حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

دراما رمضان التلفزيونية لعام 2013

سير

وحلقات

يومية

في

رمضان

ضحايا الإقطاع

كتب الخبرماهر زهدي

بنت بحري زينات صدقي

( 8 )

أصبح المجتمع المصري يشرف على انهيار اقتصادي كبير ما ترتب عليه ازدياد معدلات الفقر وتهميش غالبية الفئات الاجتماعية المطحونة وتضخم ثروة الأقلية الأرستقراطية بمساندة الاستعمار والقصر، لذلك لم تجد زينب طريقاً للخلاص من هذا الفقر سوى أن تعمل في أكثر من مكان في وقت واحد.

على رغم حالة الكساد الاقتصادي التي كانت تعيشها مصر آنذاك، فإن الملاهي والمسارح عادت للعمل، فقد نجح الشيخ سيد درويش قبل رحيله في «تثوير الموسيقى» أي جعل الموسيقى تضج بالثورة وإلهاب حماسة الشعب بدلاً من الخطب، ما جعل المسارح والملاهي الليلية تعمل بشكل كامل، لاعتمادها على أشكال الغناء والموسيقى، إرضاء للأذواق كافة، في حين نجح البعض الآخر من التعاقد مع بعض المتعهدين في سورية ولبنان وفلسطين، لإقامة بعض الحفلات خلال فترة الصيف، ما فتح أبوابا جديدة أمام الفنانين الذين استغنت عنهم الفرق والملاهي الليلية في القاهرة والإسكندرية.

عادت خيرية من القاهرة، رتّيبت حقائبها، واتجهت فوراً إلى بيت صديقتها زينب، لتزف إليها مفاجأة سفرها إلى الشام من ناحية، وقررت من ناحية أخرى أن تبقى معها في بيتها الأيام القليلة المتبقية على السفر، لعلها تفلح في أن تقنعها بالسفر معها في رحلة الشام، حتى لو على نفقة خيرية، غير أن زينب قد أعدت لها أكثر من مفاجأة، واستقبلتها ساخرة:

* رجعتي بسرعة يعني. انت مش كنت ناوية تقعدي في مصر وتبعتي لي بعد ما تمضي العقود مع الست ماري؟

= بلاش تريقة أبوس رجلك... الولية فلست وبقى عليها ديون أد كدا... حتى مش عارفة تدفع أجور الفرقة.

* قولنا كدا قالوا اطلعوا من البلد. ما هو رب هنا رب هناك ورزق هنا رزق هناك.

= آني مش بندور على فلوس أكتر آني بس غرضي ما نقعدوش في البيت. انت عارفة اللي زينا لو قعدوا في البيت يومين مش هايلاقوا ياكلوا.

* بعد الشر عليا وحواليا...بعيد بعيد.

= إيه في إيه...

* خايفة أتعدي من فقرك... أنا دلوقت واحدة مطلوبة في كل مكان.

= وأنا واحدة مسافرة على بلاد الشام.

* تاااني.

= وتالت وعاشر... إحنا ورانا إيه غير أننا نروحوا ورا الرزق مكان ما يكون... بس استني عندك هنا. إيه حكاية بقيتي مطلوبة في كل مكان؟

* مش هقولك إلا لما تقوللي انت الأول... إيه حكاية السفر للشام دي؟

= هقولك كل حاجة ما أنا ناوية أقعد عندك هنا لحد يوم السفر كمان تلاتة أيام.

رفضت زينب أن تسافر مع خيرية، خصوصاً أن لديها وعداً بتعاقد جديد، بعدما التقت صدفة مع عبد العزيز محجوب، متعهد حفلات وشريك في مكتب لإلحاق المطربين والمطربات والراقصات بالفرق الفنية، ووعدها بالتعاقد مع فرقة «حورية محمد»، إحدى أشهر راقصات عماد الدين والأزبكية، بل ومن أشهر صاحبات الفرق الفنية، وكانت قد استأجرت كازينو جديداً في الإسكندرية خلال الصيف، بداية من أبريل وحتى سبتمبر، باسم «تياترو مونت كارلو» وكانت تحتاج إلى أن تحشد له عدداً كبيراً من المطربين والمنولوجستات والراقصات، فقدمها عبد العزيز للست حورية:

= اسمك إيه يا حبيبتي؟

* زينب... زينب صدقي.

