تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

"مهرجان الفيلم اللبناني" الثامن يستقطب محترفين ويدخل دائرة المنافسة (1)

تجارب أمينة لمسارات صانعيها تخون الأشكال السائدة وتجدد التساؤلات

ريما المسمار

في دورته الثامنة التي انعقدت بين 20 و24 آب/أغسطس الجاري، حقق "مهرجان الفيلم اللبناني" تقدماً ملموساً يعزز مكانته الآخذة بالتثبت عاماً بعد آخر. فقد بات جلياً ان هذا الموعد السنوي هو المساحة الأرحب للانتاج البصري في لبنان بشتى أنواعه. واذا كان ذلك من بديهيات الأمور في مهرجان أعلن منذ العنوان تخصصه بالفيلم اللبناني، فإن التواصل مع المخرجين اللبنانيين، الذي هو سمة الدورة الحالية، ليس بالضرورة على القدر نفسه من البديهية. فثمة أمام المخرج اللبناني خيارات أخرى ثابتة (مهرجان أيام بيروت السينمائية ومهرجان بيروت السينمائي) وأخرى متنقلة (منتدى "أشغال داخلية" والتظاهرات الحرة والعروض الخاصة)، كانت حتى الدورة الماضية متقدمة على "مهرجان الفيلم اللبناني" لاسيما في حسابات المخرجين المكرسين. ولعل مشاركة عدد منهم في الدورة الأخيرة (محمد سويد وخليل جريج وجوانا حاجي توما ولقمان سليم ومونيكا بورغمن وإيليان راهب وهادي زكاك...)، حقق للمهرجان ذلك التواصل والثقة، فكان بحق حزانة عرض لأبرز إنتاجات عامي 2008 و2009 (غاب عن البرمجة فيلمان بارزان من انتاج أواخر2008 هما "1958" لغسان سلهب و"سمعان بالضيعة" لسيمون الهبر اللذيم من المفترض عرضهما في صالة متروبوليس خلال الشهرين المقبلين). اللافت أيضاً في دورة المهرجان هذا العام ثبوت حاجة المخرجين اليه. وتلك علاقة غريبة بعض الشيء وجدلية بين المهرجان والأفلام. ففي المهرجانات المتوسطة والصغيرة، تميل كفة الحاجة الى المهرجان الذي يتطلع الى استقطاب أفلام بارزة لتعزيز مكانته وتأهيل نفسه للمنافسة مع مهرجانات أخرى من صنفه أو أكبر منه. وفي المهرجانات الكبرى، تتوازن تلك العلاقة غالباً بين المهرجان وصناع الأفلام حيث كل طرف يحتاج الى الآخر. وفي المهرجانات الناشئة لاسيما في بلدان تفتقر الى الصناعة السينمائية، تتكىء الأفلام على المهرجانات كصلة وصل شبه وحيدة بين العمل والمتفرج. بهذا المعنى، لم يكن مفاجئاً مثلاً أن نلمس تصاعد وتيرة الانتاج البصري في منطقة الخليج بعيد إنشاء المهرجان الأول ـ والأوحد وقتذاك ـ للافلام الخليجية "مسابقة أفلام من الإمارات". نظرياً، نتخيل ان لبنان بوتيرة انتاجه الوثائقي والقصير المدعومة بعدد من المدارس "السينمائية" والتظاهرات السينمائية، متقدم نسبياً على الخليج. ولكن ما اثبتته الدورة الثامنة لمهرجان الفيلم اللبناني هو ان هناك