل، والسعار المحموم وراء الفضائح التي سيطرت علي عقول صنّاع الإعلام
في
مصر..
وتحت شعار
»الجرأة والحرية والمنافسة والتطوير«
استباحوا هتك الأعراض،
ونبش العورات وكشف أسرار غرف النوم المغلقة، والتعريض بالحياة الشخصية لرموز
المجتمع ونجومه ومشاهيره..
ودخلت المحطات التليفزيونية، والصحف في سباق
هيستيري، وماراثون مجنون لنشر أكبر عدد من الفضائح
والشائعات والأسرار الخاصة،
وامتلأت سماء الإعلام بفيض من الحوارات المتدنية والموضوعات المبتذلة التي
نزعت
ورقة التوت الأخيرة عن نجوم، ومشاهير قبضوا ثمن فضائحهم،
وبرامج جعلت من ضيوفها
سلعة في زمن يباع، ويشتري فيه كل شيء وأي شيء مقابل حفنة من الجنيهات!
والحق
أنني لا أعرف لماذا وافق هؤلاء السادة الكرام أن يتركوا أنفسهم فريسة
ووقوداً
يشعل به تجار الأعراض مزاداتهم الرخيصة!
والغريب أن هؤلاء الذين باعوا
أسرارهم الخاصة، وكشفوا عوراتهم الشخصية أمام الكاميرات عن طيب خاطر وبابتسامة
عريضة.. هم أنفسهم الذين وجدناهم يصرخون ويتباكون عندما تناولتهم الأقلام
بالنقد
علي صفحات الجرائد والمجلات وسارعوا بالنفي والتشكيك والتكذيب!
> > >
إن من وقعوا في فخ تلك البرامج الفضائية-
دون سبق إصرار وترصد-
أصابتهم توابع زلزال الفضائح،
والإثارة بتصدع وشروخ عميقة،
لم تكن في
حسبانهم..لكني في الواقع لا أستطيع أن أعفيهم من
الخطأ أو أتعاطف معهم، كما
أنني لم أتساءل.. »لماذا؟!«
ولم أندهش من نار جهنم التي لفحتهم بعد تلك
التصريحات التي فتحت شهية بعض الأقلام الصفراء لأنني علي يقين بأن أحداً لم
يجبرهم علي هذا البوح، وتلك الفضفضة الكريمة مدفوعة الأجر، كما أن أبواب
الاستوديوهات لم تكن موصدة أمامهم،
وكان بإمكانهم الانسحاب من تلك المياه الآسنة
قبل أن تغوص أقدامهم في وحل الفضائح،
لذلك أقول لهم: »علي نفسها جنت
براقش!«.
> > >
واقع الحال أننا أصبحنا أمام سرطان من نوع
جديد، ورغم تحذيرات أجهزة الإنذار المبكر من سقوط خطوط الدفاع والمقاومة،
إلا
أن أصحاب المصالح وتجار اللحم الرخيص ورواد سوق النخاسة يحاولون بكل قوتهم
ترك
المرض ينهش جسد المجتمع!
أقول لهواة الفضائح وعشاق البرامج إياها..
عودوا
إلي صوابكم فليست هذه جرأة تجذب المشاهدين،
بل وقاحة تنفر المتابعين لإبداعاتكم
التي ما أنزل الله بها من سلطان..
فالحديث الشريف يقول:
»لو تكاشفتم ما
تعايشتم.. فقليل من المداراة«.
> > >
أسعدني وأثلج صدري
التحرك السريع والحاسم للنائب العام المستشار عبدالمجيد محمود،
والمجلس الأعلي
للصحافة لمواجهة تلك الجريمة النكراء التي اقترفتها مجموعة من أصحاب النفوس
الدنيئة
في حق الفنان القدير نور الشريف أحد رموزنا الفنية الذين نعتز بهم، ونحترم
تاريخهم المشرف، ولكنني أتعجب حقاً من موقف نقابة الصحفيين التي رفعت شعار
»انصر
أخاك ظالماً أو مظلوماً«..
ووقفت نقابتنا تدافع عن أشباه الصحفيين،
وانبرت تساند هؤلاء الذين أساؤا لمهنة الصحافة قبل أن يسيئوا لأنفسهم!