= انتوا أخوات ولا قرايب؟

* أنا ومين؟

= انت وزينب صدقي اللي بتشتغل مع كشكش بيه؟

* لا ما عرفهاش... أنا ما فيش حد في أخواتي بيشتغل في الفن.

= ليه؟ هو الفن عيب؟

* لا يا ست مش عيب. ما أنا أهه بشتغل أرتيست.

= وبتعملي إيه بقى يا ست الأرتيست؟

* بغني.

= بتغني... الله يوكسك يا عبد العزيز. قلت له عايزة رقصات مش مغنيين.

* حصل خير ما فيش مشاكل... بعد إذنك.

= لا والنبي ما انت ماشية... تعرفي تقولي مونولوج؟

* أعرف...

= زي بعضه. أهو أنت تقولي منولوج، والجدع اللي جايبه عبد العزيز دا اللي اسمه إسماعيل ياسين يقول مونولوج... وتبقوا نمرتين جداد.

مطربة مغمورة

لم تعتد زينب صدقي أن تغني المونولوج، غير أنها قدمته وفرحت بالتعاقد الجديد، خصوصاً أنها تعاقدت بمبلغ 25 قرشاً في الليلة، في الوقت الذي تعاقد فيه إسماعيل ياسين بمبلغ 20 قرشاً في الليلة، وسيكون العمل مضموناً طيلة أشهر الصيف، وهو تعاقد مثمر بالنسبة إلى مطربة «مغمورة» مثل زينب، وهي الكلمة التي كانت تضايقها كلما سمعتها من صاحب ملهى أو مدير فرقة... «مطربة مغمورة». غير أن حورية محمد دلتها على الطريق الصحيح بعدما استمعت إلى صوتها، وأعجبت به بشكل كبير:

= ما تزعليش. كلنا كنا في الأول مغمورين لحد ما ربنا فتح علينا. انت بقالك كام سنة في الكار دا؟

* سنتين.

ضحكت حورية محمد ضحكة عالية:

= سنتين وزعلانه ومستعجلة... اللي قدامك دي بقالها فوق عن الخمستاشر سنة... لفتها من شرقها لغربها... ما خلتش أفراح موالد. إيشي أغنيا وإيشي فقرا... مصر وإسكندرية والشام... لحد ما بقيت الست حورية محمد على سن ورمح.

* يعني أنا لازم استنى خمستاشر سنة علشان ناكلوا ونشربوا ونعيشوا زي البني آدمين.

= لا يا حبيبتي أنا أقصد علشان تبقي صاحبة فرقة ولك اسم في البر كله. اسمعي أنا عندي فكرة... إيه رأيك تروحي تغني في الإذاعة؟

* الإذاعة!

= آه... زميلك اللي اسمه إسماعيل ياسين بيقول مونولوجات في الإذاعة وبيدفعوله كويس.

* والله... إن كان كدا. هنا في إسكندرية فيه كذا إذاعة من بكره... ألف عليهم.

اقتنعت زينب بكلام حورية محمد، وقررت الاتجاه إلى المحطات الأهلية وأن تقدم نفسها لأصحاب المحطات الذين يبحثون عن الأصوات الجديدة ويقدمونها للمستمع، خصوصاً أن عليها إقبالاً لا بأس به من الجمهور، إضافة إلى أن أصحاب الملاهي والكباريهات يتعرفون من خلالها إلى المطربين الجدد ويدعونهم للعمل لديهم، لعل حظه «يضرب» ويقع عليه الاختيار.

كان معظم المحطات الأهلية في ذلك الوقت يسيطر عليها الأجانب واليهود، وعلى رغم محدودية جمهور هذه الإذاعات الأهلية التي تنطلق بشكل محلي ضيق، فإن زينب قررت أن تجرب حظها مع إحدى هذه المحطات الموجودة في الإسكندرية، التي كان صاحبها يهودياً:

= أهلاً أهلاً. أمال طبعاً دا احنا نتشرف... اتفضلي واسم الهانم إيه؟

* زينب محم... لا زينب صدقي.

