شعار الموقع (Our Logo)

 

 

السينما العربية المهاجرة، هي جزء من ثقافتنا التي ابتعدت عن الوطن لأسباب متباينة، لكنها عموماً تعيش مأزق الغربة ونوسس تالجيا الحنين إلي الوطن. وهي وإن كانت تسعي إلي تأكيد ذاتها في عالم السينما الذي تنتمي إليه، كصناعة وتقنيات بصرية، إلا أنها تقاتل من أجل هويتها الضائعة.

هشام زعوقي أحد المخرجين السوريين وهو مقيم في النرويج، أخرج عدداً من الأفلام القصيرة والتسجيلية، كان أولها فيلم حنين مدته 12 دقيقة، ثم غيتو من ثلاث دقائق فقط، وفيلم برتقالة .

الفيلم الرابع كان باسم الباب ومدته 7 دقائق، وشارك في العديد من المهرجانات السينمائية في النرويج ـ إيطاليا ـ الولايات المتحدة، وحصل علي الجائزة الأولي في مسابقة الأفلام القصيرة في مهرجان أوسلو، كما شارك لاحقاً في مهرجان قرطاج السينمائي 2000 ومهرجان الشاشة العربية المستقلة في الدوحة 2001. شريطه السينمائي أغاني في الطابق السري 52 دقيقة، اشتراه التلفزيون السويدي. فيلم غرباء دوماً حصل علي جائزة الصقر الذهبي في مهرجان روتردام للفيلم العربي، وأخيراً أخرج فيلماً قصيراً بعنوان مجرد مدينة ، وهو الآن بصدد الإعداد لفيلمه الروائي الطويل بين مدينتين .

واعتقد أن مجرد قراءة في هذه الببلوغرافيا لعناوين الأفلام تفضح هموم الغربة والهوية والذاكرة المسكونة بتفاصيل مدينة بحجم الوطن، التي تشكل هاجس المخرج وطبيعة أعماله، والتي شكلت عناصر لحوار أجرته القدس العربي مع المخرج علي هامش مشاركته الأولي في مهرجان دمشق السينمائي:  

  • هشام زعوقي مخرج سوري يحمل الهوية النرويجية، أود أن تحدثنا عن هذه المسافة بين عالمين؟

أنا درست اللغة الإنكليزية في جامعة دمشق، لكنني توقفت بسبب الاعتقال، وهي تجربة أو محطة مهمة في حياتي، سافرت علي أثرها إلي النرويج، حيث درست بداية وسائل إعلام واتصال لمدة سنة اكتشفت خلالها إن علاقتي بالصورة أكبر من علاقتي بالكلمة، فانتقلت إلي أكاديمية الفيلم والتلفزيون في أوسلو، وتخرجت عام 1999.  يتساءل البعض كيف اكتشفت اهتمامي بالسينما وهل لذلك علاقة بهجرتي إلي أوروبا؟ الواقع أننا كنا نعيش في ظروف وبيئة لا أحد يُسأل عما يحب أو يكره، لم يسألني أحد عن ذلك طيلة حياتي في سورية، لم يسألني أحد إذا كانت لي اهتمامات بالسينما أم لا؟ وبالمقابل لم أكن مضطراً لأحكي عن مشاعري ورغباتي، ولكن أقول لك الآن أنه وبالصدفة في هذا المهرجان شاهدت أمس فيلمين إيطاليين قضية ماتيه و سيدي والدي أذكر أنني شاهدتهم في منتصف السبعينات منذ كان عمري أربعة عشر عاماً، إذ كنا نتابع عروضاً ومهرجانات سينمائية في النادي السينمائي الطلابي وفي صالة الكندي بدمشق، حيث كان الجو الثقافي منتعشاً وكان للسينما حضور متميز في حياتنا.

كما أذكر حين اشترينا أول جهاز تلفزيون، وكان انتشاره ما يزال قليلاً في الحارات الشعبية، حيث تلتم كل الحارة لمشاهدة هذه الأعجوبة، التي تركت في الذاكرة الطفلية انطباعات سحرية عن عالم الصورة.

وحتي في فترة اعتقالي التي دامت سبع سنوات، حُرمنا خلالها من متابعة التلفزيون أو السينما، إلا أنني كنت أتابع بحاستي البصرية أدق التفاصيل اليومية، التي شكلت شريطاً من الذاكرة عملت عليه لاحقاً بشكل سينمائي.  

  • واضح من أفلامك أنك ما تزال خاضعاً لتجربتي السجن والغربة؟

هذا صحيح، لكنني لا أسعي لابتذال تجربة المعتقل، فهي رغم طبيعتها اللاإنسانية، إلا أنني أسعي لتقديمها بشكل إنساني، فهي ليست مجرد قتل وضرب فقط، هناك العذابات الإنسانية، الزوجة، الأم، الأخت، العائلة، الحياة اليومية، عذابات الروح، حالة القلق، الوحدة.. وهذه كلها أهم من العذاب الجسدي أو الخارجي.

