ما كتبه حسن حداد

 
 
 
 
السادة المرتشون

1984

Alsada Elmortashon

 
 
 
نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 16 يونيو 1993
 
 
 

بطاقة الفيلم

 
 

محمود ياسين + نجوى إبراهيم + محمود عبد العزيز + سعيد صالح + مريم فخر الدين

إخراج: علي عبد الخالق ـ تصوير: عصام فريد ـ  سيناريو وحوار: مصطفى محرم ـ قصة: علي عبد الخالق ـ موسيقى: حسن أبو السعود ـ مونتاج: حسين عفيفي ـ إنتاج: فينوس فيلم

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

السادة المرتشون

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

رؤية

 
 
 
 
 

يتحدث فيلم (السادة المرتشون ـ 1984) عن الاغذية الفاسدة وإنتشار الرشوة، وهو الموضوع الذي عالجه اكثر من فيلم مصري في فترة الثمانينات تحت ما يسمى بافلام الانفتاح. وفيلمنا هذا يدين بالطبع هذا الانفتاح الاقتصادي الذي اصاب المجتمع المصري بامراض اجتماعية واخلاقية عديدة. الفيلم من بطولة محمود ياسين ونجوى ابراهيم ومحمود عبدالعزيز وسعيد صالح، ومن اخراج علي عبدالخالق.

نحن في (السادة المرتشون) امام شاب من الطبقة المتوسطة ، اكمل تعليمه ولكنه لم يستطع تحقيق آماله واحلامه الشخصية في الزواج من الفتاة التي أحبها، لذلك نراه يقرر التضحية بحبه في سبيل القيام بأعبائه الاسرية، وبالتالي يسافر للعمل في الخارج ويمضي سبع سنوات هناك.

يبدأ الفيلم بدايته الفعلية بعد عودة الحبيب الشاب محمود (محمود ياسين) من سنوات الغربة ليجد الظروف مناسبة للفوز بحبه القديم مع آمال (نجوى ابراهيم)، حيث يتفقان على الزواج بالرغم من معارضة فتحي (محمود عبدالعزيز) ابن عم آمال، الذي يحبها بجنون، وإصراره على الزواج منها عنوة حتى لو إضطر الى استخدام نفوذه كونه ضابط شرطة لازاحة غريمه.

وعندما يتم القبض على محمود في ليلة زفافه بآمال، تتجه شبهات الجميع، بما فيهم المتفرج، الى ان ضابط الشرطة فتحي هو الذي لفق تهمة الرشوة لمحمود ليزيحه عن طريقه. وتهمة الرشوة هذه تدخلنا مباشرة الى عالم جديد وخط درامي مختلف تماماً عن الخط الذي بدأ به الفيلم، فبعد قصة الحب الذي بدأت بها الاحداث، يدخلنا الفيلم الى عالم الاستيراد والانفتاح.

المتهم محمود يعمل مفتشاً في وزارة الصحة بميناء بورسعيد ويضبط متلبساً بقبول رشوة من ابراهيم الفخراني (سعيد صالح) أحد المستوردين مقابل تمرير صفقة فاسدة من اللحوم (البولوبيف). وتتصدى آمال كمحامية للدفاع عن حبيبها الذي تؤمن تماماً ببراءته وبان ابن عمها هو الذي لفق هذه التهمة له ليمنع زواجه منها.

يقدم لنا الفيلم من خلال اسلوب (الفلاش باك) ثلاث روايات للواقعة.. كل رواية تمثل وجهة نظر متعارضة مع الاخرى، وذلك ضمن حبكة درامية متقنة جعلت المتفرج ينازعه الاعتقاد ببراءة المتهم أو جرمه. وتنجح المحامية في تبرئة محمود وإدانة ابن عمها الضابط، إلا ان الحقيقة تظهر في النهاية، بعد رواية الفخراني الثانية لآمال، والتي لا تصدقها إلا بعد ان تكتشف هذه الحقيقة بنفسها، وهي ان محمود مرتشٍ فعلاً، وان عينة اللحوم الفاسدة التي أخفاها ليهدد بها المستورد تسببت في وفاة عائلته. فتواجه المحامية بجريمته لينهار ويعترف بجرمه، مبرراً ذلك بانه أراد ان يحقق لها نفس المستوى المادي الذي تعودت عليه.

كتب قصة الفيلم المخرج نفسه، وصاغها كسناريو الكاتب مصطفى محرم، وكلاهما وقع في أخطاء درامية وتجاوزات أوقعت الفيلم في مصيدة المباشرة واللامنطقية، وأفقدته الكثير من قيمته الفنية. فقد بدأ الفيلم بمقدمة ضعيفة أراد بها المؤلف ان يختلق أي مبرر لتباعد الحبيبين ثم للقائهما مرة اخرى، حيث تستمر نفس عناصر الحدث الدرامي السابق.