حاجة فعلية لهذا اللقاء السنوي الذي يتحول متنفساً للإنتاج البصري الخارج على معادلات السوق التجارية والذي ينضوي تحت لوائه معظم ما يُنتج في لبنان حتى في المجال الروائي الطويل. من المؤشرات الى تلك الحاجة تقدم أكثر من مخرج بفيلمين (طلال خوري وشيرين أبو شقرا) ومشاركة آخرين بأعمال صُنفت في خانة "الفيديو كليب" التي يصعب تخيل أي مكان آخر سوى المهرجان لعرضها. هذا فضلاً عن المخرجين الذين باتوا من ثوابت البرنامج، يعودون الى المهرجان كلما أنهوا تجربة جديدة مثل دانييل عربيد وأماندين بريناس وزياد عنتر. حتى المخرجين الذين أنجزوا أفلامهم للتلفزيون وأقاموا لها عروضاً خاصة ("درس في التاريخ" لهادي زكاك أنتجته قناة الجزيرة وقد عُرض في المهرجان قبل عرضه التلفزيوني وفيلم "ما هتفت لغيرها" لمحمد سويد أنتجته قناة العربية وقُدم على شاشتها في وقت سابق من هذا العام)، لم يتوانوا عن عرضها في المهرجان حيث الجمهور سيختلف حتماً عن جمهور التلفزيون وجمهور العرض الخاص. في الخلاصة، أشاعت الدورة الثامنة التي طويت قبل أيام أجواء إيجابية وتفاعلية بين المخرجين أنفسهم وبينهم وبين الجمهور. كذلك سلك المهرجان هذا العام اتجاهاً جديداً بتخصيصه جائزة لأفضل فيلم، تختاره لجنة تحكيم من بين الأفلام المعروضة في البرنامج. الجائزة التي تحمل اسم "بنك عودة" الراعي الرسمي للمهرجان، لاتزال في إطار التبلور من أن يعني ذلك الإنتقاص من قيمتها أو جديتها خلال هذه الدورة. ولكن تصور إدارة المهرجان للجائزة هو الذي سيكون مدار بحث بين المشرفين عليه خلال هذا العام، إذ سيناقشون إمكانية إضافة جوائز أخرى تُمنح لإنجازات سينمائية مختلفة (إخراج، سيناريو، تصوير...) أو تُوزع على فئات المهرجان ( الروائي القصير، الوثائقي، التجريبي...). مهما كان التصور النهائي لمسألة الجائزة، أرى انه من المهم ألا يفرط المهرجان بجانب أساسي من تكويته وأهدافه وهو تقديم نظرة شاملة للإنتاج البصري اللبناني. لا يعني ذلك التخلي عن حقه في غربلة الأفلام واختيار الأفضل من بينها، ولكن دخول عنصر المنافسة قد يؤدي الى تقنين عدد الأفلام والالتزام بقبول فيلم واحد للمخرج بما هي معايير اساسية في المهرجانات التنافسية. أما مهرجان الفيلم اللبناني الذي قام على هدف أساسي هو توفير منصة للعرض والتواصل بين أشكال فيلمية بديلة وبين الجمهور، فليس من أولوياته التضحية بذلك من أجل جائزة أو اثنتين. فكما ان الدورة الحالية قدمت أفلاماً خارج المنافسة (نزولاً عند رغبة مخرجيها)، يمكن الدورات المقبلة كذلك أن تخصص أفلاماً بالمسابقة من دون أن تتخلى عن أخرى (أقل مستوى ربما) مازالت جديرة بالعرض.