المسألة الأكثر خصوصية أنني خرجت من منفي إلي منفي، واكتشفت في كل أفلامي التي اشتغلتها سواء منها الوثائقية أم القصيرة، أنني محكوم بحالة القلق وتلك العذابات الإنسانية. 

  • هل هناك سمات للسينما العربية المهاجرة؟

السينما العربية المهاجرة تسعي للاستفادة من شرطها التقني، ومن الخبرة المتاحة لها في الخارج، تحاول أن تشتغل علي الصورة والصوت لصياغة لغة سينمائية عالية، وتقديم مناخ سينمائي جيد.

السينما العربية المهاجرة، وطالما أنها تربت في بيئة غربية، نراها تحاول أن تخاطب العقل الغربي بلغته الفكرية والجمالية، مبتعدة عن الخطاب المباشر.

وأضيف أن السينما العربية لا تزال تشتغل علي الحكاية والسيناريو، بينما السينما الأوروبية أخذت تبتعد عن ذلك، حيث نجد الشخصيات وحضورها السينمائي، نجد الحالة الإنسانية والرؤية الجمالية معاً، أي السينما كسينما وليس مجرد حكاية، لذلك فإن السينما العربية المهاجرة تعمل أو تستفيد من الحالات الإنسانية للغربة والحنين للوطن.  

  • دعنا نتوقف مع هذه الظاهرة، فالهجرة هي الابتعاد عن الوطن، لكن ثقافة المهاجرين عموماً مليئة بالحنين والنوستاليجيا للوطن ولكل مكوناته الصغيرة؟

هناك نوعان من الهجرة، فالمهاجرون بهدف الكسب المادي وتحسين وضعهم الاقتصادي، يحنون إلي الوطن، لكنهم غالباً ما ينمون في داخلهم حالات تعصب، وصورة وطن متخلف.
أما حالات الهجرة لأسباب أخري، وخاصة من أجبروا علي الهجرة في العالم العربي، فنلاحظ أن علاقتهم بالوطن هي الأقوي، رغم الإشكاليات القائمة والسابقة بينهم وبين وطنهم،إذ أن هذه الإشكاليات لا تعني عدم وطنيتهم ، بل ربما العكس، هم يحبون وطنهم جداً، لكنهم لم يعطوا الفرصة للعيش في هذا الوطن.

المسألة الثانية هي قضية المسافة، فالابتعاد عن الأشياء يخلف حالة اشتهاء، نلاحظها في السجن أو الغربة، أنت في كلا الحالتين تعيش في شوق للحياة في الخارج أو الوطن، نوع من فنتازيا الحلم الجميل، واستيقاظ التفاصيل الصغيرة في الشارع وبين الناس. مع أنني اليوم في زيارتي هذه افتقدت كثيراً من العلاقات السابقة، وبدأت أحس أن الناس بدأت تتغير، وأن العلاقات الجميلة بدأت تتشحور . 

  • أنت نفذت بعض أعمالك بالكاميرا المحمولة، وأخري بكاميرا ثابتة. كيف تحدد خياراتك في هذا الشأن؟

أنا اشتغلت سينما وفيديو، الكاميرا المحمولة تكون في أحيان كثيرة ضرورة للشغل، فهي تعطي حيوية للصورة، تعطي حالة توتر، ولها جمالية خاصة.

حقاً أنني في فيلم الباب لم استخدم كاميرا محمولة، لكن الكاميرا كانت تتحرك باستمرار، وأنا أميل لذلك إلا إذا اقتضت الضرورة لقطة ثابتة مثلاً.

وأستطيع القول أن الكاميرا المحمولة، قد تكون مسألة جمالية، لكن الموضوع هو الذي يحدد كيفية وآلية التصوير. 

  • فيلمك القصير الباب الذي نال أكثر من جائزة، ابتدأ بالسماء وانتهي بالبحر، لكنه ترك الكثير من علامات الاستفهام المفتوحة؟

ربما يكون هذا ما قصدته بالضبط، فهو حالة احتجاج علي الواقع، وعلي الأبواب المغلقة عند الآخرين، لكني ابتعدت عن اللغة التقريرية، في هذا الفيلم لا يوجد حوار، لكن الأصوات غنية بالدلالات المشهدية، صوت الريح، صرير الأبواب، قرع الأجراس، موج البحر.. وهي ترافق حركة الكاميرا التي تهبط من السماء لتتابع شخصاً يحمل باباً فوق رأسه ويجتاز الشوارع والغابة باتجاه البحر حيث يخط بقدمه شكل بيت علي الرمال، ثم ينصب الباب في موقعه من الرسم، لكن الفنتازيا عندما يفتح هذا الشخص الباب ويختفي خلفه.