= حلو زينب صدقي... وهتغني إيه؟

* اللي انتو عايزينه.

= لا يا حبيبتي... انت هتقولي إيه؟

* أنا حافظة حاجات كتير.

= كويس كويس خالص... مين بقى اللي بيكتب لك ومين اللي بيلحن لك؟

* يكتب ويلحن ليا أنا؟

= أمال ليا أنا يا حبيبتي؟ طبعاً انت... مش بتقولي حافظة حاجات كتير.

* أيوا... أغاني للست منيرة المهدية... للست فتحية أحمد... للأنسة أم كلثوم... محمد أفندي عبد الوهاب.

= حبيبتي كل دول على عيني وراسي... لكن أنت فين.

* مش فاهمة؟

= فين الأغاني بتاعتك؟

* معنديش!

= طب سبق لك عبيتي أسطوانة

* لأ.

= طب سبق لك غنيتي في إذاعات قبل كدا؟

* برضه لأ... دي أول مرة.

= آه... طب شوفي حبيبتي... أنا ما عنديش مانع تغني أغنية واحدة... واحنا هنذيعها لك تمن مرات في الشهر... يعني في الأسبوع مرتين.

* حلو... حلو أوي.

= أوكيه حبيبتي. هتدفعي بس اتناشر جنيه.

* هدفع ولا هخود.

= لا حبيبتي... انت في الأول هتدفعي بعد كدا الفلوس ييجي

* منين؟

= الأغنية هتعملك شهرة كبيرة والناس كله هيعرفك... وكمان شركات الأسطوانات هتجري وراكي... أمال؟ إحنا الإذاعة بتاعتنا إسكندرية كله بيسمعه.

لم يفلح طريق الإذاعة حيث اكتشفت أنها لا بد من أن تدفع أولاً، أو يكون لها اسم يسبقها لتفتح لها الأبواب، فقررت الاكتفاء بالعمل في الملاهي الليلة إلى حين تحقيق أحد أمرين، إما أن يكون معها مال تقدم به نفسها، أو شهرة واسعة تفتح لها الأبواب.

عادت خيرية من رحلة الشام لتجد صديقتها لم تخط خطوات جديدة، غير أن خيرية كانت قد تعاقدت خلال رحلتها في الشام على العمل مجدداً في فرقة ماري منصور، التي التقت بها أيضاً في بيروت، وقد اتفقت مع متعهد يمول فرقتها مقابل نصف الإيراد، فلم تستمر خيرية طويلاً في الإسكندرية، واتجهت إلى القاهرة لتلحق بافتتاح الفرقة الجديد.

دراسة الفن

شعرت زينب بأنها تقف مكانها لا تتقدم خطوة، فإذا كانت خيرية تجرب حظها في الإسكندرية والقاهرة وتسافر إلى بيروت ودمشق، فإنها تحاول أن تطرق أبواباً عدة، ومن الجائز أن يفتح لها أحد الأبواب المهمة يوماً. أما زينب، فحتى عندما قررت أن تتجه إلى الإذاعة، وجدت شروطاً قاسية لا تتوافر لديها.

قررت أن تبدأ صفحة جديدة في حياتها، ساعدها على ذلك الإعلان الذي قرأته في هذا اليوم على باب تياترو «محمد علي» الذي عادت إليه بعد انتهاء الصيف، وانتهى تعاقدها مع تياترو «مونت كارلو»:

«يعلن الأستاذ زكي طليمات عن افتتاح «معهد أنصار التمثيل والخيالة» في منطقة رشدي على الكورنيش، وأنه يسعده أن يستقبل الدارسين والدارسات اعتباراً من يوم الأحد 5 نوفمبر 1930 لدراسة فن الدراما والإلقاء وأصول التمثيل».

كان زكي طليمات قد عاد قبل عامين من بعثته الدراسية في باريس، حيث ظل هناك لمدة ثلاث سنوات لدراسة فن التمثيل والإخراج، تتلمذ فيها على يد «ديني دينيس»، وعندما عاد من بعثته في أكتوبر من عام 1928، عين سكرتيرا لمدير الفنون الجميلة، وفي ديسمبر 1929 نقل إلى وظيفة «معاون» في «دار الأوبرا الملكية»، قبل أن يبادر بجهد فردي إلى افتتاح هذا المعهد لتدريس الدراما وفن الإلقاء.