محطات بارزة

اختلطت التجارب الفيلمية التي قدمها المهرجان بين احترافية وطالبية وهواتية. لم تشر التصنيفات الى ذلك بل التزمت مبدأ الفصل بين الأنواع (وثائقي، روائي، تحريك، فيديو كليب...) الأمر الذي أفلتت من سطوته أفلام كثيرة، أثبتت مرة جديدة ان تصنيف الافلام بحسب النوع بات ضرباً من العبث في عصر الملتيميديا والديجيتال. ولكن التصنيف الأكثر إشكالية كان "الفيديو كليب" الذي ضم مجموعة أفلام، ينطبق على بعضها توصيف "التجريبي" وعلى بعضها الآخر "فن الفيديو" كما هي حال شريط "ب مثل بارانويا" لرامي قديح الذي يوازي بين حالات هيجانية تصاعدية تصيبه وموسيقى ومؤثرات صوتية مناسبة. بين الحالات المصورة والموسيقى تنشأ وحدة حال وتنافر في حلقة مفرغة تضيع فيها العلاقة بين السبب والمسبب.

ولذلك الخلط بين تجارب لمخرجين من خلفيات حياتية ومهنية مختلفة أثره الكبير في إعلان الفرادة عنواناً للبرنامج. ففي مهرجان لبناني يضم أعمالاً لبنانية، من السائد البحث عن ملامح مشتركة بين الأفلام على ألاقل من حيث الموضوعات والهواجس. بعيداً من حقيقة ان السينما اللبنانية أثبتت على الدوام خروجها عن تلك الأعراف المسلم بها (أي تفلتها من صيغة السينما الوطنية التي تظللها هواجس مشتركة او لغة متقاربة لمخرجيها) لأسباب كثيرة تتعلق بتاريخ البلد وتحولاته واختلاط تجارب أجياله وتباين مشاربهم السينمائية والحياتية حتى من أبناء الجيل الواحد... بعيداً من ذلك أو ربما بسببه، غالباً ما تتشارك الأفلام على أرضية تجربة مخرجيها. "الأمانة" التي يتوخاها سينمائيون كثر في لبنان تنحو في اتجاه مسيرتهم السينمائية، المتوائمة أو المتناقضة مع تجاربهم الحياتية. لعل شريط سويد "ما هتفت لغيرها"، أحد أبرز محطات المهرجان (ستكون لنا عودة مفصلة اليه)، هو المثال الأبرز على "امانة" السينمائي تجاه مسيرة أفلامه و"خيانته" لمسيرة حياته. فها هنا يكمل سويد في مسار طبع أفلامه الأخيرة بشكل واضح: ثلاثية "تانغو الأمل" و"عندما يأني المساء" و"حرب أهلية" والثلاثية الجديدة التي خرج منها "السماء أينما تشاء" و"ما هتفت لغيرها". انها مسيرة تتسم، بخطوطها العريضة، بموهبة الكاتب والسينمائي الفطرية في الخلط بين العام والخاص وبقدرة سحرية على السرد الحميم والذاتي لأكثر الموضوعات عمومية وتناولاً. كتاباته الروائية والنقدية تتعاقب في صور ومشهديات سينمائية؛ وأفلامه تنهل من الحكاية والسرد ميزة مزاوجة الخيوط المتفرقة والأفكار المبعثرة. لأفلام سويد ما يجمعها أيضاً على الصعيد التفصيلي في انها اعادة إنتاج لتجارب شخصية عاشها المخرج ولأناس عايشهم. فأبطاله هم في الغالب اصدقاؤه الذين يمنحهم بعداً إضافياً خيالياً في مخبره السينمائي، فتختلط ملامحهم بملامحه وتتشابك حكاياتهم مع حكايات شخصيات وأفلام سينمائية، خلّفت في مخيلته أثراً ما واعياً ربما او غير واعٍ. الحرب هي في الغالب حكاية كل الحكايات عند سويد لأنها بالنسبة الى جيله ليست حكاية فقط بل هي "الحكاية" التي عاش في أروقتها قصصه وبين رحاياها توالى وعيه السينمائي والسياسي ولاحقاً تحولاته. لذلك نقول ان أفلامه، بأمانتها لذات صانعها، كانت كرسي الإعتراف الذي يراجع عنده أفكاره ومعتقداته السابقة، ذاهباً في كل مرة خطوة أبعد على طريق التصالح مع الذات. يتركز الفيلم الجديد حول فكرة "المقاومة" التي يحشد المخرج تحتها عناوين ليس من السهل جمع خيوطها بصرياً وان كانت نظرياً وذهنياً مترابطة. يتخذ لموضوعه ثلاث مدن هي دبي وهانوي (فييتنام) وبيروت، التي يمتلك كل منها علاقة خاصة بالمقاومة اما من خلال تفلتها من كل فكر او فعل سياسي (دبي) أو بتمسكها بصورة بائدة عن المقاومة (لبنان) وإما بتحولها من نموذج مقاوم (فييتنام) الى مشروع عصري اقتصادي وسياسي.

لا يختلف شريط خليل جريج وجوانا حاجي توما "خيام" عن تجربة سويد من حيث انتمائه الى مسيرة مخرجيه الفنية ومن حيث اشتغاله على موضوع الحرب. بخلاف سويد الذي يستعين بتجربته الذاتية في الحرب ويمنحها البعد المتخيل بمجرد تجسيده بصور في سياق سينمائي، يتناول مخرجا "خيام" الحرب من منظور الشهادات الحية مشفوعة بهواجسهما عن علاقة الفنون بالذاكرة وقدرة الصورة على اختزال الواقع خارج سياقها الزماني والمكاني. هكذا يعود المخرجان الى فيلم أنجزاه في العام 1999 هو كناية عن شهادات لأسرى محررين من سجن "الخيام"، يركز على علاقتهم بالأعمال الفنية كوسيلة للاستمرار. ولكن تحرير الجنوب في العام 2000 ومن ثم حرب تموز 2006، بدّلت المعتقل أو صورته مرتين. لذلك عاد المخرجان الى شخصيات الفيلم الأول، يستنطقانهم تجربة الاعتقال مرة جديدة التي ستكتسب أبعاداً أخرى في ظل المتغيرات التاريخية والجغرافية التي طاولت المعتقل الذي دُمر بالكامل خلال حرب تموز كما طاولت ذاكراتهم. من هنا يتخذ العمل خصوصية بحثية حيث يتحول الفيلم حاوياً لأفكار وأشكال فنية (صور، تجهيز، معرض) يرصد المكان والزمان خلال عقد من الزمن.