أحسب
أن دور النقابة حماية المهنة من مثل هؤلاء الدخلاء الذين مزقوا ثوب
مهنةصاحبة
الجلالة، ووضعوا بقعة سوداء علي جبينها!
لذلك أتساءل: بأي وجه حق سمحوا
لأنفسهم بالنشر، وكيف تساند النقابة الجاني لا المجني عليه في قضية أخلاقية تمس
الشرف والسمعة؟!
أما الأمر الذي
يدهشني حقاً فهو السماح لتلك الجريدة
المغمورة التي تحمل تصريحاً
أجنبياً
بدخول مصر والتداول علي أرضها،
وتوزيع
الاتهامات والبذاءات المضللة التي تطال سمعة فنان كبير صاحب
رسالة عظيمة.
إن
إدارة الرقابة علي المطبوعات سبق لها،
وصادرت العديد من الصحف لأسباب أقل كثيراً
من تلك الجريمة البشعة،
فلماذا وقفت عاجزة هذه المرة،
ولم تصادر تلك الجريدة
المجهولة بعد أن تأكدت من عدم صحة حديث الإفك الذي نشرته علي صفحاتها؟!
إنني
فخورة بقرار المواجهة الحاسمة الذي اتخذه نور الشريف وشجاعته في تلقين
هؤلاء
الصحفيين درساً
لن ينسوه، وأتمني من أصحاب الشعارات الرنانة ألا يخرجوا علينا
مدافعين رافعين رايات الحرية،
مطالبين بعدم حبس الصحفيين أصحاب الأيدي الآثمة
التي استهدفت النيل من قامة فنية كبيرة.
إنهم يستحقون عقوبة جنائية مشددة جراء
جريمتهم الأخلاقية..
وفي رأيي إن هذه الأزمة كانت استفتاء صريحاً
علي حب الناس
لنور الشريف ومساندته والدفاع عنه، وإن كنت أري أن نور الشريف بتاريخه الفني
ومواقفه الإنسانية والوطنية أكبر من أي دفاع،
وأبعد ما يكون عن أي محاولة حقيرة
للنيل من سمعته الناصعة، وسيرته الطيبة ومشواره الحافل بالكفاح والنجاح،
وأعماله التي ترسي القيم الإنسانية السامية!
> > >
يمتطي طارق
حجي- في كتابه »سجون العقل العربي«-
جواد الحرية، ويقفز كالمغامر الجريء من
فوق الأسوار شاهراً
قلمه في وجه قوي الظلام والديكتاتورية، وأهل الردة إلي
العصور الحجرية، محاولاً
تحرير العقل العربي المعاصر من ثلاثة سجون سميكة
الجدران عالية الأسور، شائكة الأسلاك..
ألا وهي سجن الفهم البدائي للدين،
وسجن الموروثات الثقافية البالية التي أثمرتها تجربتنا
الثقافية التاريخية،
ثم
سجن الفزع والجزع والرعب من ثورة المعرفة الحديثة بحجة الخوف علي سماتنا
وملامحنا
الثقافية من الضياع والزوال والاندثار،
وامتزاج الدماء النقية الطاهرة بالدماء
غير الشريفة لثقافات وافدة من وراء البحار والمحيطات!
المفكر والفيلسوف طارق
حجي، عقله مشغول بعقول الآخرين مثله مثل كل المفكرين والفلاسفة في العصور
الغابرة..
وعلي طريقة ابن رشد،
ومن قبله سقراط وأرسطو يسعي حجي بجهده-
العظيم- أن يضع يده علي محنة المجتمع،
ويأخذ بيده نحو التقدم والتمدين..
ويكشف اللثام عن سوءات الواقع ليبدد ظلام العقل..
وهذا أبسط حقوق الإنسان في هذا
الزمان وفي كل زمان!
وكأن طارق حجي يريد أن يقول في كتابه الذي يصل إلي
٠٥٤
صفحة: »خير لك أن تبكي مع عقلاء من أن تضحك مع
الحمقي«!
amalosman23@yahoo.com
أخبار النجوم المصرية في
15/10/2009 |