لم تنم زينب ليلتها، وظلت تفكر في الأمر، وفي الصباح كانت قد اتخذت قرارها بالدراسة في المعهد، وذهبت وهي تتمنى ألا يكون مغالياً في مصروفاته كي تستطيع توفير مصروفات الدراسة من قروشها البسيطة التي تتقاضاها من تياترو «محمد علي»، غير أنها ما إن وصلت حتى اكتشفت أمراً لم يكن لها ببال، فمن بين مميزات المعهد إلى جانب الدراسة، أنه يمنح الدارس راتباً شهرياً قيمته أربعة جنيهات طوال فترة الدراسة، تشجيعاً على انضمامه إلى المعهد، تحديداً من الفتيات، فقد كانت الغالبية العظمى من الأسر لا تعترف بمثل هذا النوع من الدراسة. بقي عليها أن تجتاز المقابلة الشخصية مع مدير المعهد زكي طليمات:

= اسمك إيه يا شاطرة؟

* زينب محمد... والشهرة زينب صدقي.

= عندك اسم شهرة من قبل ما تبدئي؟

* أصل... أصل.

= أصل إيه؟

* أصل لو عيلتي عرفت أني...

= أيوا... مفهوم مفهوم. انت مثلتي قبل كدا؟

* لأ.

= طب انت عايزة تدرسي دراما ليه؟

* عايزة أتعلم التمثيل.

= عمرك ما وقفتي على خشبة مسرح؟

* بقف عليها كل يوم... بس علشان أغني.

= انت بتغني؟

* أيوا.

= هايل. دا ها يساعدك كتير... وكمان وشك حلو. يعني تنفعي تبقي أرتيست كويسة. قوللي يا زينب.. انت متعلمة.

* أنا ناجحة في سنة رابعة ابتدائي.

= كده... هايل هايل.

ضد الحكومة

انتظمت زينب في دراستها في المعهد، بسعادة لم تستطع وصفها أو تحديدها، لكن يبدو أن السعادة دائماً عمرها قصير، فلم تمر ستة أشهر على افتتاح المعهد وقامت ضده حرب شرسة من الدولة، وفي 16 أبريل، جمع زكي طليمات الطلبة الدارسين في المعهد، ليبلغهم بأنه قد صدر أمر من وزارة الداخلية بإغلاقه في صيف عام 1931 بحجة مخالفته للتقاليد والآداب:

= أنا النهارده بجتمع بيكم في مناسبة غير سعيدة.

* خير يا أستاذ؟

= مش خير أبداً يا زينب... مش خير... الدولة شايفة أننا بنعلمكم قلة الأدب وأننا بنخالف التقاليد والأعراف.

* إيه الكلام دا يا أستاذ؟ مش ممكن!

= دا مش كلامي أنا... دا كلام الدولة. فيه مجموعة من الناس عاملين إنهم بيفهموا في الدين والأخلاق أكتر من غيرهم... وشايفين أن التمثيل والفن حرام... وخروج على الآداب والتقاليد. علشان كدا قرروا أنهم يقفلوا المعهد.

* مش ممكن إزاي.

- بس دا حرام.

ـ ليه كدا إحنا ما صدقنا نلاقي مكان نتعلم فيه فن بجد.

= معلش يا ولاد. إحنا مش هانستسلم. وإذا كان المعهد هيتقفل النهارده فأنا بوعدكم أنه لازم يرجع ويفتح أبوابه من تاني... مهما حصل.

* يسقط الظلم... يسقط الاستبداد.