يشكل فيلم لقمان سليم ومونيكا بورغمن الجديد "أولها نجوى... وآخرها" تتمة لفيلمها السابق "مقاتل" (2005). والفيلمان بدوريهما تتمة لعملهما التوثيقي والبحثي من خلال جمعيتهما "أمم" المعنية بتدوين ذاكرة الحرب الاهلية اللبنانية المكتوبة والمرئية وكل ما يمت اليها بصلة. فبعد التجربة الأولى الصادمةالتي قامت على شهادات ستة مقاتلين شاركوا في مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، يعود صانعا الفيلم مجدداً الى المقاتلين المختزنين أسرار الحرب وتفاصيلها. التفاصيل هي ما يبحث عنه سليم وبورغمن لما تتطلبه من طقس اعترافي، يستنطق الذاكرة ويحيي صورها المهملة ويعيد تمثيلها اذا تطلب الأمر لاكتشاف مدى بشاعتها. انه عمل أشبه بنكأ الجراح لمداواتها واستعادة الحرب الأهلية كجدارية مكونة من قطع "بازل" صغيرة، يملك جزء منها كل طرف شارك في تلك الحرب. حتى اذا اكتملت الجدارية، تمكن الناس من إعلان الحداد رسمياً في خطوة أولى على طريق المصالحة الفعلية مع الذات والآخر. كثيرون أثارتهم تسمية "فيلم" التي أُطلقت على هذا العمل. والنقد هنا مشروع مادامت الخيارات الفنية خاضعة تماماً لهدف البوح والتوثيق وجمع الشهادات. صحيح ان "مقاتل" ذهب في اتجاه مماثل ولكنه كان عملاً أول من نوعه ولذلك بدا الخيار "السينمائي" مقبولاً كشكل منسجم مع مادته، لاسيما ان اضافات "متخيلة" عززت ذلك الخيار. وأما العودة الى المقابلة المباشرة كشكل أوحد للتواصل مع شخصيات الفيلم، فيثير التساؤلات ويشرع النقاش حول فكرة تستحق التأمل اليوم أكثر من أي وقت سابق: إذا كانت كل الأشكال الفنية متاحة اليوم في عصر الملتيميديا وتداخل الانواع والأساليب، فهل يحق لمخرج الاكتفاء بجانب واحد (المقابلة في هذه الحالة) لإنجاز فيلم؟ وهل لو أن الفيلم عرض في خانة "تجربة سينمائية" كان سيصبح مقبولاً أكثر منه في خانة "الوثائقي"؟ أو هل ان معرفتنا مثلاً بأن المخرجين يعتزمان جمع هذه الشهادات لمقاتلين في الحرب الأهلية بهدف انجاز شيء آخر منها في النهاية سيغير نظرتنا الى العمل؟ أسئلة من خارج السينما والفيلم كان طرحها حتى الأمس القريب جدير وحده باسقاط هالة "الفيلم" عن العمل. أما اليوم فتبدو منسجمة تماماً من اتساع رقعة الفيلم وتوصيفاته لتشمل كل تقنية واسلوب وشكل موجود او مقبل.

