تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي:

"الغرباء" سؤال الهوية المهددة من الذات والآخر

محمود عبد الرحيم

أفلام المهرجان هذا العام مستواها متواضع

الملاحظة الأساسية التي تخرج بها بعد أيام من المشاهدة للأعمال المشاركة في مهرجان الإسكندرية السينمائي هي محدودية مستوى الأفلام، فمعظمها يمكن تصنيفه كمتوسط القيمة فنيا وفكريا، حيث لا يزال معيار الكم وليس الكيف هو الغالب على  فكر القائمين على مثل هذه المهرجانات.

وإذا ما توقفنا عند بعض العروض ومحاولة تقييمها نجد أن فيلما من بين أربعة أفلام على سبيل المثال يمكن اعتباره جيدا، بما يطرحه من رؤى مثل الفيلم الإسباني "الغرباء" في مقابل  الفيلم الإيطالي "غداء منتصف أغسطس" للمخرج جياني دي جريجوريو الذي رغم قوة فكرته فإن المعالجة فيه كانت من السطحية بمكان لتصيبك بالفتور، حيث بدا المخرج لا يملك أدوات فنية تساعده على الاحتفاظ بانتباه المشاهد وإمتاعه، وتعامل بمنطق المخرج المسرحي الذي يتحرك في مساحة ضيقة الحركة، رغم أنه لا ضرورة فنية تجبره على هذا، وهو ما جعل الإيقاع بطيئا للغاية، مع غياب عناصر التشويق والحبكة الدرامية الجيدة.

بيت العجائز

فالفيلم يتناول قصة رجل كهل يتوجب عليه رعاية أمه المسنة، ثم يفاجأ بأنه عليه مديونية للبنك نتيجة إسرافه في الإنفاق، فيطلب منه مدير البنك مقابل تأجيل الحجز عليه أن يستضيف أمه في بيته لحين عودته من سفر، وبالمثل يفعل الطبيب الذي يزوره لاضطراره للمبيت في المستشفى، وتأتي ومعها أختها، فيصير بالبيت الواحد أربعة عجائز يتولى رعايتهن ومحاولة إرضاء كل واحدة منهن كما لو كن أطفالا صغارا يتمردن على النظام وهو يتقبل الأمر بصدر رحب كما لو كان هو الأب وهم الأبناء، للدرجة التي ينظرون إليه فيها على أنه الرجل المثالي، فيما يرى نفسه عكس ذلك مفلسا ومدمنا وبلا حياة طبيعية.

ولم يبتعد الفيلم الجزائري "الكندي" كثيرا عن مستوى الفيلم الإيطالي، وبدا أقرب إلى الأعمال التليفزيونية الدعائية، كون الجهة المنتجة له هي التليفزيون الحكومي، فالمخرج عامر بهلول ركز على تمجيد المؤسسة الأمنية ومحاولة إظهار رجل الأمن في صورة الشريف المضحي بسعادته من أجل وطنه، ولو تعرض لضغوط أو إغراءات أو حتى محاولة تصفية جسدية، فضلا عن ثقافته وذكائه ونبوغه العلمي المتوارث من هذا العالم والفيلسوف العربي الشهير الكندي.

وإذا كان لجأ مخرجه إلى قالب "الأكشن" من مطارادت وتفجيرات وقتلى، ليتسنى له إيصال رسالته الموجهة الأحادية، فإن الفيلم  التونسي "7 شارع الحبيب بورقيبة" للمخرج إبراهيم اللطيف تعامل مع "الأكشن" بشكل مغاير، إذ زاوج بينه وبين الكوميديا الخفيفة التي فيها قدر من المبالغة أحيانا، من خلال تصويره لصراع ثلاثة أصدقاء يحلمون بصناعة فيلم سينمائي ولما فشلوا في الحصول على تمويل حكومي لمشروعهم قاموا بسرقة بنك، وبعد مطاردات ذات طابع فكاهي وتصرفات ساذجة تتخللها قصص حب، تمكنوا من إنجاز الفيلم وتحقيق حلمهم بحصاد الشهرة.