(البقية في الحلقة المقبلة)

زعيمة المعارضة

تزعمت زينب الطلاب الذين راحوا يهتفون ضد الحكومة ويطالبون بإسقاطها، فاعتلى زكي طليمات خشبة مسرح المعهد وراح يخطب في الطلاب مندداً بموقف الحكومة، ومدللاً على قيمة الفن والفنانين، والعلاقة السرية بين أهل الفن وأهل السياسة:

= أنا مش عايز هتافات لكن اللي أنا مستغرب له ليه الحكومة بتتبرأ من مكان زي دا، ومن معهد علم بيتم تدريس الفن فيه؟ ليه الحكومة بتتبرأ من الفن وتكيل له كل هذه الاتهامات؟ أنا مش هاعد الأعمال الوطنية اللي قام بيها الفنانين في مصر طولها وعرضها، لكن يكفيني أذكر بس ابن إسكندرية خالد الذكر سيد درويش، والأعمال اللي  قدمها وألهب بها حماسة المصريين من إسكندرية إلى أسوان، واستمرار هذه الأعمال بعده، وآخرين واصلوا المسيرة بعده... ليه الحكومة ناسية أن كثيرا من الوطنيين كانت لقاءاتهم تتم في كازينوهات وملاهي شارع عماد الدين في مصر، وعلاقاتهم السرية مع كتير جدا من الفنانين والفنانات، ولا هم بيحبوا تكون العلاقات في السر بس. لا والملك شخصياً، زبون دائم في هذه الأماكن. ليه بينظروا للفن النظرة الدونية دي، رغم أن الفن لهم عظيم الأثر في تقدم الشعوب وحضارتها ونهضتها، بل أهل الفن له دور مهم وعظيم في إثراء الحركة الوطنية المصرية، مش من النهاردة بس، لكن من زمان، من أيام الوالي الكبير محمد علي ولحد النهارده وبكرة والأجيال اللي جاية. أنا فاكر إن الكاتب الكبير محمد تيمور كتب مقال بجريدة السفير سنة 1924 قال فيه: «إن إحدى الوزارات شكلت في كواليس مسرح «برنتانيا»، واجتمعت لأول مرة في عوامة منيرة المهدية قبل أن تذهب لحلف اليمين صباحاً أمام السلطان حسين».

شارع عماد الدين

كان أصحاب الفرق المسرحية، في هذه الفترة، تحديداً من النساء، حاكمات بأمرهن في «دولة شارع عماد الدين» وغيرها من مناطق محيطة تنتشر بها دور المسارح والملاهي والكازينوهات، يتقرَّب إليهن الجميع بالتزلف والنفاق والخدمات، ليس من عامة الشعب فحسب، بل في مقدمهم بعض رجال الحكم والسياسة، حيث كانت لياليهم تمتد في عوامات على النيل، تحدد فيها أحياناً سياسات وأنظمة تتصل بالشعب، ويُتَّفَق على هذه الأمسيات والليالي في شارع عماد الدين، حيث كانت المسارح منارة حقيقية للفن والوطنية، قدمت أشكالاً فنية وأبنية فكرية عدة، بمسارحه الكبيرة والمتقاربة، وبكثرة الفرق متنوعة الأداء والمشارب والاتجاهات.

الشارع همزة الوصل بين دار الأوبرا الخديوية، وملاهي روض الفرج الشعبية، ففي دار الأوبرا كانت تقدم أرقى ألوان الفن التي تقارب وتوازي الفنون الراقية والجادة على أكبر مسارح العالم، سواء كانت عروضاً أوبرالية أو عروضاً غنائية موسيقية، أو مسرحيات كلاسيكية عالمية، بينما تقدم ملاهي روض الفرج الأعمال الشعبية والسوقية التي قد تصل إلى حد الابتذال أحياناً، فضلاً عن العروض التي تقلد المسرحيات الكبرى، وصغار الفنانين الذين يقلدون كبار الفنانين، وجاء شارع عماد الدين وكان المنطقة الوسط بين هذا وذاك، فقدم على مسارحه عروضاً لم تكن دار الأوبرا لتقدمها، لابتعادها عن الأرستقراطية، وفي الوقت نفسه لا تصل إلى الحد الشعبي، لذا كان يأتيه الشعب بجميع طوائفه وطبقاته، خصوصاً الطبقة المتوسطة التي بدأت في الظهور، لتكون وسطاً بين الفلاحين والباشاوات.

الجريدة الكويتية في

17/07/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2013)