في السياسة والتاريخ

منذ سنوات، يعمل هادي زكاك على أفلام وثائقية واقعية. يواكب تحولات المجتمع اللبناني المتسارعة منذ العام 2005 بأفلام وثائقية، ينجزها لمحطات فضائية تواكب الحدث وتصطاد المحاور الساخنة. هكذا تناوبت أفلامه على تناول نشوء حركتي 8و14 آذار في "حرب من أجل السلام" وسبر أغوار الطائفتين السنية والشيعية على خلفية التحولات الأخيرة في "اصداء سنية من لبنان" و"أصداء شيعية من لبنان". "درس في التاريخ" هو أحدث أفلامه، المنجز لحساب قناة "الجزيرة"، والذي عُرض بشكل استثنائي في المهرجان قبل عرضه التلفزيوني. ليس في الموضوع ما هو حدثي أو آني. بل انه موضوع قديم لم يتم تناوله، على الرغم من أهميته، من قبل في السينما على الأقل. انه موضوع او معضلة كتاب التاريخ المعتمد في المدارس اللبنانية منذ العام 1970 والذي يتوقف عند مرحلة جلاء الجيوش الفرنسية عن لبنان. وعلى الرغم من صدور مرسوم بتوحيد كتاب التاريخ المدرسي الا ان ذلك لم يحدث حتى هذا اليوم. لا يوضح الفيلم ما اذا كان كتاب التاريخ الجديد الموحد سيتطرق الى التاريخ الحديث للبنان. فالمشكلة هنا مشكلتان: الاولى تتمثل في تعدد كتب التاريخ المعتمدة في المدارس والثانية هي خلو المنهاج الدراسي من اية إشارة الى تاريخ لبنان الحديث. من هذا المدخل الذي قد يبدو أكاديمياً بحتاً لغير العارفين لتركيبة البلد وتاريخه، يدخل الفيلم في فئات المجتمع اللبناني وانقساماته الحادة التي لا تحكم حاضره فقط بل تملي عليه أيضاً نظرته الى التاريخ ورجالاته. والأنكى من ذلك ان تلك الرؤية يتوارثها الأولاد (معظمهم تحت الـ15 سنة) ويطلقونها ثوابت غير قابلة للتشكيك او النقاش. هكذا تؤكد الفئات الشيعية أن أهم شخصية وطنية في تاريخ لبنان هي "الخميني" بينما ترى المارونية ان "بشير الجميل" هو الأهم وقس على ذلك. يقوم الفيلم على مجموعات مقابلات مع الطلاب، يطرح عليهم أسئلة شائكة عن اصولهم الفينيقية ورؤيتهم للحرب الاهلية ونظرتهم الى الدول الصديقة للبنان... تأتي الإجابات منسجمة تماماً مع خلفيات الطلاب. وإمعاناً في تثبيت ذنبهم في ما آل اليه أولادهم، يحاور الفيلم بعض الأهالي ليقول ان جزءاً كبيراً من المسؤولية يقع على عاتقهم. على الرغم من المفارقات الساخرة والكوميدية ومحاولات زكاك الحفاظ على إطار بحثي موضوعي من خلال إطلالاته المتفحصة لبعض الأخطاء الوارد في كتب التاريخ او استشهاده بآراء متخصصين حول مساوىء المناهج المتبعة، يثير الفيلم الذعر في النفوس على كل الأصعدة. بخلاف أفلام زكاك السابقة عن الطائفتين الشيعية والسنية وما قدمتاه من نماذج طائفية متحجرة حيث تعلن تلك الشخصيات مواقعها الطائفية من دون اي تردد، لا يفقه هؤلاء الاطفال شيئاً مما يتبنونه. فإذا كان وقت التغيير قد فات جيل الحرب، فأي عمل دؤوب وممنهج يمكن ان ينقذ الجيل المقبل من أفكار أهله المتجذرة؟! شريط يقضي على آخر بصيص أمل، إن وجد أصلاً، في ان يكون مستقبل هذا الجيل مختلفاً. فلندع جانباً أساليب التدريس البدائية التي تظهر في الفيلم والمعلومات المغلوطة التي يتفوه الاساتذة بها والنماذج المقولبة التي يقدمونها كأشخاص لتلامذتهم.. فلندع كل ذلك جانباً ولنتأمل فقط في كيفية صوغ التاريخ البعيد والقريب لهذا البلد بما يقدم صورة حقيقية لهذا الجيل. ولكن من سيكتبه؟ بشيء من المرارة وعلى قاعدة آخر الدواء الكي، ربما يجدر بنا ان نطالب، انطلاقاً من فيلم زكاك، بأن يكون ما يتفوه به هؤلاء الطلاب واساتذتهم في الفيلم سبباً كافياً لإلغاء مادة التاريخ كلياً من المنهاج الدراسي لبعض العقود ريثما يتشكل جيل من دون تاريخ، عله بذلك يتطهر من ضغائن أسلافهم وأحقادهم.