كما ان الفيلم عندما أراد ان يقدم لنا نموذجاً للمرتشي قدم نموذجاً ضعيفاً جداً من حيث القيمة أو الحجم، فموظف صحة صغير في ميناء بورسعيد ليس هو المشكلة التي يمكن ان يناقش من خلاله مرض خطير ومنتشر في المجتمع كالرشوة. كذلك نموذج الفساد الذي قدمه الفيلم والذي أداه الممثل الكوميدي سعيد صالح، كان غير موفق تماماً باعتبار ان هذا الفنان المليء بالحيوية والمرح قد جعل من هذا الانفتاحي الشرير شخصية ذات جاذبية شديدة. فقد نجح سعيد صالح بالفوز بتعاطف المتفرج وإقناعه بمنطقه القوي الذي يفلسف به السرقة والفساد كجزء من تيار عام حوله لدرجة إقتناع المتفرج بشرعية هذا الانحراف وانه بالتالي ضحية لمناخ عام يفرض طريقاً واحداً للثراء السريع. وهذا بالطبع منطق خاطىء وغير واقعي تماماً.

كذلك أخفق الفيلم في إيجاد التبرير المنطقي لإنحراف موظف الصحة. فما الذي دفع هذا الشاب الى الانحراف!! وهو الذي رفض مساهمة حبيبته في تأثيث شقتها من باب الشرف والكرامة!! وإذا كان العائدون من الخارج بمدخراتهم لا يكتفون بذلك وينحرفون، فماذا يفعل ملايين الشرفاء الكادحين الذين بقوا في بلدهم وإحتملوا أسوأ الظروف!!

ثم ان شاباً يرتشي فقط لكي يحفظ لحبيبته نفس مستواها المادي الذي إعتادته لهو شاب فاسد تماماً سواء كان هناك تجار أغذية فاسدة أو لم يكن.. وليس هناك أية علاقة لهذا الانحراف في السلوك لا بالانفتاح ولا بأي مناخ إقتصادي أو إجتماعي آخر، فهذا إنحراف أو سلوك فردي تماماً.

وهنا يخسر الفيلم كثيراً من أرضيته الاجتماعية، هذا إضافة الى ان السيناريو لم يجعل الفتاة نفسها جشعة أو متطلعة حتى يكون مبرراً قوياً يمكن الاقتناع به لانحراف الشاب، بل جعلها مولعة بحبه الي أقصى درجة ومتعاونة بل ومثالية.

كما كان من الواضح تماماً بان الفيلم قد حرص على الاهتمام بالحبكة البوليسية، ولكنه فعل ذلك على حساب الاهتمام بالمضمون الاجتماعي للفيلم، وبالتالي فقد أخفق في تقديم الكثير من التفاصيل المهمة التي تساهم في تبربر سلوك الشخصيات. كما ان هذا الاهتمام بالتشويق البوليسي جاء على حساب رسم الشخصيات ودوافعها ونقاط ضعفها، وبالتالي مبررات تحولاتها المفاجئة.

صحيح ان الحبكة الدرامية البوليسية قد جاءت محكمة وتعكس براعة حرفية واضحة، إلا انها كانت على حساب المضمون الاجتماعي ـ كما أسلفنا ـ والذي بدأ كمجرد غطاء أو خلفية للغز البوليسي المطروح في الفيلم، فبدلاً من ان تصبح القصة البوليسية مجرد وسيلة لتقديم موضوع اجتماعي تحولت القضية الاجتماعية الى مجرد وسيلة لتقديم فيلم بوليسي.

وبالرغم من كل هذه الاخفاقات في كتابة السيناريو، إلا ان هذا لا ينفي قدرة السيناريست مصطفى محرم على تقديم حوار مميز ولاذع وخلاق يتناسب مع طبيعة الشخصيات، خصوصاً شخصية الانفتاحي. كما ان المخرج علي عبدالخالق إستطاع السيطرة على أدواته الفنية والتقنية بان يقدم اسلوباً بسيطاً دون استعراض زائد عن وظيفته لا يتحمله الفيلم.

أما بالنسبة للاداء التمثيلي، فقد فاجأنا الفنان سعيد صالح في دور مختلف وجاد وهو الممثل الكوميدي، ليؤكد بانه ممثل فنان وليس ذلك المهوج الذي يتصوره البعض في مجمل أدوار حبسه فيها تجار السينما. أما بقية الممثلين فقد كان أداؤهم جيداً، كل في حدود تكوين شخصيته.

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004