الشرق والغرب

وربما ما يستحق التوقف طويلا هو فيلم "الغرباء"، أحد الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان، رغم قتامة الأحداث، إلا أنه يعد من الأعمال الجديرة بالمشاهدة، كونه ينهض على سيناريو جيد يزدحم بكثير من التفاصيل ذات الدلالات العميقة، فضلا عن تشريحه للمجتمع الإسباني والتحولات التي تحدث به، من صراع الأجيال، وتزايد أعداد المهاجرين إليه من أصحاب الثقافة المغايرة التي تبدو مثيرة لإزعاج السكان الأصليين.

ويبدو المخرج فينتورا بونز مهموما بفكرة من أين يأتي الخطر على أوروبا حضاريا.. هل من الآخر الآتي من بلاد الفقر والعنف أم من الذات التي تشوهت ملامحها وضعف بنيانها مع الابتعاد عن منظومة القيم المحافظة وثورة الحريات الفردية وما يدور في فلكها من حرية جنسية واسعة وصلت إلى حد إباحة المثلية الجنسية ونبذ مؤسسة الأسرة.

تهديد حضاري

ويبدو حسب أحداث الفيلم، الذي يميل إلى الرمزية ويتناول مرحلة زمنية تقارب أربعين عاما وتشمل حياة جيلين، أن المخرج لم يصل إلى إجابة واحدة وخلص إلى أن التهديد من الجانبين وأن الغرباء ليسوا فقط هولاء القادمين من الخارج الذين لا يفهمون جيدا لغتنا وما تحمله من مخزون ثقافي، لكنهم أيضا قد يكونون أبناءنا الذين يتمردون على تقاليد المجتمع ويجدون صعوبة في التأقلم مع عاداته وقيمه، هؤلاء الذين يغلبون الفردية على الروح الجماعية.

مثل الابنة التي لا تبدي تعاطفا مع الأم المريضة بالسرطان والتي تتركها وحدها تتألم، وتترك مسئولية رعايتها لأخيها دون مساندة، فضلا عن إبداء روح العناد ورفض النصيحة، وفي النهاية تتركها على سرير المرض وتذهب مع عشيقها، بحثا عن سعادتها الفردية.

وفي الجيل الثاني نجد ابن هذه السيدة، الذي يرافقها إلى بيت جده لتمضي أيامها الأخيرة بعد أن داهمها السرطان مثل أمها، يكرر نفس السلوك الأناني، إذ يشعر بالضيق من وجوده معها ويزيد إحساسه بالرفض مع اشتداد الألم عليها واحتياجها أكثر للرعاية، لدرجة أنه يتأفف ويهرب من البيت عندما تتقيأ ويطلب منه خاله المساعدة في تنظيف المكان أو في اصطحاب الأم المريضة للحمام.

أرض الأحلام

ونجد الأب مثلما تخلى عن الأم في الماضي والأبناء في الكبر يبتز الابن عاطفيا، فيما يبحث عن المتعة واللهو التي لا تتلاءم ومرحلته العمرية، إذ يستغل استئجار الابن لمرافقة له تتولى رعايته، ويشرع في التحرش بها ثم يتزوجها، واهما إياها أنه ثري وأنها سترثه، وفي الوقت الذي يشتد فيه المرض بابنته يتناول دون مبالاة مقويا جنسيا ويعاشر الخادمة القادمة من أمريكا اللاتينية.. تلك التى تكتشف مع مرور الوقت أن أوروبا ليست أرض الأحلام وأن الصورة البراقة التي نراها من الخارج داخلها حقائق مفزعة تثير الغثيان.

ولعل المخرج من الذكاء بمكان أن جعل الخادمة تشير إلى هذا المعنى قولا، ولجأ إلى التأكيد عليه بمعادل بصري يتمثل في القيء الذي وجدت نفسها مطالبة بتنظيفه وهي متذمرة داعية أبناء جلدتها الذين يحسدونها على حياتها أن يأتوا ليروا ما تحصد.

وقد حرص على تصوير الأندلسيين في الجيل الأول والمغاربة في الثاني بشكل سلبي، فهم إما تتعالى أصواتهم بالعزف والغناء دون عمل ولا إضافة، ولا مبالاة بإزعاج الجيران، أو هؤلاء الذي تتصف حياتهم بالعنف لفظا وفعلا، إلى جانب الأجيال الجديدة من الوافدين الصغار الذين يتركون للإهمال والجوع وغياب الحماية والرعاية، وفي المحصلة النهائية يمثل كل هذا تهديدا للذات الأوروبية.