[ في الاسبوع المقبل تتمة تتناول الأفلام الباقية التي برزت في المهرجان

المستقبل اللبنانية في

28/08/2009

 

العرض القادم

"تشي" Che الجزء الأول

بعد أكثر من سنة ونصف سنة على عرضه الإفتتاحي في مهرجان "كان" السينمائي 2008، تنطلق عروض الجزء الأول من فيلم "تشي" Che في الصالات اللبنانية مطلع شهر أيلول المقبل. ولعل السؤال الذي يجول في خاطر مترقبي هذا العمل السينمائي هو: ماذا الذي سيقدمه هذا الفيلم عن شخصية الثائر الأرجنتيني تشي غيفارا التي سبق للسينما ان تناولتها مرات عدة وللكتابات النقدية والأدبية أن شرحتها وحللتها؟

منذ البداية، امتلك الفيلم عدة أوراق جذب، في مقدمها مخرجه ستيفن سودربيرغ الذي قدم من قبل عددا من الأفلام المميزة في مسيرتين متوازيتين تجارية وفنية. في الأولى، وقع أفلاماً جماهيرية ناجحة مثل مثل Erin Brokovich (2000) وOut of Sight (1998) وثلاثيةOceans Eleven وغيرها. وفي الثانية، خاض تجارب بارزة منذ باكورته عام 1989 Sex, Lies and Videotape ووصولاً الى Bubble (2006) مروراً باستعادة فيلم اندريه تاركوفسكي Solaris (2005). أما فيلمه الحالي، فيقع غالباً بين المسيرتين اذ انه بطموحه تقديم ملحمة كاملة (ما يربو على أربع ساعات) خالف حتماً معايير السوق من دون ان يفقده تماماً من خلال عناصر أخرى. عتصر الجذب الثاني في الفيلم الأداء المميز لبطله البورتوريكي بينيسيو ديل تورو، جلب له جائزة أفضل ممثل في مهرجان كان السينمائي.

اختار سودربيرغ أن يصنع فيلمين منفصلين عن غيفارا، ثم دمجهما معا فيما أسماه "ملحمة سينمائية" عن هذه الشخصية التاريخية المثيرة للجدل.

وعلى عكس المعتاد في هذه النوعية من أفلام السيرة، لم يعمد إلى تقديم سيرة حياة كاملة من الميلاد إلى الوفاة، بل اختار محطتين أساسيتين في حياة غيفارا، وهما مرحلة الثورة الكوبية التي كان أحد رموزها وقادتها إلى جانب فيديل كاسترو، والمرحلة الثانية هي تجربته في بوليفيا، والتي انتهت باغتياله على يد الجيش البوليفي بدعم ومساندة الاستخبارات الأميركية.

كان لافتاً منذ البداية اعتماد المخرج اللغة الإسبانية لغة الحوار، مما منح الشخصيات صدقية وحيوية كأنها تخرج على الشاشة الفضية في بيئتها الطبيعية، على النقيض من أفلام أخرى قدمت كاسترو وغيفارا يتحدثان بإنجليزية ركيكة مما أفقد الشخصيتين المصداقية على الشاشة.

تمضي أحداث الجزء الأول على ثلاثة خطوط متداخلة: غيفارا يقاتل في أدغال كوبا، وفي خط آخر يلقي كلمته في الأمم المتحدة التي تحتمل أن تكون تقديماً لأفكاره، مع عقده لقاءات صحافية بوصفه وزير الصناعة في الحكومة الكوبية، وإلى جانب ذلك هناك خط يعود بنا بالزمن إلى بدايات علاقته بفيدل كاسترو (ديميان بيتشر) والنقاشات الدائرة قبل الثورة. ينتهي الجزء الأول مع تولي كاسترو الحكم، ونجاح الثورة الكوبية.

في الجزء الثاني الذي سيعرض في الصالات اللبنانية لاحقاً، يشير الفيلم الى الفترة التي اختفى خلالها غيفارا من دون أن يصورها، والتي يقال إنه كان خلالها في إفريقيا، بينما يقول رأي إنه كان في فيتنام. يتجاوز الفيلم هذه المرحلة غير الموثقة، إلى بوليفيا حيث نشهد كل ما عاشه ورفاقه هناك وصولاً إلى نهايته المأساوية. أُخذ على الفيلم انه كان حرفياً بكل ما تعنيه الكلمة، وابتعاده التام من حياة تشي الشخصية باستثناء مشهد زيارته بيته وتمضية وقت مع زوجته. بينما أجمع النقاد على جودته العالية والحِرفية التي صيغ بها وجماليات المشاهد التي لا يفارقها أخضر الأدغال الذي رافق حياة تشي.