هل يكون الباب هو الفاصل بين السجن والحرية؟ أم أنه المسافة بين الوطن والغربة؟ أم أنه الباب الذي يفصل ما بين القلق وحالة الآمان؟ أردت أن يكون المشاهد حراً في تأويلاته، أغلب الناس تعيش علي الحافة أو حالة قلق بين أن يُغلق الباب أو أن يُفتح، أنا شخصياً عندما صنعت هذا الفيلم كنت أحس أن الباب مغلقاً، وكنت أسعي لأن أقول أشياء كثيرة وبسيطة بوقت قصير وبعناصر بسيطة أيضاً، الباب بالنسبة لي هو الباب الباب يا الله الباب اشتغلت عليه بحب، وحقق لي نجاحا شخصيا في المهرجانات التي شاركت فيها، وفي النهاية أقول أنه فتح لي أكثر من باب.  

  • بين فيلمك الأخير مجرد مدينة ومشروع فيلمك الروائي الطويل الأول بين مدينتين أين تكمن العلاقة؟

مجرد مدينة فيلم فيه استعادة لبعض هواجسي الموضوعية في فيلم غرباء دوماً ، وشيء من هواجسي البصرية في فيلم الباب ، دون أن أسمح لهواجسي الأولي أن تسيطر علي مناخات الفيلم، فالراوي كسجين سياسي يقيم خارج بلده، يحضر كصوت فقط مرافق لصورة المدينة كما يراها. الصوت والصورة يتكاملان في هذا الفيلم، دون أن أترك للتفاصيل والمشاعر فرصة الإغواء، هناك إصرار علي تقديم رؤية مختلفة.

في مشروع فيلمي لا زالت الحكاية تتغير ببطء، لكن الثابت في الموضوع هو علاقة الإنسان بالمكان الذي عاش فيه وتحولات هذا المكان، وما يحصل فيه من خراب، وكيف يمكن لشخصين من ثقافتين مختلفتين أن يتبادلا المكان؟ بالتأكيد هناك علاقة بين الموضوعين لكنها علاقة غير مباشرة، والحكاية مختلفة تماماً.  

  • قبل أن تبدأ مشروع فيلمك الروائي الطويل، أرجو أن تحدثنا عن موقع الأفلام القصيرة والتسجيلية من عالم السينما؟

بكل أسف ما يزال الكثيرون ينظرون، ومن داخل السينما، نظرة كمية للموضوع، وبالتالي يرون الفيلم القصير أنه شيء زائد أو نافل يمكن الاستغناء عنه، حتي في هذا المهرجان الذي تضمن مسابقة للأفلام القصيرة، إلا أن كاتلوغ المهرجان تعامل مع الأفلام القصيرة بعكس تعامله مع الأفلام الطويلة التي أفرد لها مساحاتا وصورا للأفلام والمخرجين، بينما خلا الحديث عن الأفلام القصيرة من أي صورة عن الفيلم أو عن المخرج، وكأن الفيلم القصير أو التسجيلي واجب لا بد منه، فجري التعامل معه كرفع عتب لا أكثر. البعض يعتبر أن الفيلم القصير يشكل بروفة أو مقدمة للفيلم الطويل، واغلب الناس يتجاهلون أنه فن قائم بذاته، وإن القصة القصيرة لا تشبه الرواية، ولا يجب الانتقاص من جنس أدبي أو فني لصالح جنس آخر. والعمل علي جنس دون آخر مرتبط بالملكات الذاتية للأشخاص بعيداً عن أحكام القيمة.

في الغرب بدأوا يهتمون بالأفلام القصيرة والتسجيلية أكثر من السابق، وهذا يرتبط بالثقافة والتعود، لذلك نلاحظ تنافساً بين الدول الأوروبية علي تشجيع ذلك، وتقديم هذه الأفلام علي محطات التلفزة يومياً قبل الأخبار أو في منتصف السهرة.

الفيلم القصير أو التسجيلي يتطلب حرفة عالية في التكثيف واللقطة الذكية، كيف نقول أشياء بسيطة ومعبرة دون أن يمل المشاهد، ودون الاعتماد علي الذهنية الإخبارية. محطاتنا التلفزيونية لم تهتم بعد بالأفلام القصيرة أو التسجيلية، إلا في المستوي الإخباري، حيث تتناسب اللغة السينمائية مع الخطاب الموجه و التهويشي أحياناً لتلك المحطات، سينما الأفلام القصيرة أو التسجيلية تعتبر إشكالية في الإنتاج والتصوير والتوزيع، لأنها فن غير مربح مادياً، لكنه يحتاج إلي الدعم مثل البرامج الموسيقية مثلاً.

القدس العربي في  28 يناير 2004

كتبوا في السينما

 

 

مقالات مختارة

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

بسام الذوادي ـ لقاء

      مهرجان البندقية.. يكرم عمر الشريف

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

آسيا جبّار عبّرت عن الهواجس الدفينة للمرأة

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

السينمائي السوري المهاجر هشام زعوقي

السينما العربية المهاجرة تحاول الإفادة من التقنيات الغربية من دون أن تتنكر لوطنها

حاوره: أنور بدر