ولعل البيت الذين يسكنون فيه مع الغرباء رمز لإسبانيا أو أوروبا الجديدة التي تعيش صراع الهويات، أو بالأحرى الخشية على الهوية الأوروبية من هؤلاء القادمين من خارج الحدود، وربما الأم ذاتها المصابة بالسرطان رمز للقيم الأوروبية التي نال منها المرض والهزال مع مرور الزمن، وأهم وصية تركتها لزوجها وابنها هي الحفاظ على الشقة المتبقية من إرثها وعدم بيعها، إلى جانب حرصها قبل رحيلها على احتواء أبنائها، ولم شمل الأسرة المفككة والرهان على الولد "الشاذ" في تجاوز مشكلته أو انحرافه الأخلاقي، والحفاظ على صورة العائلة وقوتها، لكنه في النهاية باع الشقة, ولم يبال بالوصية.. ومن ظل في البيت هم المغاربة أو "الغرباء" في حس يبدو محملا برفض الآخر والتحذير من فرض سطوتهم وهويتهم، وربما الإشارة إلى الأندلسيين ثم المغاربة، استعادة للموروث الماضوي وتجربة الغزو العربي لإسبانيا واعتبار الهجرات الجديدة ربما تحمل معها إرث هذه المرحلة وتهديدا حضاريا جديدا.

أحداث دلالية

ولجأ المخرج إلى تكنيك "الفلاش باك" و"الفلاش فورورد" لإحداث ترابط بين الخطين الدراميين، أو بالأحرى المرحلتين الزمنتين، غير أن ذلك سبب إرباكا للمشاهد من كثرة الأحداث والشخصيات وتداخلها معا، غير أن كثرة التقطيعات والتنويع بين المشاهد الداخلية والخارجية، ساعدت في سرعة الإيقاع وتجنب الشعور بالملل.

ويحسب للمخرج توظيف الموسيقى بشكل جيد لتعطي بعدا دلاليا يتجاوز تعميق الصورة وكسر جدار الصمت في المناطق التي يغيب فيها الحوار، فتكرار العزف والغناء الأندلسي ووجوده في خلفية المشاهد باستمرار إشارة إلى الحضور القوي للآخر في المجتمع الإسباني وتشويشه على القيم والهوية الأوروبية.

ومن الإشارات المهمة في الفيلم هروب الابنة في الجيل الأول مع شاب أندلسي وتفضيله على صديق أخيها الأوروبي "الشاذ"، كدلالة على وجود فرص في الماضي للتعايش الحضاري.

بينما في الجيل الثاني فضلت الفتاة إقامة علاقة مع الشاب المغربي على ابن عمتها الذي عاملها ببرود وإهمال وانشغل عنها بملاحقة التطور التقني وقضاء أوقات طويلة في التبضع أو التعاطي مع الأجهزة الإلكترونية الحديثة، غير أنها في النهاية رحلت مع أسرتها وتركته خلفها، كدلالة على تخلي الأوروبيين عن العرب أو ضرورة وضع حواجز وفق مقولة "الشرق شرق والغرب غرب ولا يلتقيان".

وإذا كان المخرج قد صور الغرباء في البداية على أنهم كسالى ومزعجون، فإنه في الجيل الثاني صورهم بمظهر أكثر سوءا باعتبارهم عنيفين في ذاتهم، فبعد أن كنا نراهم يعزفون الموسيقى ويغنون بشكل مسالم رأينا الجيل الجديد يمارس العنف والاعتداء مثل الزوج المغربي الذي يضرب زوجته إلى حد النزف، بينما من يتصدى له المرأة الأوروبية ولو كانت مريضة.

ولعله لا يغيب عن نظر المشاهد تركيز المخرج بعدسته من وقت لآخر على الرموز المسيحية من أيقونات أو علامة الصليب لإبداء التمايز مع هؤلاء القادمين من بلاد الإسلام، وهي إشارة أخرى إلى الشعور بالتمايز الأوروبي، ليس ثقافيا فقط، وإنما دينيا أيضا.

ناقد سينمائي

إسلام أنلاين في

08/08/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)