استغرق تجميع المادة الوثائقية للفيلم على ذمة كاتب السيناريو بيتر بوخمان سبع سنوات، لم يترك خلالها وثيقة متعلقة بتشي إلا وبحث فيها، وعلى رأسها مذكراته، إضافة الى مقابلة ثلاثة ممن كانوا معه في كوبا، ومن ثم واصلوا معه في بوليفيا، والذين، حسب بوخمان، أخبروه بطريقة حمل غيفارا لرشاشه، وحتى أدق التفاصيل في ما يتعلق بالمحيطين به.

المستقبل اللبنانية في

28/08/2009

 

مسلسلات تواجه مأزق الأغنية:

ممثلون ومطربون يتبادلون الأدوار 

يدخل الغناء في عدد لا بأس به من المسلسلات الرمضانية، هذا العام، حبذا لو انسجم ذلك مع الشخصيات التي تؤدي اغنيات في هذا العمل أو ذاك، باستثناء القليل جداً من الممثلات اللواتي يعرفن من قبل المشاهدين في هذا المجال. وفي هذا اساءة قد تبدو غير متعمدة لطبيعة احداث المسلسل باعتبار ان لجوء الكتاب والمخرجين الى هذه الوسيلة قد يضفي شيئاً من التسلية على القصة الدرامية ويمنح المشاهد فرصة لإلتقاط أنفاسه وهو يتابع وقائع مكثفة لا تخلو من التعقيد. ومع ذلك، قد يشكل الغناء في مسلسلات أخرى عبئاً على اجواء العمل واستخفافاً من قبل المشاهدين خصوصاً عندما لا يكون نابعاً من قلب الحبكة الدرامية. وهذا هو الغالب.

قد يبدو هذا الأمر مقبولاً أو مستساغاً من الفنانة سمية الخشاب التي تؤدي عدداً من الألحان الخاصة أو المقتبسة في مسلسل "حدف البحر" الذي يعرض حالياً على محطات قضائية ومحلية عدة.

الخشاب مطربة في الأساس قبل ان تلتحق بعالم التمثيل، وكانت جاءت الى القاهرة من الاسكندرية لتدلي بدلوها في هذا المجال. واصدرت منذ اسابيع قليلة البومها الغنائي الأول. ولكن ماذا عن الفنان خالد صالح الذي يجسد دور مطرب ضرير في مسلسل "تاجر السعادة" الذي يعرض في الموسم الحالي ايضاً. وعلى الرغم من أدائه المهم في العمل، اسوة بمسلسلات شارك فيها في الأعوام الماضية، الا انه لم يكن مقنعاً بهذه الشخصية، خصوصاً وهو يدندن بصوته اغنيات وألحاناً مختلفة. لم يقدم صالح من قبل على تقمّص شخصية المطرب. وليس له من الصفات ما يمكنه من ذلك.

لا ينطبق الأمر عينه على الممثلة اللبنانية رزان مغربي في برنامج "السيت كوم" الذي تشارك فيه هذا الموسم وهو بعنوان "بيت العيلة". سبق لها ان أدت اغنيات، وقد باتت مألوفة بهذه الشخصية ولا يثير غناؤها في البرنامج المذكور نفوراً بل اضافة نوعية الى طبيعة الدور الذي تقوم به، بالمثل، يقدم هاني رمزي واللبنانية نيكول سابا اغنيات مشتركة في المسلسل الذي يعرض حالياً بعنوان "عصابة بابا وماما".

صحيح ان رمزي يتمتع بشخصية كوميدية محببة، غير انه قد حمّل في العمل ما لا يحتمل من خلال الألحان التي غناها. ولم يضف هذا الأمر الى تطور الشخصية في المسلسل شيئاً يذكر.

في المقابل، ثمة مغنيات يشاركن في مسلسلات رمضانية بصفتهن ممثلات فقط، مثل: دوللي شاهين في "أدهم الشرقاوي"، وسيرين عبد النور في "الأدهم". وليس مطلوباً من هؤلاء بالضرورة ان يغنين في الأعمال التي يظهرن فيها. ولكن مطلوب من اولئك الذين لا يمتلكون موهبة الغناء الاّ يقحمون انفسهم في ما لا علاقة لهم به.

المستقبل اللبنانية في

28/08/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)